لقد اتفق العلماء في معنى كلمتي "الظلمات والنور" التي وردت في عدد من الآيات بأن الظلمات هي(الضلال والكفر). والنور هو (الإيمان والهدى). ولكنهم اختلفوا في معنى الظلمات والنور في الآيه 1 الأنعام والظلمات الثلاث في الآيه 6 الزمر فمن العلماء ما فسر الظلمات والنور في الآية 1 الأنعام { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } بأنهما الظلام الحسي والنور الحسي. ومنهم من فسرها بالآتي 1: (المراد بالظلمات سواد الليل، وبالنور ضياء النهار. وقالوا: الكفر والإيمان. قال ابن عطية: وهذا خروج عن الظاهر. والأولى أن يقال: إن الظلمات تشمل كل ما يطلق عليه اسم الظلمة، والنور يشمل كل ما يطلق عليه اسم النور، فيدخل تحت ذلك ظلمة الكفر ونور الإيمان).
وفي معنى الظلمات في الآية 6 الزمر{ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ }، اتفق جميع المفسرين على أنها ثلاثة أماكن مظلمة في بطون الأمهات. واختلفوا في تحديد الأماكن الثلاث. فمثلاً منهم من قال: (الرحم والمشيمة والبطن) ومنهم من قال: (الصلب والرحم والبطن) ومنهم من قال(الظهر وقناة فالوب والرحم).
فخطر إلى ذهني السؤال التالي: لماذا كان معنى الظلمات المعنوي هو المعنى المقصود في كل آيات القرآن بما في ذلك الآية " 1الأنعام" التي اختلف فيها العلماء ولم يكن للظلمات الثلاث في الآية "6 الزمر" غير المعنى الحسي؟
وبالتدبر في كل الآيات التي وردت فيهن كلمة الظلمات وجدت ما دفعني للبحث عن المعنى الخفي للظلمات الثلاث وهو الآيات التالية: {الَر، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الْنَاسَ مِنْ الْظُلُمَاتِ إِلَى الْنُورِ بِإذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} 1 إبراهيم
{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 257" البقرة
{رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} 11 الطلاق
تتحدث هذه الآيات عن تخريج ثلاثة فئات مختلفة من الظلمات إلى النور. الفئة الأولى هي فئة "الناس أجمعين" والثانية هي فئة "الذين آمنوا" والفئة الثالثة هي "الذين آمنوا وعملوا الصالحات". فطرأت إلى ذهني أسئلة هي: هل ظلمات كل فئة من الفئات الثلاث تختلف عن الظلمات الأخر؟ وإذا كانت الإجابه بنعم هل هذا يعني أنهن ثلاث ظلمات وهي اللاتي خلق الله الخلق فيهن ثم يتم خروجهم منهن ؟ وما هي تلك الظلمات؟ وما هي طريقة الخروج منهن؟
عليه شعرت بأهمية البحث عن معنى الظلمات الثلاث عن طريق إجابة هذه الأسئلة. وأهمية البحث تكمن أولاً في أنه امتثال لأمر الله بالتدبر في كتابه الكريم لقوله تعالى{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ} 29 ص
وثانياً: احتياج المؤمن إليه ليعلم معنى الظلمات الثلاث التي خلق فيها. فإن اتضح أنهن ظلمات الفئات الثلاث يمكنه أن يحدد إلى أي فئة ينتمي وكيف يخرج من ظلماته الثلاث. وثالثاً إثبات أو نفي أن لكل آية معنى ظاهر ومعنى خفي.
لذا يهدف البحث أولاً: إلى إثبات أو نفي أن ظلمات الآيات 1 إبراهيم ، 257 البقرة و11 الطلاق هي الظلمات الثلاث التي يخلق فيها الخلق في بطون أمهاتهم. فيكون المعنى المقصود للظلمات الثلاث هو المعنى المعنوي. كما يهدف أيضاً إلى إثبات أو نفي أن لكل آية معنى ظاهر ومعنى خفي
2- المواد والمنهجية
يستخدم في البحث برنامج بحث وفهارس الذي يوجد بموقع التفاسير من أجل حصر الآيات التي تحتوي على مفرد أو أكثر
من مفردات الآية 6 الزمر بالإضافة إلى تفاسير العلماء لتلك الآيات. كما يتطلب البحث أيضاً حصر الأحاديث ذات الصلة
بالظلمات والنور وتحليلها. والمنهج المتبع هو الاستقرائي، التحليلي والاستنتاجي الذي يتلخص في عرض وتحليل تفاسير العلماء للآيات التي تم حصرها. سيبدأ البحث بتعريف المعنى الحسي والمعنوي لكلمتي الظلمات والنور والعلاقة بينهما.
