أول الأمر في الرسالة
مقدمة
لقد أوضحت الرسالة المحمدية كل ما يساعد الناس على معرفة معالم ومعاني وأهداف الرسالة السماوية. حيث حرص الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم الذي أدى الأمانة كاملة، على توضيح بداية علوم الرسالة لما أورده ابن كثير: ( روى الإمام أحمد ، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: "قد بشرتنا فأعطنا، قال: "أقبلوا البشرى يا أهل اليمن" قالوا: قد قبلنا، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ؟ قال : كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء" ، قال فآتاني آت فقال يا عمران انحلت ناقتك من عقالها، قال فخرجت في إثرها فلا أدري ما كان من بعدي). يواصل ابن كثير قوله: ( وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة، فمنها: قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، فقال: " كان الله ولم يكن شيء قبله - وفي رواية: غيره، وفي رواية، معه - وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض " وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء ) كما أورد ابن كثير حديث أبي هريرة الآتي الذي أخرجه البخاري ومسلم: (عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك " وقال: " يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار " وقال: " أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع كما ورد الحديث التالي: "عن عبد الله بن عمر بن العاص قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء". قال فيه مجاهد: " وكان عرشه على الماء" قبل أن يخلق شيئاً، وقال قتادة: " وكان عرشه على الماء" ينبئكم كيف بدء خلقه قبل أن يخلق السماوات والأرض.. وقال ابن عباس:" إنما سمي العرش عرشاً لارتفاعه" وعن سعيد بن جبير، سئل ابن عباس عن الله "وكان عرشه على الماء" على متن الريح.).لقد أوضحت هذه الأحاديث أن الله قد وضع المقادير قبل خمسين ألف سنة من بدء خلق السماوات والأرض وعرش الرحمن على الماء مما جعل بعض الأسئلة تطرأ على الذهن وهي: هل خلق الله الخلائق مرتين؛ مرة قبل خمسين ألف سنة ووضع لها المقادير، ومرة أخرى بعد خلق السماوات والأرض كما يعتقد بعض الناس؟ أم لمن كانت هذه المقادير إن لم يكن هنالك خلق وعرش الرحمن على الماء؟
من أجل استنباط الإجابة كان لابد من تحليل ما ورد في الأحاديث المذكورة وهو:
-كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء"
-إن الله قدر مقادير الخلق قبل خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء.
-وكان عرشه على الماء" قبل أن يخلق شيئاً
تحليل الأحاديث
إن العبارتين " كان الله ولم يكن شيء غيره" و" كان عرشه على الماء " تؤكدان عدم وجود خلق وعرش الرحمن على الماء. أما ما يستنبط من عبارة: "إن الله قدر مقادير الخلق قبل خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء"، هو أن الله عز وجل قد قرر خلق خلائق تعرفه وتعبده وحده. ولهذا خطط لخلق مأواهم أولاً ثم خطط لخلقهم ووضع المقادير لهم. ولهذا أحسب أن تلك المرحلة أي فترة الخمسين ألف سنة كانت مرحلة تخطيط دقيق وتصور بديع لمملكة عزيز مقتدر. ثم كتب تفاصيل ذلك التخطيط في الذكر أي في اللوح المحفوظ. والدليل على أن أول الأمر كان تخطيطاً فقط هو ما ورد في الأحاديث التالية: عن أبي هريرة قال1: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حاج موسى آدم عليهما السلام، فقال فقال له :أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم ، قال آدم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، تلومني على أمر قدر على قبل أن أخلق؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى" مرتين. إن هذا الحديث يشير إلى أن خطيئة أبينا آدم قد قدرها الله وخطط لها قبل أن يخلق أبونا آدم لحكمة واضحة وهي تعليم البشر كيف ترتكب الخطيئة وما هي أسبابها وكيف يطلب المرء التوبة منها والله أعلم. وعن عمر بن الخطاب قال2: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي} فقال له الله وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟ فقال يا رب لأنك لما خلقتني بيديك ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوب لا إله إلا الله محمداً رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك..". فسؤال المولى عز وجل لأبينا آدم " وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد " لهو أكبر دليل على أن الأمر كان تخطيطاً فقط. إذاً يمكن الوصول إلى ما تم تخطيطه في تلك المرحلة والهدف منه، عن طريق معرفة معنى التخطيط في الدنيا ومقارنته بتخطيط الإله عز وجل. فالوصول للتخطيط يمثل المحور الذي يرتكز عليه فهم الرسالة المحمدية وعلومها
تعريف التخطيط
يعرف التخطيط البشري لمشروع ما باختصار شديد هو: "وضع تصور متكامل لشيء ما بهدف محدد. فيشمل ذلك التصور تحديد الزمان والمكان وكل ما يحتاجه تنفيذ ذلك الشيء المخطط له". ولكن هنالك فرق شاسع جداً جداً بين التخطيط البشري والتخطيط الإلهي.
