قراءة نقدية في قصيدة التقويم /عباس باني المالكي/ العراق
الشاعر والناقد العراقي الكبير
عباس باني المالكي
يقدم :
قراءة نقدية لنص ( التقويم) للشاعر
حسن حجازي
*****
التقويم !
وريقاتٌ صغيرة
تسَاقطُ من أعمارنا ؟
أم من التقويم ؟
وريقاتٌ صفراء
محملة بخريفِ العمر
تتهادي بعدَ شتاءٍ قاسٍ
طويل
بسويعاتٍ
من شقاءٍ
وزفراتٍ من أنين ,
تسَاقطُ معها الأماني
مع قطراتِ المطر
وحباتٍ من ضياء
وآمالٍ حسان
سافرت بلا عودة
عبرَ السنين ,
كلما امتدت أيدينا
لنقطفَ وريقة
تمنينا أن يقف معها
العمر ,
عند لونٍ أبيض
بلونِ الطهر ,
يومٌ
كم تضاحكَ لنا
فيهِ الزهر ,
كانَ ميلادُ حبك
يوماً
بكلِ أيامِ العمر ,
ليتَ الزمنَ توقف
ونَمَت وريقاتُ التقويم
كلُ وريقة نُقِشَ عليها
ميلادَ حبك ,
تذكرني أيامَ الشبابِ
أيامَ وصلك ,
كلُ وردةٍ حمراء
تنمو مع إطلالةِ
الربيع
مكتوبٌ عليها :
"سأبقى طولَ العمر
أحبك !"
ونترك التقويمَ
واقفا
متجمداً
هائماً
ذاكراً هذا اليوم
ناسكاً
في محرابِ
وجدك ,
يحسبُ مرور الفصول
ويعُد الشعيرات البيضاء
واقفاً
متذكراً
ودمعة ساخنة
تحنُ
لهذا اليوم
لذكرى ودادك
ووصلِك !
تُرى لو تناسينا التقويمَ
وحسابَ السنين ؟
أيحفظُ الدهرُ لنا
ميلادَ حبك ؟!
استدراك :
كلما نَزعنا وريقة
من التقويم
يبزغُ من بينِ السطور
عودُ ياسمين
منقوشٌ عليه ِ
قلوبٌ صغيرة
تنبضُ
تتغنى
تتغزلُ
ببهاكَ
وحسنك !
وتظل تهتفُ وتغرد :
سأبقى طولَ عمري
أحبك !ِ
سأبقي أحبك !
/////
http://www.youtube.com/watch?v=f_qgCTFbCEc
///
أن الترابط مابين مراحل العمر والعاطفة التي تتكون داخلنا اتجاه الأشياء المحيط بنا ستبقى هي المبرر الوحيد إلى حالة الجذب إلى كل الأشياء التي نعيشها في كل مراحل الحياة لأننا لا يمكن أن نشعر بالحميمة اتجاه أي شيء دون أن تتكون في داخلنا ترابط عاطفي تجاهه والشاعر هنا أستطاع أن يستقرأ كل هذا مع ربطه بتغير الزمن في كل مراحل عمر الإنسان أي أنه ثبت جدلية هذه العواطف مع تغير الزمن وقد استفاد من اللغة المعبرة بشكل كبير عن هذه العواطف مكونا ً لغة منسابة تشكل وفق أنساق جميلة ودالة ماسكاً بعوالم الألم التي يشعرها الإنسان عند مرور عمره كوريقات تتساقط من التقويم .. والنص يشعر به المتلقي مبني على دالة العمر مؤثثا على هذه الدالة استمرار المدلول المتحرك إلى أخر نص حيث يتغير عمر الإنسان كما تتغير فصول السنة حتى توصل هذه الفصول إلى خريف وشتاء قاس وهذه هي أزمة الإنسان وقدره الوجودي فلم يعد عمره سوى وريقات تتساقط عند نهاية كل يوم والشاعر أستطاع أن يوثق العلاقة الجدلية القائمة على تناقص العمر ووريقات التقويم أي أن الاستعارة لم ترتبك فيها المعنى بل حافظ عليها وفق سياقها الوظيفي حيث أستطاع الشاعر بالاستفادة من مضي الأيام باستعارتها بوريقات صفراء لدلالة على انتهاء هذه الأيام أي وظف هذا الكشف بالترميز إلى الوريقات الصفراء في خريف أشجار وهذه مقاربة جميلة بهذه الاستعارة والمعلوم هذه الوريقات لا تسقط إلا في فصول الخريف والشتاء أي أن الشاعر أستطاع أن يدمج الاستعارة ليخرج بصورة الطبيعة معكوسة على عمر الإنسان أي أخرج الصورة المتقاربة الجميلة بدون حدوث تشويه بتحريك المشاعر الكامنة وراء هذه الصورة ....
