الوعي بالحضارة و التاريخ ينمي الإبداع ومهارات المكفوفين
،،
تواكب مدرسة الوعي الأثري للمكفوفين بالمتحف المصري بالقاهرة التغيرات الحديثة داخل متاحف العالم التي تقيم ورشاً لتعليم الرسم والنحت للزوار المكفوفين مثل متحف متروبوليتان في نيويورك ،ومتحف الأزياء في مدريد ،وعدد كبير من متاحف إسبانيا.
كما بدأ متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية فى إضافة لوحات منحوتة ثنائية الأبعاد لعدد من القطع الأثرية المعروضة به، وذلك لوضعها بجانب البطاقات الشارحة المكتوبة بطريقة برايل لمساعدة غير المبصرين.
تنظم مدرسة الوعي الأثري للمكفوفين بالمتحف المصري بالقاهرة عدداً من الرحلات المكثفة و الزيارات العملية للمكفوفين بالجامعات و المدارس المصرية ،لزيادة الوعي بالحضارة والتاريخ وتنمية الإبداع الفني لديهم من خلال شرح مبسط لأهم القطع الأثرية ،وإتاحة لمسها باستثناء بعض القطع لحساسية المواد المصنوعة بها.
يقول "أحمد ناجي" المسئول عن العلاقات العامة والإعلام بالمدرسة ،ويحمل عضوية الاتحاد الدولى للحفاظ على التراث ،كما أنه حاصل على دبلومة دراسات عليا فى الدراسات التاريخية الأفريقية من معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة "كنت متطوعاً لمدة عامين بالمدرسة فور تخرجي من كلية الآداب قسم التاريخ من جامعة عين شمس ،وقد تأسست مدرسة الوعي الأثري للمكفوفين على يد الدكتورة وفاء الصديق مدير عام المتحف المصرى الأسبق فى عام 2005".
تُمارس المدرسة أنشطتها لمساندة مكفوفي البصر لرؤية العالم و دعم الانتماء بالوعي الأثري في مصر،و تقدم خدماتها للمكفوفين بالتعاون مع المؤسسات و الجامعات ،وتتولى الأستاذة تهانى نوح مسئولة ذوى الإعاقة والمكفوفين بالمجلس الأعلى للآثار إدارة هذه المدرسة ،ويقدم المرشد الأثري في هذا المكان شرحاً نظرياً لأهم الموضوعات عند المصريين القدماء ،الفراعنة ،ومنها فن التحنيط،والكتابة الهيروغليفية للطلبة والأطفال المكفوفين،ثم بعدها يقوم بالشرح العملي على القطع الأثرية وحروف الكتابة القديمة.
يقول"أحمد ناجي" "للعرب"،"عشقت النحت بالطين الأسواني من خلال عملي كمرشد أثري للمكفوفين،وفي المتحف المصرى عرفت طريق ورش إدارة مواهب المكفوفين،فانطلقت أبحث عن أدوات ومهارات جديدة ،عن رؤية تمد البصيرة وتملأ الروح بتفاصيل الكون الفسيح ،وذهبت لمركز سعد زغلول بالقاهرة الذى كان ينظم صالون الفن الخاص التابع لوزارة الثقافة وقابلت الفنان طارق مأمون مدير متحف الفن المصري الحديث ،الذي وجهني نحو الرسم بأصابع الكف فبدأت أرسم وأتدرب برغبة وإصرار ،لأشارك بلوحة فى صالون الفن الخاص عام 2009 وحصلت على جائزة من لجنة التحكيم كأول كفيف مصري يرسم بأصابع كفه".
تشجع مدرسة الوعي الأثري للمكفوفين على ممارسة الفن و زيادة الخبرات الحياتية ،تقول "هدى" وهي مرافقة ومدربة مهارات لأحد الأطفال المكفوفين"كان شريف الطفل الذي أرافقه قليل المشاركة والكلام ،وهذه الرحلات والزيارات الميدانية تحفز المشاركة الاجتماعية لدى المكفوفين خصوصاً الأطفال ،حيث توفر لهم المدرسة الشرح واللمس،وأحياناً ورش العمل ليقوموا بأنفسهم بإبداع مجسمات تحاكي القطع الأثرية التي لمسوها وسمعواالقصص والحكايات عنها فتنمي لديهم الإبداع وتثير باقي الحواس للعمل بشكل أفضل".
بينما تعبر أم الطفل المكفوف "شريف"التي تصاحبه مع مدربته لزيارة المتحف عن سعادتها البالغة بتفاعل ابنها مع النشاط الفني والمعرفي وإبداء الرغبة في تكرار الزيارة.
يقول"أحمد ناجي"،"إن الذائقة الفنية والمهارات الحياتية يمكن تنميتها بأساليب إبداعية،فقد قامت مدرسة الوعي الأثري للمكفوفين بدور كبير في حياتي ،كما دربتني الفنانة التشكيلية رشا سليمان على برنامج للرسم بالموسيقى،كنت استمع لبعض المقطوعات الموسيقية للموسيقار المصري عمر خيرت ،وأتخيل شكل كل آلة في دوائر ومربعات ومستطيلات بهدف ضبط إيقاع يدي على اللوحات".