أولاً: المعنى الحسي والمعنى المعنوي للظلمات والنور
إن تعريف الظلمه عامةً هو: كل ما يتسبب في منع العلم بالأشياء، أي كل ما يتسبب في الجهل بالأشياء. وتعريف النور بصورة عامة هو كل ما يتسبب في العلم بالأشياء ولهذا يرمز للظلمات بالجهل. ويرمز للنور بالعلم. ويوجد نوعان من الظلمات ونوعان من النور: "ظلمات حسية ومعنوية ونور حسي ومعنوي.
فالظلمات الحسية هي العتمة التي تخفي الأشياء التي تقع في مدى الأبصار . ففي العتمة يتعذر على الإنسان العلم بالأشياء التي من حوله لعدم مقدرته على رؤيتها حتى ولو كان النظر سليماً لا نقص فيه. والنور الحسي هو الضياء الذي يقشع العتمة فتظهر الأشياء فيتسبب في العلم بها. فالنور الحسي إذاً هو رمزٌ للعلم بالأشياء الواقعه في نطاق الرؤية بالبصر والظلام الحسي هو رمز للجهل بالأشياء الواقعة في نطاق الرؤية بالبصر.
أما الظلمة المعنوية فهي الحاجز الذي يحدد نهاية نطاق الرؤية مما يجعله عاجزاً عن رؤية الأشياء التي تقع أبعد منه والعلم بها حتى ولو كان النور الحسي متوفراً والبصر لا نقص فيه. والنور المعنوي هو الأخبار التي يسمعها المرء ممن علم بتلك الأشياء التي تقع خارج نطاق بصره. بذا ترمز الظلمات المعنوية للجهل بما يغيب عن الأبصار ويرمز للنور بالعلم الذي يخبر بما لا يمكن رؤيته. فالعلاقة إذاً بين الظلمات الحسية والمعنوية هي: أن كلاً منهما رمزٌ للجهل بالأشياء. وأن العلاقة بين النور الحسي والمعنوي هي أن كلاً منهما رمزٌ للعلم بالأشياء.
ثانياً: حصر وتحليل الآيات والأحاديث
1- الآيات
لقد توصل البحث إلى آيتين تحتويان على مصطلحات ذات صلة بمصطلحات الآية 6 الزمر وهما: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 77و 78 النحل
والمصطلحات هي: "الغيب"، "بطون أمهاتكم" و"لا تعلمون شيئاً "(بمعنى تجهلون). وقد جاء معنى الآيتين كالآتي2:(يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السموات والأرض واختصاصه بعلم الغيب, فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء, وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع, وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون... وقوله تعالى: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا" ذكر أن من نعمه أن أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا لاعلم
لكم بشيء. وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم. الثاني: لا تعلمون شيئا
مما قضى عليكم من السعادة والشقاء. الثالث: لا تعلمون شيئا من منافعكم. ثم قال: "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة"
أي التي تعلمون بها وتدركون؛ لأن الله جعل ذلك لعباده قبل إخراجهم من البطون وإنما أعطاهم ذلك بعدما أخرجهم؛ أي وجعل لكم السمع لتسمعوا به الأمر والنهي، والأبصار لتبصروا بها آثار صنعه، والأفئدة لتصلوا بها إلى معرفته). وجاء معناهما في التفسير الميسر كالآتي3: (ولله سبحانه وتعالى عِلْمُ ما غاب في السموات والأرض, وما شأن القيامة في سرعة مجيئها إلا كنظرة
سريعة بالبصر, بل هو أسرع من ذلك. إن الله على كل شيء قدير...والله سبحانه وتعالى أخرجكم مِن بطون أمهاتكم بعد مدة
1-أخرجه الإمام أحمد في مسنده/219/11
2- أبو الفداء (ابن كثير) ابن عمر بن كثير القرشي : تفسير القرآن العظيم/ الرابع عشر/ 275
الحمل, لا تدركون شيئًا مما حولكم, وجعل لكم وسائل الإدراك من السمع والبصر والقلوب; لعلكم تشكرون لله تعالى على تلك النعم, وتفردونه عز وجل بالعبادة)
