دار الوثائق القومية هي الأرشيف القومي للدولة, والتي تمثل مكان حفظ واسترجاع الوثائق التي تعد المصادر الأصلية لكتابة التاريخ العربي بصفة عامة والمصري علي وجه الخصوص في العصور التاريخية المختلفة.

فدار الوثائق هي المعين الجوهري او الاساسي الذي يستقي منه الباحثون والمؤرخون والأدباء وغيرهم المادة العلمية والمصادر التي تساعدهم في كتابة الحقائق التاريخية, بالإضافة إلي كونها المؤسسة المعنية بالحفاظ علي الوثائق المصرية من التلف والدمار والاطلاع غير المرغوب فيه, ولذلك السبب وغيره من الأسباب الأخري الكثيرة رأيت أنه ينبغي علي كمتخصص في مجال الوثائق والأرشيف أن أوضح حقيقة ما آل إليه ذلك الصرح العظيم مقارنة بغيره من الأرشيفات القومية العالمية.

من المعروف للمتخصصين في مجالات الأرشيف والوثائق والتاريخ أن دار الوثائق القومية هي المؤسسة المنوط بها جمع التراث الوثائقي المصري وصيانته وترميمه وتنظيمه من أجل إتاحته للبحث والدراسة.

وبناءً علي ذلك التعريف أنتقل إلي بيان المشكلات الأساسية التي تعانيها دار الوثائق والتي إنعكست بالفعل علي الوثائق المحفوظة بها .

أول تلك المشكلات عملية جمع الوثائق والتي تقوم بها إدارة تعرف بإدارة جمع وحفظ الوثائق والتي من مهامها الإشراف علي عملية جمع الوثائق من المؤسسات والجهات الإدارية المختلفة للدولة, ولكن في حقيقة الأمر هناك الكثير من الأسئلة التي ينبغي توجيهها لدار الوثائق بصفتها المسئولة عن عملية الجمع وهي:

- ما هي مهام واختصاصات إدارة الجمع علي وجه ؟

- ما هي الكيفية التي يتم بمقتضاها جمع وثائق الدار؟

- ما هو دور لجنة الضم والاستغناء بالنسبة لعملية الجمع؟

- هل يتم تطبيق قواعد الفرز والإعدام علي المجموعات المسلمة للدار؟ أم يتم نقل المجموعة برمتها إلي الدار؟

نأتي إلي مشكلة أخري تتعلق بالجمع وهي قوائم تسليم المجموعات، فمن المعلوم أن قوائم الاستلام هذه تعد أداة سريعة تمكن الباحث من التعرف علي محتويات المجموعة الأرشيفية التي يدرسها ، وهي بذلك تعد بديلا عن عملية الترتيب المبدئي للوحدات المنقولة حديثا للدار والتي تحيط الباحث علماً بموضوعات الوثائق وأعدادها وفتراتها التاريخية علي وجه الدقة .

فقوائم الاستلام هذه مهمة للباحثين وبديلة عن الترتيب المبدئي، والأسئلة التي يجب طرحها هنا هي:

هل تتسلم الدار هذه القوائم بالفعل ؟ أو هل توجد قوائم لكل المجموعات المنضمة؟ هل عدد الوثائق والدفاتر المدون بالقوائم هو نفسه العدد الفعلي المسلم للدار ؟  

وهناك أيضا سؤال يتعلق بمدي الخبرة الأرشيفية للعاملين في إدارة الجمع؟ وكذلك عن مدي تأهيلهم وتدريبهم للقيام بأعباء عملية جمع الوثائق، والمشاركة في اتخاذ قرارات الضم للوحدات الأرشيفية؟

والواقع أن عملية الجمع تلك لا تخضع للمعايير المطلوبة من حيث الأسلوب الذي ينبغي إتباعه عند ضم مجموعات جديدة للدار - لأسباب كثيرة يمكن مناقشتها -, الأمر الذي أدي إلي إستقبال الدار للكثير من الوثائق عديمة القيمة من الناحيتين المادية والمعلوماتية, الأمر الذي ينتفي معه سبب حفظها بالدار( وفقاً للمعايير الدولية في مجال الحفظ الارشيفي ينبغي أن تحفظ بالأرشيف- فقط- المجموعات التي تستحق الحفظ الدائم لما لها من قيمة تاريخية ( معلوماتية ) أو قيمة مادية)

وواقع الأمر بالنسبة لكيفية جمع الوثائق بأرشيفنا القومي يؤكد عكس ذلك, ممانتج عنه تكدس الدار بالكثير من الوثائق البالية الممزقة أو التالفة تلفاً شديدا, مما يستحيل معه ترميمها أو الإستفادة منها, ولذلك تم وضعها في أكياس من البلاستيك علي الأرفف داخل مخازن الحفظ بالدار.

