"الكنائس في مصر اختلفت على طبيعة المسيح - عليه السلام - واتفقت على مبارك" عبارة أطلقها بعض الشباب القبطي المنادي بإدخال إصلاحات على الكنيسة بعد ثورة 25 يناير؛ بل طالبت بيانات قبطية بعزل البابا شنودة، لكن الرياح الثورية لم تتوقف عند حدود الكنيسة بل تعدتها إلى مسيرات قام بها عدد من مشايخ الأزهر تطالب بإصلاحات داخل المؤسسة الأزهرية وأن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب، خاصة بعد موقف الأزهر من ثورة يناير الذي وقف فيه مؤيدا لمبارك، كذلك امتدت عاصفة التغيير إلى جماعة الإخوان المسلمين حيث أخذت مجموعات شبابية إخوانية بإطلاق حملات تطالب بإقالة مرشد الجماعة والقيام بإصلاحات عميقة داخل الجماعة.

والسؤال المطروح هل ما تعيشه مصر بعد ثورة 25 يناير من مطالبات إصلاحية هو نوع من عدوى التظاهر التي امتدت إلى قطاعات كبيرة من الدولة والمصريين وسوف تهدأ مع هدوء موجة الغضب والثورة؟ أم أن تلك المطالبات بالتغيير والإصلاح والتنحية في تلك الكيانات الثلاثة الكبيرة لها ما يبررها؟

فالأنبا شنودة يسيطر على الأقباط ويسعى إلى إدخالهم الكنيسة لتتحدث باسمهم مقابل الدولة والمجتمع، وهو ما يضفي دورا سياسيا على حركة البطريرك؟ وفي الأزهر فإن تراجع الدور والمكانة للمؤسسة وضعف التكوين لخريجي الجامعة الأزهرية وخفوت دور الأزهر وخضوع منصب شيخه وإمامه لتوجهات الدولة وتوجيهاتها تفرض ضرورة الإصلاحات الجذرية للمؤسسة مع تحقيق استقلاليتها؟ أما الإخوان فرغم دورهم المؤثر في ثورة يناير واستشهاد أكثر من أربعين من عناصرهم إلا أن هناك استحقاقات تنظيمية وتكوينية وفكرية وشرعيات جديدة تفرض نفسها على الساحة الإخوانية خاصة بعد تآكل شرعية السجن، وشرعية الصبر، وإصرار شرعية الديمقراطية والإنجاز أن تكون هي الحاكمة والمسيطرة على العلاقة التنظيمية بين الإرشاد والإخوان في الفترة المقبلة.

البطريرك.. والكنيسة

هاجم الشباب القبطي الكنيسة وبطريركها البابا شنودة الثالث لدعمه الرئيس مبارك ونظامه أثناء ثورة 25 يناير، حيث طالبت الكنيسة من أتباعها عدم المشاركة في تلك الثورة، وأن يقتصر دور الأقباط على تأييد مبارك على اعتبار أن ما حصل عليه الأقباط في عهد مبارك من ميزات لم يتحصلوا عليها في عهود سابقة، وهاجمت بعض البيانات القبطية ومن بينها ما هو منسوب إلى منظمة الاتحاد القبطي البابا شنودة وعددا من كبار القساوسة من بينهم سكرتير المجمع المقدس على موقفهم المهادن للنظام مبارك، وطالبت تلك المنظمة بثورة على البطريرك وأن يقوم الأقباط بالزحف على كاتدرائية العباسية - حيث المقر البابوي - وإجبار البابا شنودة على التنحي، وأن يتم الإفراج الفوري على عدد من الأساقفة والمطارنة الذين فرض عليهم البابا شنودة الإقامة الجبرية مثل الأنبا تكلا، والأنبا ميتاس، والأنبا أمونيوس، وإرجاع عشرات من الكهنة المعارضين لشنودة إلى كنائسهم، كما طالب البيان بتحرير المجلس الملي من سيطرة البابا شنودة، والسماح للأسر التي حصلت على حكم قضائي بالطلاق ومنعها شنودة من ممارسة ذلك من تنفيذ الحكم والسماح لهم بالعودة إلى كنائسهم.

ولم يتوقف الأمر عند ما طرحه أقباط في المهجر ولكن قامت أعداد من المطلقين بتنظيم أول مظاهرة لمطالبة البابا شنودة بعزل ومحاكمة الأنبا بولا- وكيل المجلس الإكليريكي المختص بالطلاق- بسبب منحه لتصريحات بالطلاق حسب رغبته، كما يقول المتظاهرون، لكن بدأت في الداخل القبطي في مصر حركات تطالب بضرورة رحيل رموز الكنيسة، منها ما أطلقت على نفسها "حركة ارحلوا" و"حركة التطهير" و"حركة لازم تمشوا" وهؤلاء طالبوا بوقفة غضب قبطي ضد البابا وعدد من القساوسة، ووصف بعض الكهنة بأنهم "كهنة الأمن" و"كهنة مبارك"، كما طالب بيان من شباب قبطي بضرورة محاسبة الأنبا شنودة على الأموال التي لديه والتي قدرها البيان بحوالي مليار دولار.