لقد بيَّنت الآية 77 النحل ملكية الله لثلاثة غيوب هي غيب السماوات وغيب الأرض وغيب الساعة. ثم جاءت الآية 78 بعدها وهي مبتدئة بالواو (والله يخرجكم). فإذا كانت الواو التي في بداية الآية "78" هي واو عطف فهذا يعني أن ما ورد في الآية 78 معطوف على ما ورد في الآية 77 التي سبقتها مما يبيِّن أن جهل الخلق الذي يخرجون به من بطون أمهاتهم هو جهلهم بما ورد في الآية 77 وهو الغيوب الثلاثة. ومعنى ذلك أن الخلق يخرجون من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون شيئاً عن الغيوب الثلاثة التي لا يعلمها أحد غير الله. وإذا كانت الواو في وسط الآية (وجعل لكم) واو عطف أيضاً، يكون معنى آيتي النحل "77و78" كالآتي: (لله وحده غيب السماوات وغيب الأرض وغيب الساعة وهو القدير على كل شي. وقد خلق الله جميع الخلق في جهل بهذه الغيوب الثلاثة وهم في بطون أمهاتهم خلقاً من بعد خلق، ولهذا يخرجون من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون عنها شيئاً. ولكن الله جعل لهم جميع الوسائل التي يعلمون بها الغيوب، لعلهم يشكرونه أي لعلهم يؤمنون به غيبيا.)
عليه يمكن التأكد مما توصل إليه البحث في معنى الآيتين 77و78 النحل بالتحقق عما إذا كانت هنالك صلة بين وسائل الإدراك الثلاث والغيوب الثلاث في القرآن أم لا. وبنفس المنهج يتم حصر وتحليل الآيات التي وردت فيها أدوات العلم الثلاث لتوضيح علوم كل فئة وطريقة تخريجها من الجهل بها. ولكن يتطلب البحث إعطاء نبذة عن دور كل وسيلة من وسائل الإدراك الثلاث في العلم بالأشياء. وكيفية خلق الخلق في ظلمات في بطون أمهاتهم
1-دور وسائل الإدراك في العلم بالأشياء
بما أن الغيوب هي كل ما يقع في مدىً أبعد من نطاق الأبصار أي كل ما يغيب عن الأبصار يكون السمع هو الوسيلة الأولى للعلم بالغيوب عن طريق الأخبار عنها. ولذلك أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام وأنزل إليه الكتاب ليخبر الخلق عنها. الأمر الذي يوضح السبب في تقدم السمع على الأبصار والأفئدة . والأبصار هي الوسيلة الثانية للعلم بالغيوب لأنها تختص برؤية الآيات التي تؤكد وتبرهن صدق ما تلقاه السمع من الأخبار بالغيوب. أما دور الأفئدة فهو مرتبط بدور السمع والبصر. بمعنى أنها لا تعمل بدونهما. ولهذا يحتاج توضيح أهمية الأفئدة للعلم إلى بعض الأمثال من واقع الحياة لتقريب الفهم.
نلاحظ في بعض الأوقات أن الإنسان يبصر شيئاً بعينيه ولكنه بالرغم من رؤيته لذلك الشيء إلا أنه لا يتذكره لعدم تركيزه فيه. فمثلاً إذا قابل أحمد علياً لأول مرة دون أن يركز في شكله ولا في لبسه لعدم إهتمامه به وقد كان علي عالماً. فيعتبر أحمد قد علم بعلي لأنه رآه بالفعل ولكن علمه هذا ليس به فائدة له. " فالعلم في هذه الحالة يسمى" "علم عين فقط." أما إن ركز أحمد في علي بعقله وتفاعل معه بقلبه إما إعجاباً أو كرهاً أو خوفاً، أو رغبة في التحدث إليه سيظل ذلك الشيء عالقاً بعقله وقلبه. ويكون متمنياً لقاءه أو تفاديه والعمل بمقتضى ذلك. فيعمل إما لملاقاته للاستفادة منه أوتفادي لقائه لتفادي ضرره. " فيسمى العلم بهذه الطريقة " "علم العين اليقين " وهو العلم الذي يستفاد منه. عليه يكون العلم بالعين إما علم عين فقط وهو علم لم
يوثق بالتركيز فيه بالعقل والتفاعل معه بالقلب فيصير علماً لا فائدة منه أو علم عين يقين وهو العلم الموثق بالتركيز بالعقل والتفاعل معه بالقلب فيكون بذلك علماً ذا فائدة.