أضف إلي ذلك أيضاً إستقبال الدار لآلاف من النسخ المكررة لوثائق مطبوعة مثل السراكي والنماذج الفارغة والإستمارات وأحيانا كثيرة بعض الكتب والمجلات التي قامت الجهة صاحبة الوثائق بوضعها ضمن الأرشيف المسلم لدار الوثائق, وهذا الأمر أدي بالفعل إلي تكدس بعض مخازن دار الوثائق بمطبوعات غير ذات قيمة للباحثين, مما يشكل عبئاً إضافيا علي الدار.

والأرشيف المحترم الذي تقوم إدارته علي الأسس العلمية المتبعة في كل الأرشيفات المحترمة بالعالم ينبغي أن يتبع طرق الحفظ العلمية للمقتنيات الوثائقية حتي يمكن المحافظة عليها من عوامل التلف, وذلك بتعقيم الوثائق وتطهيرها مما علق بها من فطريات وحشرات أثناء حفظها في أماكنها بالإدارات الحكومية المختلفة ( قبل نقلها للدار ) ثم إخضاع التالف منها لعمليات الترميم حتي يمكن إتاحتها للباحثين والمستفيدين, والدار في أثناء حفظها للوثائق بمخازن الحفظ الدائم عليها أن تقوم بين الحين والآخر بمعالجة وترميم الوثائق التي تتعرض للتلف, مع تعقيم وتطهير بقية المجموعات من فترة إلي أخري ( التعقيم أو التطهير يتم بالأساليب العلمية المستخدمة في الأرشيفات المحترمة وفقاً لمعايير خاصة من حيث نوع الغاز أو المبيد المستخدم في التطهير والتعقيم, وكذلك مكان ووقت القيام بتلك العملية والمدة الزمنية المطلوبة لإجرائها.

أما عن دار الوثائق فللأسف الشديد لا تتبع أية أساليب علمية عند قيامها بذلك مما يؤدي إلي تفشي الأمراض ( التي تصيب الأوراق خاصة القديمة منها ) وإنتشار الحشرات بالوثائق مع ظروف الحفظ السيئة التي تعجل بتلف الوثائق.

ويقع علي عاتق إدارة الترميم والصيانة بالدار مهمة معالجة وترميم الوثائق التي تخص دار الوثائق, حيث تم منذ مدة إفتتاح معمل ترميم فخم لذلك الأمر ولكن يبدو أن إنشغال إدارة الترميم بمشروعات ترميم بعض وثائق البنوك والجهات الأخري لبعض الدول العربية في مقابل مبالغ مالية بالدولار الأمريكي ( لقد أخبرني بعض العاملين بالإدارة ممن أثق فيهم بهذا الامر), كان له الأثر في عدم تفرغ الإدارة لترميم وثائق الدار وترك الملايين منها داخل أوعية حفظها بالمخازن دون ترميم أو معالجة. وهناك أيضا بعض الأسئلة التي ينبغي أيضا توجيهها للقائمين علي أمر الترميم بالدار وهي:

-    بعد وصول المجموعات الأرشيفية للدار كيف يتم التعامل معها ؟

-          هل تخضع تلك المجموعات لعمليات الترميم والتعقيم والتطهير قبل توزيعها علي المخازن ؟ وماهو دور إدارة الترميم بالنسبة لهذا الأمر؟

-        هل توجد خطة زمنية للإنتهاء من ترميم وثائق الدار؟

-         ماهو دور مدير ادارة الترميم في رسم السياسة العامة لترميم وثائق الدار ، ووضع أولويات الترميم وفقاً لرؤية واضحة ؟

-        ماهو دور مدير ادارة الترميم في التنسيق مع مديري المخازن من أجل حصر كافة الوثائق لتحديد أولويات الترميم للوثائق شديدة التلف والإسراع في إنقاذ وثائق الدار التي يمكن أن نفقدها تماما في السنوات المقبلة نظراً للحالة السيئة التي هي عليها الآن ؟