أما رد فعل الكنيسة على تلك التحركات الشبابية، فهو قيام البابا بعقد اجتماع مع عدد من كبار الكهنة وتم توجيه مطالبات للشباب القبطي بضرورة المشاركة السياسية واستخراج البطاقات الانتخابية تحسبا لأي انتخابات رئاسية وبرلمانية مقبلة، كما طالبوا الشباب القبطي بضرورة الانخراط في الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، كما صرح أسقف شبرا الأنبا مرقص بأنه سيتم عقد لقاء بين رؤساء الكنائس الثلاث الأرثوذوكسية والإنجيلية والكاثوليكية لبحث إنشاء مجلس الكنائس المصري، لإيجاد نوع من الوحدة بين مختلف الكنائس في المجال السياسي والاجتماعي في الفترة المقبلة، وهو تصريح أكدته – أيضا - الكنيسة الإنجيلية على لسان رئيس الطائفة صفوت البياضي من أن الكنائس الثلاث ستجتمع لبحث حث الشباب القبطي على المشاركة السياسية.

والواقع أن حركة البابا والكنيسة إبان عهد مبارك شهدت قدرا كبيرا من الاتفاق، رغم بعض الأحداث، لكن موقف البابا والكنائس المعارض للثورة الشبابية والإصرار على استمرار الالتصاق الكامل بنظام مبارك على اعتبار أنه يحقق مصالح الأقباط أدى إلى إحداث نوع من الشرخ داخل الشباب القبطي، حيث شاركت أعداد ملحوظة من الأقباط في الثورة وسقط منهم شهداء برصاص الأمن، وأقام أقباط قداسا لهم في ميدان التحرير، وهو ما كشف عن اتجاه شبابي قوي داخل الأقباط برفضهم لرؤية شنودة في أن يكون الأقباط طائفة وأن من يعبر عنهم هو البابا والكنيسة، فالتحركات الشبابية تعتبر أن مشاركتها على أرضية المواطنة الكاملة هي المكسب الأساسي للأقباط، وأن الأقباط بمشاركتهم الكاملة في الأحداث الوطنية وإحساسهم بأنهم يعيشون في وطن واحد مع المسلمين بكامل الحقوق والواجبات هو ما يجب أن يناضل من أجله الشباب القبطي وهي رؤية لا تتفق مع ما ينتهجه البابا شنودة، ولذا كانت التهديدات بعزل الأقباط الذين وقعوا –بالاشتراك مع مسلمين - على بيان عرف باسم "الأقباط لمصر" نادوا فيه بإصلاحات جذرية داخل الكنيسة.

الأمر الآخر أن الكنيسة الأرثوذوكسية التي يتزعمها البابا شنودة يبدو أنها تسعى لبناء تحالف مسيحي مع الكنائس المختلفة، كما تطالب الأقباط بأن يبادروا باستخراج البطاقات الانتخابية، رغم أن التعديلات الدستورية أشارت إلى أن الانتخاب سيكون بالرقم القومي، وهو ما جعل البعض يخشى من دور كنسي في تكتيل الصوت المسيحي وجعله صوتا طائفيا، وهي مشاعر رأى الكثير من الشباب القبطي أن ثورة 25 يناير قضت عليها لصالح الصوت الوطني وليس الطائفي.

الأزهر.. والشيخ

وعلى مستوى المؤسسة الأزهرية، فإن الشباب الذين قاموا بثورة 25 يناير لم يرقهم تصريحات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب التي كانت ضد التظاهر والثورة الشبابية، ثم قارنوا موقفه من الثورة بعد تنحي مبارك وموقفه الواضح تجاه ما يجري في ليبيا، وهو ما أكد لهم أن الأزهر ليس مؤسسة علمية وتعليمية فقط، ولكنه مؤسسة تخوض السياسة كشرعية مساندة للنظام القائم.

لكن الجديد في الموقف هو خروج مظاهرات من أزهريين تطالب بإدخال إصلاحات جذرية وحقيقية على تلك المؤسسة الألفية، فطالبوا بضرورة استقلال الأزهر وأن يسترد مكانته في العالم الإسلامي، باعتباره قادرا على أن يمثل مرجعية للإسلام السني في العالم، وطالبوا بأن يكون شيخ الأزهر واصلا إلى منصبه بالانتخاب مع تحديد مدة معينة في شغله لذلك المنصب، وقال أحد الشيوخ المتظاهرين "يجب إطلاق سراح الأزهر، فهو مقيد وتابع للدولة..ولا يمكن أن تتبع المؤسسة الدينية مؤسسة الحكم.. يجب تحرير الأزهر" وطالبوا بإلغاء وزارة الأوقاف، وأن ترفع الدولة يدها عن الأزهر حتى يستطيع أن يقوم بدوره، لأن شيخ الأزهر أصبح موظفا لدى الدولة، وأن يصل الشيخ إلى المشيخة بالانتخاب لأن ذلك سيعيد للمنصب حيويته ورونقه وحضوره داخليا وخارجيا، كما طالبوا بألا تتبع المعاهد الأزهرية شيخ الأزهر حتى لا ينشغل بإدارتها عن إدارة الأزهر كمؤسسة عالمية.