إن أهمية الأفئدة للعلم بالسمع لا تختلف عن أهميتها للعلم بالبصر. فمثلاً إذا سمع إنسان بأن حيواناً مفترساً قد ظهر في مكان ما بالقرب من منطقة سكنه وهو خبر حقيقي موثقاً بالدلائل والبراهين. فإما أن يعقل الإنسان ذلك الخبر ويصدقه.
1-أبو عبدالله (القرطبي) محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن/ السابع والعشرون/ 536
2-المرجع السابق/ الخامس والعشرون/ 488
و"يتفاعل معه بالقلب"خوفاً ولن يذهب لتلك المنطقة. وإما أن يكذبه وكأنه لم يسمعه. فمن صدق الخبر سوف يتجنب الذهاب لمنطقة الأسد ويأمن شره. أما من صد عن الحقيقة ولم يصدقها فلن يحتاط وسيذهب إلى تلك المنطقة غير مكترس فتواجهه الحقيقة فيفترسه الحيوان لعدم استفادته من الخبر الذي سمعه.
فكل منهما قد علم الحقيقة لأنه سمع بها. ولكن علم من لم يصدق بها ووقع في التهلكة يسمى "علم سمع فقط" وهو علم لا فائدة منه. أما علم من صدق بما سمعه كأنه يرى الأسد أمامه ونجا فيسمى"علم اليقين " وهو علم ذو فائده لأن صاحبه يستفيد منه. عليه تكون للأفئدة فائدة في حالتي العلم بالأشياء عن طريق الرؤية أو عن طريق السمع. وتكون معطلة لا دور لها في حالتي العلم بالأشياء علم عين فقط أو علم سمع فقط أو في حالة عدم وجود شيء للعلم أساساً.
2-كيفية خلق الخلق في ظلمات في بطون أمهاتهم
أحسب أن خلق وسائل الإدراك للخلق خلقاً من بعد خلق كان خلقاً محدوداً. أي أن الله قد خلق البصر للخلق داخل البطون محدوداً وغير مطلقاً. ولو خلق لهم بصراً مطلقاً لرأوا الله وكل ما هو موجود في السماء من ملائكة وكتب وجنة ونار. كما كان خلق الله للسمع الخلق في مرحلة خلقه خلقاً محدوداً أيضاً. ولو خلق لهم السمع مطلقاً لسمعوا به كل ما يدور في السماء ولعلموا بالله وبكل علوم الغيوب. ولو خلق لهم أفئدتهم لتعمل مستغلة لتيقنوا من كل علوم الغيب. وبالتالي يمكن القول بأن خلق وسائل إدراكهم محدودة خلقاً من بعد خلق جعلهم في جهل بعلوم غيب السماء وغيب الأرض وغيب الساعة والله أعلم.
3-علاقة وسائل الإدراك بالغيوب من القرآن
يمكن توضيح العلاقة بين أدوات العلم والغيوب والخلق من آيات القرآن. فالآية:{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 25 الأنعام
تخبر أن من بين الناس من يستمع إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله جعل على قلوبهم غشاوة فلم يفقهوا قوله. حيث جاء معنى الآية موضحاً صلة السمع والبصر بالإيمان بوحدانية الله أي بغيب السماء وهو1: (يجيئون ليستمعوا قراءتك, ولا تجزي عنهم شيئاً لأن الله {جعل على قلوبهم أكنة} أي أغطية, لئلا يفقهوا القرآن {وفي آذانهم وقراً} أي صمماً عن السماع النافع لهم, كما قال تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} الآية, وقوله {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} أي مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات والبراهين, لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا إنصاف, كقوله تعالى: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم} الآية
والآية: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} 26 الأحقاف
تعتبر من أكثر الآيات التي توضح علاقة أدوات العلم بالغيوب. حيث جاء تفسيرها كالآتي2:( ولقد يسَّرنا لعاد أسباب التمكين في الدنيا على نحوٍ لم نمكنكم فيه معشر كفار قريش, وجعلنا لهم سمعًا يسمعون به, وأبصارًا يبصرون بها, وأفئدة يعقلون بها, فاستعملوها فيما يسخط الله عليهم, فلم تغن عنهم شيئًا إذ كانوا يكذِّبون بحجج الله, ونزل بهم من العذاب ما سخروا به
واستعجلوه. وهذا وعيد من الله جل شأنه, وتحذير للكافرين.)
