مقال×
كيف نحيا بالقرآن؟
كان القرآن ولا يزال معجزة الزَّمان الخالدة، ومنهاج المسلمين، وغير المسلمين على مر العصور، كيف لا وهو كلام الخالق الّذي صار دستورًا للمسلمين منذ نزوله، ونًورا لهم منذ أن أوحي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعقيدةً وفقهًا لهم في دينهم ودنياهم، وعلاجًا لجميع مشكلاتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، بل وأمراضهم العضوية.
ولأن القرآن الكريم كان بمثابة ترياقٍ شافٍ للمسلمين من جميع عِلَلِهم؛ وجب عليهم جَعْله منهج حياتهم، وسر سعادتهم، في أولاهم وأخراهم، باتباع ما جاء فيه بحذافيره وفقا لما أمر به الله عز وجل.
إن للقران فضائل جمة، كيف لا وهو حلٌّ لجميع مشكلات العصر المستجدة بل وتلك التي لم يكن لها وجودٌ أصلا عندما نزل القرآن في ذلك الزمان، علاوة على أنه علاج نفسي للقلق والاكتئاب، ويساعد بشكل كبير على زيادة إيمان الإنسان إذا ما تدبر آياته وتأمل معانيها؛ لذلك يجب على الإنسان أن يتحرى الدقة عند قراءته، وحبذا لو رتلها، وجودها، كي يعي المعاني العميقة لآياته، وأن يقدس كتاب الله تعالى فيجلس جلسة معتدلة عند قراءته، ويتوضأ إذا ما أراد مسه، أو قراءته، ويخشع عند سماعه، وهذه جميعها من آداب تلاوة القرآن، والأجدر بالمسلم -من باب المساعدة في رقي أمته- أن يُعنى بسماع تفاسير القرآن الصحيحة، والمساعدة في نشرها، والعمل على فهم وتوضيح أبعاد الآيات النفسية، والعلمية.
إن على المسلمين في زمن كهذا العودة إلى القرآن الكريم؛ وذلك بالتخلق بأخلاقه، والتحلي بآدابه العظيمة، حتى يضمنوا رفعة أمتهم، وسابق عهدها، فلو تحلى كل مسلم بخلق من أخلاقه الفضيلة لارتفع، ولو تأدب بأدب من آدابه لرقى. قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في وصف خلق النبي صلى الله عليه وسلم: "كان خلقه القرآن"، فلو كان قائد الأمة، ومنقذها، وبانيها، متخلِّقا بأخلاق القرآن، وعاملًا بما جاء به، وجب إذا على أفراد الأمة جعل نبيهم أسوة حسنة لهم، بفعل ما فعل، وترك ما ترك، فباتباع نبيهم يرتقون بدينهم، كما ارتقى هو بدينه، فصار مثالا احتذى به المسلمون، وغير المسلمين، وتلك ثمرة التخلق بأخلاق القرآن، والتحلي بآدابه، والعمل بها، فإن كان القرآن الكريم قد أثمر ثمارًا مفيدة في عصور سابقة، فهو بإذن المولى كفيل بحل جميع مشكلات هذا الزمن بجميع أنواعها.
للقرآن الكريم آثار كبيرة على قارئه وسامعه فهو ينهى النفس عن المعاصي، ويدرؤها عن الملذات المحرمة، وكلما زاد تعلق النفس به، زاد قربها من خالقها، وبعدها عن الأمراض النفسية، فقد أثبتت تجارب علمية شتى آثار القرآن الكريم، وخاصة سماعه فأظهرت البحوث أنه طارد للوساوس الشيطانية، ومس الجن بإذن الله تعالى، لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتقي به، ويأمر
أصحابه بالرقية بسور كثيرة من القرآن أهمها: الإخلاص، والمعوذتان، وآية الكرسي، وغيرها من السور الطاردة للجن والشياطين، لذا فإن الأجدر بالمسلمين التمسك به، والعمل بمعتقداته، وألا يتخلوا عن دستورهم كما يفعل بعض المسلمين اليوم من تشويهٍ لصورة الإسلام، والقرآن، والتخلي عن آدابه، وهذا بالتحديد ما أدى إلى تراجعهم في كثير من المجالات في هذا الزمان، فالمسلمون اليوم أصبحوا من الأمم المتأخرة في نموها، وتطورها، بسبب تجاهل ما يأمر به دينهم، ومرجعهم الرئيس: القرآن الكريم، فلو أخذنا كمثال لذلك ظاهرة: قلة الأمانة، بل انعدامها، لوجدنا أن المسلمين –إلا قليلا- قد تناسوا هذه القيمة العظيمة، وفضائياتهم، وبرامجهم، ومعاملاتهم الاقتصادية، والاجتماعية خير دليل، وخير شاهد على أن الأمانة باتت نادرة جدا في مجتمعنا الحالي –والله المستعان- .
إننا لو نظرنا إلى السلف الصالح و ما كانوا يفعلونه للارتقاء بهذا الدين، لوجدنا أنهم كانوا يبذلون الغالي والنفيس لإعلاء شأن الدين، ورفع كلمة الحق، ونصرة دين الله، والعمل على إيصال رسالة القرآن الكريم إلى كافة الأصقاع، وأبعد البقاع، حتى يصل إلى البشر في جميع أرجاء المعمورة نور الحق، فيكون لهم دربا؛ ليرتقوا بأنفسهم، ويعمروا الدنيا، ويحققوا الهدف الذي خلقوا لأجله على الطريقة الصحيحة، ويتخلوا عن النزاعات، والفتن المنتنة، وكل ذلك بالاستناد إلى خير دليل وخير منهج، فكان لهم ما يريدون لأنهم حققوا كافة معاني العمارة في الأرض، لكنهم لم يجدوا من يقوم بإكمال المسيرة، ليس لعيب فيهم، بل لتخلي الأجيال بعدهم عن هذا الطريق، ورضاهم بالتبعية والدونية، وعدم الحفاظ على مجد آبائهم وأجدادهم، جيل الصحابة والتابعين الذي ارتضوا الإسلام دينا، والقرآن نهجا، ففنوا لذلك أعمارهم، وقدموا كل ما يملكون، وأثبتوا أن الله سبحانه وتعالى ناصر للحق مهما قل أتباعه، ومزهق للباطل مهما كثر أنصاره، فلما كان السير على نهج القرآن سببا للصدارة والسيادة، كان الحيد عن طريقه سببا كافيا للتخلف والتراجع، فجدير بنا أن نعي آثار التمسك والعمل بهذا المنهج الشامل، الكامل.
وأخيرا فإن فضائل القرآن الكريم لا تعد، ولا تحصى، يكفينا نحن المسلمين أنه دستور شامل، لا خطأ فيه، عالج جميع همومنا، وآلامنا، ومعضلات عصرنا، ولو جمعنا حكماء الأرض قاطبة ليجمعوا حلول جميع المشاكل، وشفاء كل الآلام، ومراجع العلوم بأنواعها المختلفة في كتاب واحد لما استطعنا أن نوجزه بمثل هذا الإيجاز الباهر، والبلاغة المحيرة، والألفاظ السالبة للعقول، والألباب، فحق لنا أن نعلم أنه من أكبر نعم الله علينا، ومن أجل الفضائل التي حبانا المولى بها، وحق لنا أن نلهج بحمده في كل حال، وحين، على أن رزقنا سرا للسعادة الأبدية في الدنيا، وفي الآخرة، فسبحان المولى القائل في كتابه العزيز:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا}، والقائل: {وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
ساحة النقاش