كان الدكتور الطيب قد صرح عقب الثورة أنه مع انتخاب شيخ الأزهر، لكن الواقع أن الأزهر يعاني تراجعا كبيرا في الدور والحضور، وهو يحتاج إلى ثورة داخلية سواء على مستوى القيادات التي تقوم على شأنه أو على مستوى تنظيمه والقوانين التي تنظم عمله، أو على مستوى علاقته بالدولة حيث لا بد أن يخرج من دور المضفي للشرعية الدينية على النظام السياسي القائم، وثورة على مستوى مناهجه وخطابه الديني الذي يكشف عن كم كبير من  المحافظة والخطاب التقليدي الذي يمكن وصفه في بعض الحالات بالجمود.

الإخوان .. والمرشد

وعلى صعيد الإخوان المسلمين، فرغم مشاركتهم القوية والفاعلة في الثورة، وسقوط (40) شهيدا منهم في ثورة يناير، إلا أن مطالب الشباب بالإصلاح لم تتركهم وشأنهم، فطالبت مجموعات شبابية إخوانية بإجراء إصلاحات داخلية تتعلق بتطوير اللائحة الداخلية التي تنظم عمل الإخوان، ومن ذلك الفصل بين مكتب الإرشاد كجهة تنفيذية وبين مجلس الشورى كجهة رقابية على الإرشاد، كما طالبوا بألا يكون للتنفيذيين في مكتب الإرشاد حضور في مجلس الشورى.

وطالب آخرون بحل مكتب الإرشاد ومجلس الشورى وإجراء انتخابات إخوانية على أن يتولى المرشد السابق مهدي عاكف الجماعة في تلك الفترة الانتقالية، وأنشأ بعض هؤلاء الشباب صفحة خاصة بهم على "الفيس بوك"، وحددوا يوم 17 مارس للتظاهر أمام مكتب الإرشاد في المنيل وقالوا إنهم سيجمعون حوالي 30 ألفا من شباب الإخوان للقيام بالتغيير المنشود، وقد رد عدد من شباب الإخوان عليهم بصفحة مضادة أسموها "إحنا شباب الإخوان إيد واحدة مع قيادتنا" ويرى هؤلاء أن عدد الإخوان في مصر يزيد على (750) ألف عضو وأن هذا العدد يميل إلى تأييد مكتب الإرشاد خاصة وأن هذا التأييد قائم على قدر من الإنجاز على سرعة مبادرة الإخوان بالانخراط الكامل في الثورة وهو ما أعطاها دفعة قوية في النجاح.

ويرى البعض أن الحالة مختلفة بين الكنيسة والأزهر والإخوان، فالإخوان جماعة طوعية، كما أنها تتبنى خطابا دينيا يميل إلى الانفتاح بدرجة قد تفوق الأزهر، وخطابا سياسيا يميل إلى المشاركة السياسية على قاعدة المواطنة على الرغم من بعض الملاحظات على برنامج حزب الإخوان الذي تتم دراسته فيما يتعلق بالمرأة والأقباط، لكن هذا لا يمنع أن الإخوان في حاجة إلى قدر من الإصلاح الداخلي سواء على المستوى التنظيمي واللائحي أو على مستوى تأهيل قواعدهم وفعاليتهم للتفاعل مع الوضع الجديد، الذي يغلب الديمقراطية والمشاركة الكاملة والانفتاح على القوى المجتمعية المختلفة وكذلك السياسية.

المصدر: إسلام أون لاين
Khaled-now

((Yes we are here نَعم نحن هُنا))

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
13 تصويتات / 380 مشاهدة
نشرت فى 6 مارس 2011 بواسطة Khaled-now

ساحة النقاش

sesonsaso

بجد موضوعاتك رائعه
وشديده الاهميه

Khaled-now

اشكرك الاخت الكريمة ومرحباً بك

Khaled M Ewaida فى 7 مارس 2011

Yes we are here نَعم نحن هُنا

Khaled-now
نحن صفحة إخبارية تعمل على مدار الساعة تهتم باخبار العرب من المُحيط الى الخليج...فمرحباً بكل العرب.. تاريخ تأسيس الصفحة : 5 مارس 2011 مُديرالصفحة : خالد عويضة »

كل الأخبار

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

214,903

نَعم نحنُ هُنا















bloguez.com
widgets
تحويل التاريخ
ميلادي إلى هجري هجري إلى ميلادي
اليوم: الشهر: السنة

مقالات/ نَعم نحن هُنا

↑ Grab this Headline Animator

Email me
Khaled M Ewaida

إنشاء شارتك الخاصة

.......................
free counters










........................................