رواحل النصر
من مجلة " كلمة حق " إصدار "الجماعة الإسلامية"
العدد السابع محرم 1413 هـ أغسطس 1992م
النصر كلمة حبيبة وخاصة لدى المؤمنين وطريق النصر شاق ومر قد امتلأ بالعقبات ولا يقطعه إلا الرواحل التي لها صبر عليه وقوة وعزم ومثابرة ، وكم من السالكين حازوا عقبة أو عقبات فيه ثم خارت قواهم ولم تقو الأقدام على حملهم وآخرون لما طال بهم الطريق أصابهم اليأس والقنوط وصاروا هم عقبة كئود .
من السائرين من تخطفه أول عقبة فهذا تخطفه عقبة الدنيا وآخر عقبة الخوف والهلع وثالث عقبة الراحة والدعة وهكذا لا تجد على الطريق إلا الرواحل فليس كل الإبل تصلح للسفر في الصحاري.
وصحراء الإستضعاف لصوصها أكثر وأرضها قاحلة وشمسها حارقة وليلها مظلم بهيم من أراد اجتيازها فليكن من الرواحل النادرة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها " الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة " رواحل النصر ، النصر ليس آخر محطاتهم فطريقهم ممتد إلى جنة عرضها السماوات والأرض والنصر أحد معالمه وطريق النصر يتطلب معرفة بإتجاهة ودروبه ومنحنياته وفهماً لعقباته ووعيا بالأعداء ومكائدهم ومؤامراتهم.
طريق النصر يحتاج سيرا حثيثا بحذر وإنطلاق ، وبتخطيط ونظام آناء الليل وأثناء النهار، فالرواحل لا تفترق بالليل أو النهار وتتحمل الصعاب وتركب المتاعب وتعانق الأهوال باذلة المجهود للوصول إلى المحبوب .
صياغة الشخصية المسلمة :
وراحلة تهفو نفسها الى الجنة وتتحرق شوقا للنصر لابد لها من صياغة فكل مهمة من المهام تتطلب صناعة لمن يقوم بها وها هو موسى كليم الله يهيئة الله لمهمته ويدربه على معجزة العصا " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً " .
نعم لابد من صياغة للشخصية المسلمة توفر لها المقومات التي تؤهلها للجنة وتستجلب لها النصر فالجنة والنصر والتمكين أشياء لا يهبها الله إلا لمن يحبه ويرضى عنه يهبها لمن سار إليه بقلبه على بصيرة وبينه من منهج الله القويم ,الجنة والنصر لتلك القلوب الخاشعة المخبتة والأجساد الطائعة العابدة لله في كل وقت وتفكير وصياغة الشخصية المسلمة يجب أن تصنع لنا ( نموذجا يمشي كأنه قرءان على الأرض ) صياغة الشخصية يجب أن تنتج لنا المسلم المتمثل للمنهج ومقتضياته القادر على الدعوة له وبيانه والمنفعل بأهدافه بكل كيانه لا نريد صياغة تفرز لنا نموذجا مشوها تسير بغير علم أو نجدها انكبت على العلم وتركت العمل أو عملت ولكن بغير وعي , نريد نموذجا يجتمع فيه العلم والعمل والطاعة وكمال الخلق نموذجا يتحرك بوعي ويتحدث بفهم ويصدع بحق ويدعو بحكمة ويسعى بإخلاص وصدق نريد نموذجا مرتب الفكر بعيد النظر يعمل وقلبه معلق بالسماء يحمل هموم الإسلام على كتفيه يواجهه وروحه على كفيه نريد نموذجا قادرا على أعباء الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله .
ولم يدعنا ربنا سبحانه وتعالى في هذا الأمر دون إعانة وإبانة " أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً " فقد اصطفى نبيه صلى الله عليه وسلم يحمل منهجه من جملة البشر كي يكون نموذجا للكمال البشري امام أنظار السائرين إلى الله كي يقتدروا ويصنعوا أنفسهم على شاكلته " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنا " والشخصية المسلمة المطلوبة اليوم لابد أن ترتشف من هديه ونبعه الصافي : من خلق وحلمه وكرمه ومن سخائه وشجاعته وإقدامه ، من زهده في الدنيا وإقباله على الأخرة ، من كمال العقل ورجاحة الفكر ، من حسن المعاملة وجميل المعاشرة ، من عدله وإحسانه وبذله وإيثاره وبإختصار من كل شيء .
جوانب بناء الشخصية المسلمة :-
فالشخصية المسلمة اليوم في زمن الإستخفاف وعبر رحلة النصر والتمكين يجب بناؤها بناء يرقى بمتطلبات العمل الإسلامي واحتياجته وتعدد جوانب هذا البناء ودرجاته تختلف تلك الجوانب في أهميتها بعضها عن بعض فهناك بناء عام من الواجب أن يشمل شخصية كل مسلم يعمل في سبيل النصر والتمكين, وقيد تتم الصياغة العامة لتلك الشخصية في الجوانب الأساسية وذلك بخلاف البناء الخاص أو الفرعي والذي يكون إضافة بعد البناء العام في مجال عمل معين أو في نوعية محدودة من المهام وهو الذي يناله من ينتدب لذلك العمل أو تلك المهمة.