وريقاتٌ صغيرة
تسَاقطُ من أعمارنا ؟
أم من التقويم ؟
وريقاتٌ صفراء
محملة بخريفِ العمر
تتهادي بعدَ شتاءٍ قاسٍ
طويل
يستمر الشاعر بكشف حالة المعانات من تساقط هذه الوريقات واصفا المعاناة التي تلازم الإنسان في أيام الخريف وأيام الشتاء القاسية الطويلة من زفرات أنين ولكن هنا يبرز صورة اليأس بتساقط الأماني كما تتساقط حبات المطر هو يريد أن يؤكد هنا بقدر ما حدث من تساقط الأماني لكن تبقى تلك الأيام جميلة لها طابع المطر وحبات الضياء أي أن تلك الأماني هي التي جعلته يستمر بالحياة لأنها تشكل لديه آمال حسان بالرغم أنها مضت ولن تعود ولكنه ظل متشبث بها لأنها تمثل له جوهر حياته التي مضت فنشعر أنه يريد أن يثبت كل هذا العمر انتظارا إلى مَن أحب وأن الحياة تمر عليه كوريقات لا جدوى منها وأن كل عمره ما هو إلا انتظار إلى قدومها فأنه عاشها بكل أزمانها ولكن لم تكن تعني إليه شيء سوى انتظارها الذي يكبر مع أيام عمره حيث تحولت إلى أمنية تكبر مع كبر عمره فينتظرها من أجل باقي عمره القادم فتتحول فقد استعار سافر بلا عودة عبر السنين لكي يعطي الدلالة عن جدوى الحياة بدونها فندرك أن الشاعر قد حشد كل عمره انتظارا من أجل الوصول إليها فبعد أن كان عمره مجرد وريقات صفراء يسقطها من التقويم وتمنى أن يوقف العمر أو يمتد بهذه اللحظات لتكون كل عمره الباقي .. والشاعر هنا يريد يؤكد على اللون الأبيض لكي يوحي بدلالة نضج حبهما لأن هذا اللون يمثل لون الحكمة لون النضج لهذا يريد العمر أن يتوقف عند هذا العمل لأن حبهما كبر ونضج والشاعر هنا أستطاع أن يستخدم الانزياح في تأويل الدلالة للنضج بلون الأبيض أو على الطهر في علاقتهما أي لم يسقط بالمباشرة بل أستطاع بالإيحاء وهنا يكمن سر جمال النص لأن اللغة التي أستخدمها بدل أن تتسطح فيها المفردات بقى يحافظ بعمق المعنى من خلال دلالة الإيحاء فالشاعر بعد أن وصل حبهما إلى هذه المرحلة أخذت ينظر إلى الحياة بشكل أخر حتى الزهور أخذت تضحك لهما ...
بسويعاتٍ
من شقاءٍ
وزفراتٍ من أنين ,
تسَاقطُ معها الأماني
مع قطراتِ المطر
وحباتٍ من ضياء
وآمالٍ حسان
سافرت بلا عودة
عبرَ السنين ,
كلما امتدت أيدينا
لنقطفَ وريقة
تمنينا أن يقف معها
العمر ,
عند لونٍ أبيض
بلونِ الطهر ,
يومٌ
كم تضاحكَ لنا
فيهِ الزهر ,
ويستمر الشاعر ليؤكد أن حياته ميلاد حبها في ذاته هو معنى الحياة فكا ما مضى من عمره إلا انتظارا لها فكم يتمنى أن يتوقف العمر وتتوقف تساقط الوريقات لأن حبها أكسبه مشاعر جديدة أو مشاعر تذكره بأيام الشباب والشاعر أستخدم هنا المجاز لتوضيح عمق مشاعره وجيشانها بدلالة عمر الشباب المهم أن الشاعر أستطاع أن يصوغ مشاعره بلغة استطاعت أن تستوعب كل ما أراد أن يوصله إلى المتلقي وهذا هو سر جمال القصيدة
كانَ ميلادُ حبك
يوماً
بكلِ أيامِ العمر ,
ليتَ الزمنَ توقف
ونَمَت وريقاتُ التقويم
كلُ وريقة نُقِشَ عليها
ميلادَ حبك ,
تذكرني أيامَ الشبابِ
أيامَ وصلك ,
كلُ وردةٍ حمراء
تنمو مع إطلالةِ
الربيع
مكتوبٌ عليها :
"سأبقى طولَ العمر
أحبك !"
ونترك التقويمَ
واقفا
متجمداً
هائماً
ذاكراً هذا اليوم
ناسكاً
في محرابِ
وجدك ,
يحسبُ مرور الفصول
ويعُد الشعيرات البيضاء
واقفاً
متذكراً
ودمعة ساخنة
تحنُ
لهذا اليوم
لذكرى ودادك
ووصلِك !