يضيف"ناجي"،"ميّزت في طفولتي ثلاثة ألوان الأسود والأحمر والأبيض (بالمناسبة هي ألوان علم مصر) ولا أتذكر غيرها من ذكريات ما رأيت جزئياً في طفولتي ،لكن الاهتمام و التدريب يساعدان كثيراً على رؤية العالم و خلق روابط و بصيرة ،وأحببت الرسم جدا".
رسم أحمد ناجي مجموعة لوحات عام 2010 وشارك بها فى معرض أقامته الهيئة العامة لقصور الثقافة،وفى عام 2011 شارك فى مهرجان نجوم العطاء الذى نظمته قناة العطاء فى الكويت وحصل على درع المهرجان وتسلمه من سفير الكويت بالقاهرة ،ثم شارك فى صالون الفن الخاص فى دورته الثالثة ،وحصل على المركز الثانى عام 2012 ،كما تم تكريمه في قناة إرادة السعودية فى إطار احتفال القناة باليوم العالمى للعصا البيضاء ،ثم شارك برسوماته فى معرض أرمينيا وحصل على جائزة لجنة التحكيم.
يقول"أحمد ناجي"،"بدأت أقرأ عن أعمال الفنان التشكيلي التركي المكفوف أشرف أرماغان و تجربته الملهمة ،فازدادت رغبتي في الاستمرار في عالم الفن و الرسم".
ولد أشرف أرماغان أعمى لأسرة فقيرة في تركيا عام 1953 ، يرى أرماغان بيديه بعدما يتحسس ما ينوي رسمه ،وتعمل أصابعه كطابعة فائقة الجودة تنقل لبصيرته العالم كله ليجسد رؤاه وأحاسيسه على الورق في تجربة مدهشة جعلته ظاهرة يدرسهاالعلماء في جامعات العالم ، فجامعه تورونتو تقوم بدراسه التصور البشري من خلال مقدرة أرماغان الذي لا يملك أية تصورات مرئية مسبقة عن العالم ،وقداكتشف العلماء بجامعة هارفارد وجود نشاط دماغي عالٍ عند ملامسته لأي جسم ،لا يعرف أرماغان الضوء و لا الظل ولا يعرف شيئا عن الألوان لكنه يستخدمها.
يذكر أن الأردن أقامت معرضاً في عام ٢٠١٥ ،لرسومات الأطفال المكفوفين، بعدما دربهم الفنان التشكيلي الأردني سهيل بقاعي في ورشة تدريبية بعنوان (الرؤية هي البرهان)لإبراز مواهبهم ولتعليمهم الرسم وفن التلوين بالاعتماد على حاستي اللمس والشم.
أقام أحمد ناجي معرضه الخاص في عام 2013 و تضمن 12 لوحة، و نال استقبالاً طيباً من جانب الجمهور والفنانين والنقاد .
و أقام معرضاً آخر هذا العام ضم سبعة أعمال جديدة، على هامش افتتاح عروض فرقة الشمس المسرحية لذوي القدرات الخاصة،التابعة للبيت الفني للمسرح المصري ،في إطار أنشطة دعم قدرات ذوي الإعاقة لعام 2018 العام الذي خصصه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للاهتمام بذوي الإعاقة و الأقزام.
ولنا أن نتخيل أنه في سنة 1986 بألمانيا كان المكفوفون يعملون بمصانع قطع غيار السيارات بعد تأهيلهم وهو ما لم نصل إليه في أفريقيا
مادة ٨١ من الدستور المصري
تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
الأداب - ودار العلوم – والألسن – والحقوق - والخدمة الاجتماعية»
وفي متحف الملكة صوفيا للفن الحديث الذي يضم لوحة “غيرنيكا” الشهيرة لبيكاسو، يسمح للزوار المكفوفين بلمس بعض المنحوتات، كما أن متحف الأزياء في العاصمة الاسبانية يتيح لهذه الفئة من الزوار لمس المجموعة الدائمة من الازياء التاريخية، من بينها قطع يعود تاريخها الى القرن السادس عشر. كما أن منظمة “او ان سي اي”، التي تدير العاب اليانصيب الرائجة بقوة في البلاد وتوظف اكثر من 20 الف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، تقدم نصائح للمتاحف في شأن طريقة تحسين الخدمات المتوافرة للزوار المكفوفين.
ويعتبر انخيل لويس غوميز بلازكيز مدير قسم الرياضة والترفيه في المنظمة أن “هذا الامر يساعد ليس فقط المكفوفين فحسب، بل ايضا جميع الذين يعانون الاعاقات على اختلافها”. وبحسب اليزابيث اكسيل رئيسة ومؤسسة منظمة “آرت بيوند سايت” التي تتخذ في نيويورك مقرا لها وتنشط من اجل تحسين الخدمات المقدمة للمكفوفين في المتاحف، يشهد العالم زيادة في عدد المؤسسات التي تكيف الاعمال المعروضة لديها بشكل يتناسب مع زوارها غير المبصرين. وتشير إلى أن “المتاحف تبذل حقا جهودا لدعوة الجماهير كافة الى معارض تحاكي الحواس كلها”.