الفرق بين التخطيط البشري والتخطيط الألهي
يمكن تلخيص الفرق في النقاط التالية:
-إن تخطيط الخالق لا يشوبه خطأ ولا نقص لكمال الخالق المنزه عن النقص والخطأ. وتخطيط البشر يشوبه النقص والخطأ لأن البشر ناقصون
-لا تراجع عن أي شيء تم تخطيطه عن طريق الإله لأنه منزه عن الخطأ ولأن تخطيط الله مقضي ومنفذ لا محالة. وذلك لملكيته لكل شيء ولعلمه بغيب السماوات والأرض ولمقدرته المطلقة. في حين أن تخطيط البشر يمكن التراجع عنه لمحدودية علمهم بما في الغيب ولمحدودية مواردهم المتاحة لهم ومحدودية قدراتهم. تخطيط الخالق وتنفيذه لا يحتاج لزمن ولا ولا لأشياء أخرى بل كل ما يحتاجه هو نطق كلمة كن فيتم التنفيذ بدقة متناهية، لقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} "117" البقرة في حين أن التخطيط البشري يحتاج إلى زمن طويل ولأموال كثيره وعمالة ومعدات وغيره. وفي كثير من الأحيان لا يتم تنفيذ ذلك الشيء المخطط له وربما تم إلغائه نهائياً لمحدودية مقدرة البشر على توفير المتطلبات في الزمن المحدد له
كيفية استنباط تخطيط الإله والتصور له
يمكن استنباط ما خططه المولى عز وجل من حقيقة " أن كل ما خططه الإله لا رجعة فيه ولا تغيير فيه لكماله". إذاً ما نعيشه في واقعنا اليوم وما ستعيشه الأجيال القادمة إلى يوم الدين هو الذي خططه الإله وقدره قبل خمسين ألف سنه من خلق السماوات والأرض، وقد تم تنفيذه بقول "كن فكان". وبناءً على ذلك سيتم تصور التخطيط الإلهي من آيات الله أولاً ومن واقع الحياة ثانياً
التصور للتخطيط والهدف منه
إن ما يستنبط من واقع الحياة بصورة عامة هو أن الله قد خطط لحياتين مختلفتين؛ الحياة العلوية والحياة الدنيوية. والتخطيط لكل منهما له أهدافه.
التخطيط للحياة العلوية والهدف منه
إن الله سبحانه وتعالى قد خطط للحياة العلوية كالآتي:
- أن تكون في سبع سماوات طباقا. وأن يستغرق إنجازها يومين بناءً على الآية:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يومين وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} "12" فصلت
- أن يعمرها خلق معين وبمواصفات معينة وهم الملائكة لقوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَليْهِم مِّنَ السَّمَاءمَلَكًارَّسُولاً} "95"الإسراء ومن صفات الملائكة أنهم رسل ذوي أجنحة بناءً على الآية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} "1" فاطر - أن يخلق في السماوات قمر وشمس وكواكب مضيئة. بناء على الآيات: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} 15-16 نوح
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} "6" الصافات
- أن يخلق أصل الخلائق "أبونا آدم وأمنا حواء وإبليس" في السماء. ثم يتم إنزالهم إلى الأرض بعد ذلك بناءً على الآيات التالية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } }{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين} "30-36" البقرة - من بين التخطيط وضع المنهج الذي يتم به حكم مسار مملكتيه وهو عبارة عن الأحكام والقوانين التي أولها عبادته الخالصة والاستعانة به وحده وطرقها. ثم وضع الجزاء لمن يتبع منهجه والعقاب لمن لا يتبعه.
- أن تخلق في السماء جنة كلها نعيم لتكون الجزاء لمن آمن بالله واتبع منهجه وتخلق نار فيها من العذاب مالا يعلمه إلا الله لتكون العقاب لمن كذب به وصد عن منهجه، كما ورد في الآيتين التاليتين: {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} "39" البقرة {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} "82" البقرة
- أن يخلق أصل الأنعام أيضاً في السماء بناءً على الآية: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} "6" الزمر عليه يمكن استنباط الأهداف التي بموجبها تم التخطيط من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أيضا أهداف خلق السماوات -أن تكون السماوات مقر إدارة الحيا تين حيث جاء الآتي: -إن الملائكة الذين هم خدمة للعرش هم رسلاً بين السماء والأرض. ولهذا قدر لهم أن يكونوا أولي أجنحة كما ورد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}"1" فاطر - أن يحمل الملائكة عرش الرحمن و يسبحونه ويستغفرون للذين آمنوا كما في الآية:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} "7" غافر -أن تنزل من السماء الماء لإنبات الزرع في الأرض كما جاء في الآية: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} "10" النحل -أن ينزل الرجز من السماء على الظالمين: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} "162" الأعراف -أن تكون السماء الدنيا سقفاً للحياة الدنيوية بناءً على الآية: {وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} "32" الأنبياء -أن تكون السماوات خزائن لمقادير الخلائق لما في الآية: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} (21) الحجر -أن يكون كل من الشمس والقمر مصدراً للضياء والنور للحياة الدنيا وجعل القمر منازلاً لعلم عدد السنين والحساب لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} "5" يونس -أن تكون الكواكب مصابيح وزينة للسماء الدنيا: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}(5) الملك التخطيط للحياة الدنيوية والهدف منه لقد خطط الله أن تخلق الأرض في يومين كما جاء: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} "9" فصلت - بارك الله في الأرض بعد أن خطط لها أن تخلق في يومين وقدر لها أقواتها وخطط أن يكون فوقها الجبال رواسي في يومين. فيكون مجموع الزمن الذي يستغرقه خلق الأرض بما فيها أربعة أيام بناءً على الآية: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} "10" فصلت -أن يعمر الأرض كل مخلوقات الله كالإنس والجن والحيوانات عدا الملائكة - أن يرسل للخلائق كتباً بها المنهج الموضوع قبل خمسين ألف سنة من الخلق عن طريق رسل يوضحون للخلق آيات الله وهداه والجزاء الحسن لمن اتبعه والعقاب الشديد لمن خالفه. وتستنبط أهداف خلق الأرض وما فيها من الآيات أيضاً كما استنبط تخطيط خلقه للسماوات أهداف خلق الأرض -أن تكون الأرض فراشاً للمملكة أي مأوى وسكن للخلائق التي ستعمرها، مزودة لهم بكل ما يحتاجونه كما في الآيات: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} "22" البقرة {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا} {مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} "30-33" النازعات -أن تكون الأرض وزينتها فتنة وامتحان للخلق حتى يميز الله بها الطيب الذي يريد مرضاة الله والآخرة، مِنْ الخبيث الذي يخلد إلى الأرض ولا يريد إلا الحياة الدنيا وزينتها. وذلك بناءً على الآيات التالية: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا }"7-8" الكهف مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ}{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} "15-16" هود أن يعبد "الإنس والجن" وكل المخلوقات الأخرى في الأرض الله وحده ولا يشركوا به شيئاً كما ورد في الآيات التالية: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} "56" الذاريات {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} "44" الإسراء فعبارة "إلا ليعبدون "56" الذاريات تحد مهمة الخلائق في هذه الأرض. وبما أن الأرض وما فيها قد خلقها الله لعباده وهيأها لهم لعبادته، جعل الإنس مستخلفين فيها أي متصرفين فيها بمقتضى المنهج الذي وضعه له التصور للمقادير التي قدرت للخلائق قبل خلق إن المقادير التي قدرها الله للخلق تتكون من قسمين: قسم عام لكل الخلائق وقسم خاص. وكل قسم مكون من مقادير خير ومقادير شر المقادير العامة لقد قدر الله لكل بلد ولكل قبيله ولكل أسرة مقادير مشتركة منها مقادير خير كالأمطار التي يتأتي من ورائها الزرع والرزق الوفير لكل البلاد. أما أقدار الشر كالحروب والزلازل والبراكين. فمنها ما يصيب مناطق محددة وتتأثر بها أسر محددة وهكذا المقادير الخاصة إن واقع الحياة يشير إلى أن المقادير الخاصة هي عبارة عن: مجموعة من الحزم المختلفة. وأحسب أن كل حزمة مكونه من مجموعة أشياء. وقد تم وضع الحزم بمقادير متفاوتة للخلائق ليأخذ كل مخلوق منهم نصيبه الذي قسمه الله له أي قدره له. وقد تم التخطيط لتلك المقادير (أي مقادير الأشياء المكونه منها الحزم)، أن تحفظ في خزائن الله ثم تنزل للخلائق بعد خلقهم بقدر معلوم في أزمان وأماكن متفاوتة ومعلومة بناءً على قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} "21" الحجر ومن واقع الحياة التي نعيشها أيضاً ومن الآيات والأحاديث يمكن التصور لتلك الحزم التصور للمكونات وللحزم أولاً المكون من حياتنا يتضح أن كل حزمة قدرت لكل مخلوق تتكون من العمر، الإسم ، الشكل أو الصورة، الزوج أو الزوجة، المال، السكن، الذرية، الصحة، الأمن ، الأهل ، القبيلة والبلد. كل واحد من هذه الأشياء قد كان مقدراً مسبقاً بناءً على ما أوضحته آيات القرآن والأحاديث كالآتي: الاسم لقد ورت في الاسم الآية: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا } "7" مريم ومعنى ذلك أن الله قد وضع كل أسماء الخلائق ولم يكن الله قد أعطي الاسم "يحي" لأحد من قبله ولكنه أعطاه لمن ولد من بعده. كما أن الحديث التالي: ..عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال : أي رب من هؤلاء؟ قال هؤلاء ذريتك. فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه، قال : أي رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داؤود،...". إن هذا الحديث يؤكد أن الله قد قدر الأسماء لكل الخلائق وهم في ظهور آبائهم من قبل أن يخلقوا في الأرض العمر قد جاءت في العمر الآية: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِد ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} "145" آل عمران {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} الخلق أوالشن لقد ورد فيهما: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} "6-8" الانفطار الزوج أو الزوجه نذكر فيهما قول الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} "21" الروم القبائل التي ينتمي إليها كل مخلوق خلق كل مخلوق في قبيلته توضحه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ اتقاكم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} "13" الحجرات البنون جاء فيهم: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} "40-50" الشورى كما ورد أن الله قد خطط لكل إنسان نصيبه من الذرية. فمنهم من تكون له إناث فقط ومنهم من تكون له ذكور فقط ومنهم من يكون لديه إناث وذكور. كما قدر له عدد النطف التي ستوضع في رحم زوجته وفي وقت محدد. فمنها ما يستقر ويكتمل نموه ومنها مالا يكتمل نموه. وكل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ بناءً على الآيات: اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} (8) الرعد الرزق العيش توضح الآية التالية أن الله قد قسم معيشة الخلق وهي:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} "32" الزخرف الصحة والمرض أما الصحة والمرض فقد ورد فيهما الحديث1: عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره وفيه { ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع السقام ، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال : (كي تشكر نعمتي) المسكن وقد جاء في المساكن:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} "58" القصص {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِج عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} "33" الزخرف لقد أوضحت الآية "58" القصص أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يرث الأرض لأنه مالكها فلا يرث إلا من كان له الحق في الشيء الموروث. والآية "33" توضح أن الله هو الذي قدر المساكن للخلائق ولو أراد أن يجعل لبيوت الكفار سقفاً من فضة لفعل ولكن حكمته هو أن جعل الناس أمة واحدة. التصور للحزم المختلفة للخلائق بعد أن توصلنا لمكونات الحزم، يمكن التصور للحزم المختلقة بأخذ أمثلة من واقع الحياة مرة أخرى. وهي التي تم تنفيذها وسيستمر تنفيذها إلى أن يرث الله الأرض وما عليها
- حزمة بها " زوجان لهما رزق وفير من مال وصحة وذرية ومودة بينهم مع تحديد أعمارهما وأسماءهما وقبيلتيهما وبلد كل منهما. مع تحديد أعمار وأسماء أبنائهما ..."
- حزمة مكونة من "زوجين ومعهما مالاً محدوداً وصحة كاملة ولكن ليس لهما أبناء مع تحديد عمريهما واسميهما وقبيلة كل منهما وبلديهما..."
- حزمة مكونة من" رجل بدون زوجة أو زوجة بدون زوج ولأي منهما صحة من غير مال أو بمال قليل وقد تحدد لكل عمره واسمه وقبيلته و..."
- حزمة من " زوجين وأبناء مع أمراض وبدون مال وقد حدد لكل إسمه وعمره وقبيلته وبلده و...الخ" التصور لمقادير مشتركة بين الخلائق ومشتركة بين الرسل بين الخلائق أولاً: لقد قدر الله لجميع الخلائق أن تخلق وبها ضعف لأن الكمال لله وحده بناءً على الآيتين: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} "28" النساء{الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}"76" النساء بين الرسل -أن يكونوا من جنس البشر وأن لا يكونوا من الأغنياء المنعمين بناءً على الآية: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًارَّسُولاً}"93"الاسراء - أن يكونوا وجيهين بناءً على ما ورد في الآيتين: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}45 آل عمران - أن يكونوا صادقين وصديقين وأئمة كما جاء في الآيات التالية: {وَاذ