أما الآية:{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} 198الأعراف
فتؤكد أن العلم بالبصر فقط لا يجدي والعلم بالسمع فقط لا يجدي. وإنما الذي يجدي هو العلم اليقين عن طريق السمع الذي
يصطحبه التأييد بالعقل والتفاعل بالقلب، والعين اليقين عن طريق البصر الذي يصحبه التفكر بالعقل والتفاعل معه بالقلب.
فالمشركون كالأصنام ينظرون إلى الرسول ولكن أعينهم كأعين الأصنام لا ترى.
وكذلك تفسير الآية: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 179 الأعراف
يؤكد أن وسائل العلم والإدراك "السمع والبصر والأفئدة" قد جعلها الله سبباً للعلم بأركان العقيدة الثلاثة وهي: ({لهم قلوب لا
يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها} يعني أنهم لم ينتفعوا بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله
سبباً للهداية, كما قال تعالى: {وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله} الآية. وقال تعالى:{صم بكم عمي فهم لا يرجعون} هذا في حق المنافقين. وقال في حق الكافرين {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} ولم يكونوا صماً ولا بكماً ولا عمياً إلا عن الهدى, كما قال تعالى: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}
وبالتمعن في الآية التالية: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} 46 الحـج
نجد أن بها استنكاراً من الله على الخلق؛ كيف لا تكون لهم قلوب يعقلون بها. فأوضحت الآية أن البصر فقط لا تتم به الرؤيه المجديه وبالتالي تصير القلوب هي التي تعمى وليس الأبصار! وقد جاء في معنى الآية ما يعضد ذلك1: (وقال قتادة: البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب. وقال مجاهد: لكل عين أربع أعين؛ يعني لكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا.)
وكذلك الآية: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} 101 الكهف
التي ورد معناها كالآتي2(أي هم بمنزلة من عينه مغطاة فلا ينظر إلى دلائل الله تعالى. "وكانوا لا يستطيعون سمعا" أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى، فهم بمنزلة من صم.) وإضافة إلى هذا التفسير يمكن القول بأن الأعين التي لم تر الدلائل عين اليقين تصير كأنها مغطاة بالرغم من أنها في الحقيقة قد رأت. وكانت نتيجة ذلك هو أن بصرها ليس له نفع لعدم التفكر فيما رأته بالعقل والتفاعل معه بالقلب قبولاً وتصديقاً.ولذلك لن تذكر الله. والذكر هو الذي يؤكد ويثني التصديق بوحدانية الله. والدليل على كل ما أوردناه من معاني هو آيتا سورة يونس التاليتين {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}{وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ} 42-43 يونس
حيث تؤكد هاتان الآيتان سلامة بصر الكفار" وسلامة سمعهم لقوله "وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ "وقوله " َمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ". ولكن نتيجة لعدم الاستماع للرسول عليه السلام وعدم النظر إليه بتعقل، وصفهم الله بأنهم صم وعمي. إذاً سلامة السمع والبصر لا تتأتى إلا عن طريق الأفئدة التي تؤدي للعلم اليقين وعلم العين اليقين.
لقد اتضح من كل الآيات المذكورة أن العلاقة بين أدوات العلم و العلم بالغيوب الثلاث علاقة قوية جداً . وهي: أن من يستمع لكلام الله ويصدقه ويتفاعل معه بقلبه طمعاً في رحمة الله ورضوانه وخوفاً من غضبه وعذابه فسوف يعمل لاكتساب حب المولى عز وجل ورضوانه ويتجنب الوقوع في التهلكة وهي غضب الله ونيرانه. أما الذين يستمعون لكلام الله ولم يصدقوه
فلن يجتنبوا الوقوع في التهلكة. والدليل على هذا المعنى قوله سبحانه وتعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} 1-7 التكاثر
يعني:( لو أنكم عندما سمعتم بالساعة وحساب اليوم الآخر في الدنيا، صدقتم بها بالغيب أي علمتم بها (علم اليقين) وتفاعلتم
مع خبرها بأنكم سترون الجحيم ثم أنكم سترونها حقيقة ماثلة أمام أعينكم (أي عين اليقين)، لاجتنبتم الوقوع فيها في الآخرة.