-        مامعني أن تقوم الدار بعمل مشروع الميكنة وإعداد قاعدة بيانات ضخمة لمجموعات كبيرة من الوثائق سوف نفقد معظمها في الوقت القريب؟

-        هل يتم تبخير وتعقيم الوثائق وفقاً للأساليب العلمية المتعارف عليها دولياً ويتم تطبيقها في معظم الارشيفات العالمية ؟ وهل توجد غرف مجهزة ومحكمة الغلق للقيام بهذه العملية؟

هذا عن الجمع والترميم أما عن الحالة السيئة لمخازن حفظ الوثائق بدار الوثائق فحدث ولا حرج, فالمبني لم ينشيء أصلاً لكي يكون أرشيفا قوميا للدولة, بل كان عبارة عن مجموعة من المخازن المخصصة لدار الكتب علي ما أظن, ولذلك لم يراع في تصميمه المعايير التي ينبغي توافرها في مباني دور الوثائق والارشيفات, وكان يمكن للمسئولين بالدار أن يقوموا ببعض التطوير لمخازن الدار نفسها حتي تكون شبه ملائمة لحفظ الوثائق التاريخية, ولكن للأسف الشديد فإن الملاحظ للتطوير الذي شهدته الدار في السنوات الأخيرة مع زيادة المخصصات المالية لذلك في عهد الوزير الأسبق فاروق حسني يجد أنه ارتبط فقط بشكل الدار الخارجي دون تطوير المخازن ذاتها, ولذلك فأنا أسأل القائمين علي الأمر بدار الوثائق لماذا طال التطوير قاعة البحث ومعمل الترميم والمدخل الرئيسي للدار وأماكن أخري متعددة بالدار دون أن يكون لمخازن الحفظ حظها من ذلك ؟

لماذا لم تنتبه الإدارة بخطورة الوضع داخل مخازن الحفظ من ناحية عدم مراعاة معايير الحفظ العلمية ( وقوع المخازن تحت دورات المياه التي ترشح باستمرار- الوصلات الكهربائية غير الملائمة – ارتفاع نسبة الرطوبة لوقوعها أما النيل مباشرة – إرتفاع نسبة التلوث الطبيعي والصناعي لوقوعها في منطقة ورش السبتة الملوثة للبيئة- الإضاءة الصناعية بالمخازن التي تؤدي إلي أضرار بالغة بالأوراق – اوعية الحفظ غير الملائمة مثل المحافظ الكارتونية التي تحفظ فيها الوثائق المفردة بطريقة التكديس مما أدي إلي تمزق الوثائق وتقصفها وزيادة التالف منها- وضع الوثائق المفردة داخل ملفات ورقية خفيفة دون تثبيت مما يسهل من ضياع الوثائق أو ضياع ترتيبها ـ الوضع الخاطيء للوثائق التي في شكل دفاتر وسجلات علي الأرفف مما أدي إلي تقوس الدفاتر وتمزقها – زيادة أعداد الفئران والحيوانات القارضة والزاحفة بالمخازن والإعتماد علي الطرق البدائية في مقاومتها, بل زاد الأمر بوجود ثعابين بمخازن الدار ومطالبة البعض بإحضار احد الرفاعية لطردها )

ولما أرادت الدار أن تقوم ببعض التطوير قامت بتكييف المخازن بطريقة غير مدروسة فمن ناحية تم ضبط درجة البرودة علي الدرجة التي تناسب الإنسان وليس الورق ( درجة البرودة المناسبة للورق ينبغي ألا تزيد عن 12 درجة مئوية ومن الأنسب أن تنخفض في بعض الأحيان إلي 8 درجات مئوية حتي تحول دون نمو الحشرات التالفة للورق ) وذلك لوجود الموظفين طوال وقت العمل بمخازن الحفظ , ومن ناحية أخري تركت بعض أجهزة التكييف عدة سنوات- أعتقد حتي الآن- دون تشغيلها بسبب عدم تحمل وصلة الكهرباء بالمخازن, الأمر الذي ادي إلي تلف تلك الأجهزة قبل تشغيلها.  

ولقد أرفقت بذلك المقال مجموعة من الصور التي تدل علي الحالة السيئة التي وصلت إليها الوثائق بالدار والتي توضح طريقة حفظ الوثائق المهترئة والمفتتة في أجولة او أكياس من البلاستيك موضوعة علي أرفف المخازن.       

                             

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 372 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

27,655