0البناء العام لشخصية المسلم يتم من خلال جوانب عدة فتتكامل فيها منظومة منسقة لتفرز لنا صورة رائعة مشرقة لتلك الشخصية الفذة المناط بما مهمة الهداية لتكون كلمة ويمكن إن نشير لأهم تلك الجوانب بصورة مجملة سريعة على النحو التالي :
<!--الجانب الخاص بالعلم الشرعي :-
فيه يحرز المسلم نصيبا من العلم الشرعي الذي تصح به عقيدته وعبادته ومعرفته بالحلال والحرام بما يصح حركته ويجعله على بصيرة في سيره .
<!--الجانب التربوي والإيماني :-
ومن خلاله يتزكى القلب ويتطهر من كل شيء سوى الله سبحانه ليشرق بمعرفته ويوقن ووعيده ويترقى في معرفته بالله بما ينعكس على طهارة الظاهر وصلاح الجوارح وكمال الأخلاق والآداب وتهذيب النفس وطرد الآفات وذلك من خلال المجاهدات ومكابدة الطاعات وتمام الإستسلام لأمر الله ومنهجه.
<!--الجانب الفكري :-
حيث يتحقق المسلم من فهم للإسلام بشموله ويقف على كمال المنهج وسمو القيم والمفاهيم الإسلامية وفساد المفاهيم الوضعية ويصير المسلم مالكا منهجا سامقا ومعايير للحكم على الأشياء بميزان العدل والإسلام.
<!-- الجانب الدعوي :-
والذي يعين المسلم على القيام بواجبه الدعوي نحو الآخرين والأقربين ، الزملاء ، الجيران، الشباب ، الأطفال من خلال الإلمام بقواعد الدعوة لدين الله ووسائلها والفهم لطبيعة المدعويين وكيفية النفاذ لكل منهم .
<!--الجانب الخاص بالوعي السياسي :-
من خلاله يدرك المسلم واقع الإسلام اليوم على خارطة العالم عامة وفي بلده خاصة ويقف على الأعداء ومؤمراتهم في إطار الصراع بين الحق والباطل ويقف على الأصدقاء وإمكاناتهم مما يجعله أكثر فهما لما يقع من أحداث وأدق تحليلا للمواقف بما يؤهله للتعامل معها بشكل أفضل وترتيب لحركته ودينه.
<!--الجانب التنظيمي :-
والذي يسهم في تحسين الأداء وترتيب الفكر وتنظيم الجهد واستغلال الوقت .
<!--الجانب الأمني :
ويسهم في تأدية العمل دون إجهاض من عدو وما أكثرهم وذلك من خلال معرفة وسائل الأعداء وأساليبهم في اختراق الأعمال وإجهاضها .
<!--الجانب البدنى
حيث يتأهل المسلم من خلاله بدنيا ومعنويا للقيام بأعباء العمل فى سبيل الله وما يتعلق بذلك من وسائل الحفاظ على الصحة والقوة البدنية والنشاط فالمسلم وخاصة الشباب ليس ملكا لنفسه حتى يفرط فى صحته فيعجز عن العمل والعطاء لدين الله تعالى ويصبح عبئا على الأمة بل هو ذخيرة الأمة المسلمة ودرعها وعدتها .
وشباب الأمة الاسلامية وخصوصا مصر مستهدف بالإغراق فى الإدمان وأسباب الأمراض والهدم الجسدى والمعنوى وإن الأمة لابد أن تربى أبناءها على الاستعداد الدائم للاستجابة لنداءالله والدفاع عن الوطن فى أى وقت .
وكل تلك الجوانب يجب بناؤها طابقا فوق آخر في معمار المسلم ولكن لابد من الإلتفات إلى أن لكل بناء أساسا على قدر رسوخه وقوته يرتفع المعمار فوقه سامقا شامخا منيرا، فتُرى أي الجوانب السابقة تمثل ذلك الأساس لكي نبدأ به ؟
هل نبدأ بالشحن الفكري أم بالوعي السياسي أو بالفهم التنظيمي أم بالحس الأمني أم بماذا ؟
لابد من أساس :-
والإجابة أنه لابد من أساس والأساس أوضحه الله سبحانة وتعالى بجلاء في قوله " أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرا أم من أسس بنيانه على شفا جرف ... "
فالأساس من التقوى محلها القلب
والرسول صلى الله عليه وسلم أبان البداية لنبدأ بها أولاً حين قال " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب " فمن أراد شخصية سوية صالحة قادرة على حمل أعباء التكليف والعمل فليبدأ من القلب وليؤسس البنيان لتلك الشخصية التي ينتظرميلادها ملايين بل مليارات البشر لتكون منارة هدى لها فهؤلاء ينتظرون والقلوب تنتظر أن تبدأ بها .