تُرى لو تناسينا التقويمَ
وحسابَ السنين ؟
أيحفظُ الدهرُ لنا
ميلادَ حبك ؟!
بقدر ما كان منتظر إلى مجيئها نشعر أنه بعد أن عاش معها أجمل أيامه معها ولكنه فرقها ولكن مع هذا الفرق كان أيام حبهما هي الباقية في ذاكرته وكانت ميلاد حياته الحقيقية فالشاعر بقدر ما كان يسقط الوريقات الصفراء من التقويم ولكنه بعد ميلاد حبها في ذاته يريد أن يوقف عمره كله عند الأيام لكي يعيش معها حبهما لأنها أعطت إلى حياته معنى وفرح جديد ..فهو الآن يعد الشعيرات البيضاء واقفا متذكرا أيامه مع من أحب ودمعة ساخنة وحنينه إلى أيامهما .. فهو يريد أن يشطب الزمن ولا يبقى سوى تلك الأيام التي عاشها معها أي يريد أن يؤكد أن حياته لا جدوى فيها ولا معنى بدون من أحب لأنه يريد أن لا يحسب السنين التي يعيشها دونها بل أن سنينه معها هي التي يجب أن تحسب ...والشاعر أستطاع إضاءة النص وكشف جوانبه عم طريق مدلولاته لما تحمل من لغة كانت مترافقة مع مشاعره التي أراد كشفها أمام من أحب أو بعد من أحب أي أستطاع حيازة المعنى بدون أن يسقط خطابه الشعري بالتقريرية بدل الإيحاء إلى أنفعا لاته العاطفية وفق نسق الزمن المتغير حيث هنا أستخدم مراحل العمر كافة التي تمر على الإنسان ولكنها لا تعني إليه شيء بدون من أحب أي الشاعر أسقط على مفردات لغته كل مداركه ووعيه وشعوره و انفعالاته وحافظ على تشكيل خطابه الشعري ليكون نسقه التي يتطور وفق أزمته التي يعيشها ....
استدراك :
كلما نَزعنا وريقة
من التقويم
يبزغُ من بينِ السطور
عودُ ياسمين
منقوشٌ عليه ِ
قلوبٌ صغيرة
تنبضُ
تتغنى
تتغزلُ
ببهاكَ
وحسنك !
وتظل تهتفُ وتغرد :
سأبقى طولَ عمري
أحبك !ِ
سأبقي أحبك !
وكما قلت سابقا أو هذا المقطع تأكد ما كشفت عنه في المقطع السابق حول استطاعة الشاعر إسقاط كل مداركه وانفعالاته في خطابه الشعري وفق الإيحاء بأزمته التي عاشها من انتظار الحب الحبيب إلى حدوث الفراق بينهما بالرغم من تمسكه بها إلى أخر العمر والاستمرار وأستطاع أن يحافظ على رمزية الحدث أي أستطاع باستمرار وتيرة توتره العاطفي إلى أخر النص ولم يسقط بالتقريرية بالرغم من زخم مشاعره .. والشاعر هنا في هذا المقطع يعيش في الماضي مطبوعا بحاضره بحيث ندرك أن أيامه الحاضرة هي سقوط لوريقات الماضي عندما كان يعيش مع من أحب أو هي إلا صدى وسقوط لأيامه السابقة من عمره فهو الآن لا يعيش إلا بها وعلى ذكرياتها أي أن النص حمل ثلاث أزمان قبل الحبيب وأثناء الحبيب وبعد الحبيب فنجدك كل عمره محصور ما أعاشه مع الحبيب فالزمن الذي قلبه هو انتظار له والزمن الذي بعده هو تذكر لما أعاشه معه والشاعر جعلنا نعيش ثلاث فصول بدلالات قلق انتظار ودلالات قلق بفقدان الحبيب ودلالات تذكر هذا الحبيب بأيام زمن الشعيرات البيضاء التي أخذ يعدها أي أنه أنار النص بهذه المراحل من العمر وكما قال جيمس تيسو ( أن المخيلة هي التي تلهب العواطف بأن ترسم بطريقة فاتنة أو رهيبة شيئا يؤثر فينا ) أي أن الشاعر أستمر بتولد أحاسيسه عبر مدياته العاطفية مثبتا أبعاد الزمن الثلاث وفق تجاذبات الانتظار والعيش والفقدان
مؤكدا أن الحياة لا قيمة لها بدون الحب وما الحياة إلا انتظار من أجل أن نعيش الحب الحقيقي الذي يمنحنا ( عودُ ياسمين /منقوشٌ عليه ِ/قلوبٌ صغيرة /تنبضُ /تتغنى /تتغزلُ /ببهاكَ /وحسنك !) والزمن لا نستطيع أن نوقف زحفه على حياتنا إلا بالحب والمحبة .....
***************
ساحة النقاش