بسم الله الرحمن الرحيم
<!--
<!--
عنـدما بكـى البطل !!
<!--
اكتظ أحد ميادين المصارعة بمدينة مدريد الاسبانية .. بالآلاف من الجماهير المتعطشة للدماء .. وقد دنت لحظة اللقاء التاريخي بين فارس وبطل تاريخه موشح بالانتصارات التي عمت أرجاء العالم .. وبين ثور قوي أسود ببياض .. لم تر الميادين مثله في الشراسة والقوة .. وقد تحدثت أجهزة الإعلام عنه كثيراً .. ثم دنت لحظة إلتقاء البطلين وسط هتافات وهدير الجماهير التي أشعلت المدرجات بالمشاعل وأقواس أنوار الليزر .. وفي البداية وقف البطل في وسط الميدان يقدم التحايا للجماهير وينحني باحترام شديد .. ثم يتجه بوجهه كل مرة لجهة من المدرجات ليتلقى المزيد من التشجيع والهتافات .. ثم سادت المدرجات لحظة صمت رهيب عندما تم إعلان بدء المباراة بين البطل القومي وبين ذلك الثور الرهيب .. وفجأة تم فتح الباب الحاجز .. فخرج من هناك ثور هائج ومضطرب .. ثم وقف لحظة إمام الباب ليراقب ما يحدث في الخارج .. فوجد الآلاف من الوجوه الهائجة الهادرة في كل الجوانب ثم لاحظ منصة كبار رجال الدولة .. ومجموعات كبيرة من المصارعين الذين يصطفون حول المدرجات .. ثم أخيراً هناك الخصم المرتقب .. موشحا بلباس المصارعة الخاص ثم بالأوسمة التي تؤكد انتصاراته السابقة .. وما هي لحظات حتى تقدم الثور بسرعة وبشجاعة كبيرة إلى ناحية البطل الذي استعد لملاقاة الوحش .. ولكن كالعادة استخدم البطل سلاح الغدر الذي اشتهر به الإنسان فقد أوهم الثور بقطعة قماش حمراء .. والثور من طبعه يكره في الإنسان كل شئ وخاصة ذلك الجانب الدموي فيه .. فهو يظن أن اللون الأحمر يمثل وحشية ابن آدم في أي لحظة .. وكم رأى ذلك عندما أريقت دما الآلاف من الثيران والأبقار في مذابح البشرية .. وعليه فإن اللون الأحمر يسبب للثور العقدة القاتلة التي لا يمكن معه الصبر والتفكير في ملاقاة أي من كان .. فركض الثور بسرعة كبيرة ثم وجه كل حقده نحو الثوب الأحمر .. وهناك كانت فرصة الغادر الذي غافل الثور ثم وجه طرف الحربة بعنف نحو رقبة الثور المسكين .. وهكذا استمرت المباراة دون عدالة بين خصمين من البداية وحتى النهاية .. وكما كان يتوقع الجميع فقد انهار الثور في نهاية الأمر وخر راكعاً بإباء وشموخ .. ودون إبداء أي وجل أو خوف من الطعنات المؤلمة القاتلة .. ودون أن يلتفت كثيراً لهتافات ورقص الجماهير .. وهو يساءل نفسه عن سبب كره الجماهير للثيران .. وفي تلك اللحظة فجأة دوت هتافات الجماهير فرحاً ورقصاً .. وتقدم مجموعة من المصارعين وحملوا بطل الساحة فوق رقابهم .. وطافوا به حول المدرجات .. والجماهير في فورة فرح ورقص ولكن العجيب أن البطل المحمول كان يلتفت كل مره لناحية الثور المقتول ثم يبكي بكاءً شديداً .. ولم يهتم كثيراً بانتصاره .. وفي نهاية الاحتفالات تم تقديم الأوسمة والكؤوس له .. ثم كان مقرراً أن يتحدث البطل في مؤتمر الصحفي للجماهير كالعادة .. ولكنه هذه المرة اختصر الكلام شديداَ ثم فاجأ الجماهير بأنه قد اعتزل مصارعة الثيران كلياً ..
ولاحقاً ألح عليه أحد الصحفيين عن سبب بكائه وعن سبب اعتزاله .. فأخبرهم بأن ذلك الثور قد جاءه في المنام في ليلة ما قبل المباراة .. وتحدث معه قائلاً : أنت خصمي وقاتلي غدا .. ولكن قبل أن نلتقي غداً في الميدان يجب أن تعرف حقيقة .. فأنت سوف تكون الفائز بالتأكيد .. والتاريخ لم يثبت غير ذلك في يوم من الأيام .. وسوف ترقص فرحاً بانتصارك .. فأي انتصار لك !! وأنت تقاتل ضعيفاً لا يملك إلا جسماً وقرنين .. وأنت تقاتل ومعك كل الأسلحة .. أولاً تملك سلاح الخيار بالرفض أو القبول وأنا لا أملك ذلك الخيار .. ثم تملك سلاح العقل وهو سلاح خطير ولا أملكه أنا .. ثم تملك خنجراً وحراباً في يدك وأنا لا أملك ذلك .. ثم تملك سلاح الخدعة بقطعة قماش وأنا لأ أملك ذلك .. وأخيرا تملك الآلاف من الجماهير الذين يؤازرونك .. ثم بعد ذلك سوف تحمل على الأكتاف لتنال التصفيف والهتافات والأوسمة . أما أنا فغداً سوف أقاتل ولا أملك خياراً غير ذلك .. وكبريائي يمنعني الرفض أو الهروب .. فإن قاتلت بكل قوتي لن ينفعني القتال لنصر ينقذ حياتي .. ولان تخاذلت لن ينقذني التخاذل من الموت .. وحتى إذا قدر لي الفوز فليس لي من جماهير الثيران والأبقار ليكونوا معي أو يحملونني فوق أكتفاهم .. فأي ظلم يعادل ذلك !! ؟؟ وأي فوز يبهر تلك الجماهير الهادرة من لقاء بطل مدعوم بكل شئ وبطل مفروض عليه الموت سلفاً !! ؟؟ .. فأنظر إلى نفسك بعد مقتلي فهل أنت فعلاَ بطل يستحق ذلك .. وهل كانت المباراة عادلة ومتكافئة نداَ بند ؟؟ .. أم أنت قاتل مجرم تقتل ضعيفاً لا حول ولا قوة له بجبروت وظلم بني الإنسان !!!! .
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
قصة تحكي جانباً مظلماً في تاريخ البشرية عن ظلم ليس بعده
ساحة النقاش