4-طريقة تخريج كل فئة من ظلماتها
إن طريقة الخروج من الظلمات تتطلب أيضاً ضرب مثل من واقع الحياة لتقريب الفهم- ولله المثل الأعلى. فمثلاً تفتح
الدولة دور العلم لتعليم أبنائها. فينقسم الأبناء إلى قسمين؛ قسم يرفض فكرة التعليم من أساسها ويتشرد في الشوارع من غير هدف، وقسم يقر ويعترف بالعلم ويدخل المدارس. ونسبة لوجود الذين لم يكونوا صادقين في رغبتهم في التعليم وقد دخلوا المدارس رياءً ومن غير رغبة يتم إمتحان الجميع في نهاية العام الدراسي لتمييز الناجحين الراغبين في التعليم من الراسبين الذين ليس لديهم رغبة في العلم. فالصادقون في رغبتهم في التعليم سيتفاعلون بقلوبهم مع إعلان الامتحانات، إما خوفاً من الرسوب أو حباً في النجاح أو الاثنين معاً. فيحفظون دروسهم وينجحون في الامتحان. ويصيرون بذلك عالمين بالعلم الذي درسوه علم اليقين، ومن ثم يتأهلون لتلقي الجديد من العلم ليرتقوا به أكثر وأكثر. وأما الذين دخلوا كاذبين لم ولن يتفاعلوا مع الامتحانات بقلوبهم، لا خوفاً من الرسوب ولا رغبة في النجاح. فيرسبون ويظلون في جهلهم لعدم استيعابهم للدروس وكأنهم لم يسمعوها فيتساون مع الذين لم يدخلوا أصلاً. فيتخرج الناجحون فقط من تلك المرحلة وينتقلون إلى مرحلة أخرى ليتلقوا علوماً جديدةً.
فالناس قبل تنزيل القرآن كانوا جميعهم جاهلين بعلوم الغيوب وأولها غيب السماء وهو وجود إله واحد تجب عبادته وحده. ولهذا نجد أن الناس جميعهم محتاجون للعلم بغيب السماء أولاً وبالتالي كانت ظلمات السماء هي الظلمات الأولى التي ستخرج منها الفئة الأولى لقوله تعالى: {الَر، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الْنَاسَ مِنْ الْظُلُمَاتِ إِلَى الْنُورِ بِإذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
1 إبراهيم
3-1 خروج الفئة الأولى (الناس) من ظلماتهم
إن أول ما أخبر به الناس جميعاً أن هنالك علوم يجب على كل الناس أن يكونوا عالمين بها فمن يريدها عليه دخول مدرسة الإسلام. وأهم تلك العلوم هو وجود الله الإله الواحد الأحد الذي ليس له والد ولا صاحبة ولا ولد ولا شريك له في الملك لأنه خالق السماوات والأرض وما فيهن وما بينهما لقوله تعالى:{قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} {ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}
1-4 الإخلاص
أعلن فريق من الناس إيمانه بأهمية هذه العلوم ودخلوا مدرسة الإسلام. ورفض الفريق الآخر الفكرة وكفر بها فلم يدخل مدرسة الإسلام. فأنزل الله في الذين كذبوا برسالته قوله تعالى: "الذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات.." وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}{خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}
6-7 البقرة
جاء تفسيرهاتين الآيتين كالآتي1: ( إن الذين جحدوا ما أُنزل إليك من ربك استكبارًا وطغيانًا, لن يقع منهم الإيمان, سواء أخوَّفتهم وحذرتهم من عذاب الله, أم تركت ذلك؛ لإصرارهم على باطلهم. طبع الله على قلوب هؤلاء وعلى سمعهم, وجعل على أبصارهم غطاء; بسبب كفرهم وعنادهم مِن بعد ما تبيَّن لهم الحق, فلم يوفقهم للهدى, ولهم عذاب شديد في نار جهنم)
أما الذين أعلنوا إيمانهم فهم الذين سيبدأون تعليم المرحلة الأولى من الإسلام.
3-1-1 مرحلة التعليم الأولى
لقد أخبر الذين آمنوا بغيب السماء بصورة عامة. ولهذا سيتعلمون بقية معلومات السماء وهي أن الله وحده الذي يرزق
الخلق مما يستوجب عبادته بناءً على قوله تعالى: {يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}{وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ} {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِين} 21-24 البقرة
ومن بين العلوم حقيقة أن الله لا يكافئه أحد في صفاته لقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} 4 الإخلاص
ولا مثيل ولا شبيه له لقوله تعالى: {فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ} 11 فاطر
ومن علوم هذه المرحلة أسماء ذات الله العليا وأسماء صفاته الحسنى التي من بينها العظيم، القدير، المحي، المميت وعالم الغيب والشهادة لقوله تعالى:{وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
180 الأعراف
وتشمل العلوم خلق الله للإنسان (آدم) من طين وخلق الشيطان من نار لقوله تعالى:{خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ}
{ وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } 14-15 الرحمن
وفي هذه المرحلة أوضح الله للذين أعلنوا إيمانهم أن إبليس عدو الله وعدوهم. ولهذا سيعمل على إقناع كثير منهم كي لا يعبدوا الله ويطيعوه هو مما يستوجب بني آدم عدم طاعته واتباعه واشراكه في عبادة الله ,بل يجب عليهم عبادة الله وطاعته وحده. ثم أوضح لهم أن من يتبعه سيجد العذاب الشديد. وتوضيحاً لذلك سرد الله لهم فصة إبليس وأبينا آدم وخروجهما وأمنا حواء من الجنة ليتعظوا بها. كما سرد لهم قصص الأمم السابقة مع رسلهم وعاقبة الذين كذبوا رسلهم. وتضمنت العلوم أيضاً الأمثال التي ضربها الله للخلق لتوضيح الفرق بين المؤمن والكافر.
عَلِم الذين أعلنوا إيمانهم بجميع علوم السماء. ولكن نتيجة لعلم الله بأن من بين الذين أعنوا إيمانهم ودخلوا المدرسة منافقون سيتبعون شياطينهم نتيجة توعد إبليس لربه بأنه سيأخذ من عباده أي (الذين آمنوا نصيباً مفروضاً) أنزل الله فتنته أي إمتحانه لقوله تعالى: { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } 2-3 العنكبوت
الذي أوضح معناه التفسير التالي1:( أظَنَّ الناس إذ قالوا: آمنا, أن الله يتركهم بلا ابتلاء ولا اختبار؟ ولقد فتنَّا الذين من قبلهم من الأمم واختبرناهم, ممن أرسلنا إليهم رسلنا, فليعلمنَّ الله علمًا ظاهرًا للخلق صدق الصادقين في إيمانهم، وكذب الكاذبين؛ ليميز كلَّ فريق من الآخر.)
وقد كان الإمتحان هو الصلاة والزكاة لقوله تعالى: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} 31 إبراهيم
حيث جاء معنى الآية2:(يقول تعالى آمراً عباده بطاعته والقيام بحقه والإحسان إلى خلقه بأن يقيموا الصلاة, وهي عبادة الله وحده لا شريك له, وأن ينفقوا مما رزقهم الله بأداء الزكوات والنفقة على القرابات والإحسان إلى الأجانب, والمراد بإقامتها هو المحافظة على وقتها وحدودها وركوعها وخشوعها وسجودها, وأمر تعالى بالإنفاق مما رزق في السر أي في الخفية والعلانية وهي الجهر, وليبادروا إلى ذلك لخلاص أنفسهم {من قبل أن يأتي يوم} وهو يوم القيامة {لا بيع فيه ولا وخلال} أي ولا يقبل من
أحد فدية بأن تباع نفسه, وقوله: {ولا خلال} قال ابن جرير: يقول ليس هناك مخالة خليل فيصفح عمن استوجب العقوبة عن
العقاب لمخالفته, بل هناك العدل والقسط)
كما أمروا بالإيمان بالله الذي يعني الإيمان به وبكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر لقوله تعالى:{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} 136 النساء
انقسم الذين أعلنوا إيمانهم إلى فريقين: فريق صلى وزكى أمواله مؤكدين بذلك إيمانهم. فأنزل الله في هذا الفريق قوله تعالى: