فاروق شوشة و التكنوتربية

،،

في كل اللقاءات التي جمعتني بالأستاذ الحاضر دائماً فاروق شوشة الذي فارق الدنيا في بدايات شهر اكتوبر من هذا العام ٢٠١٦ ، كانت اللغة العربية سيدة اللغات تحضر بجلال عظيم ووجاهة طاغية ، كنت ألتقيه يوم السبت من كل أسبوع حيث التزامه بموعد تسجيل برنامجه الأشهر لغتنا الجميلة  حتى أخر أيامه بانتظام عجيب ، واحترام كبير و محبة هادئة ،

كان مطمئناً تماماً على لغتنا الجميلة ، و على مقاومتها و بقائها ، واصفا إياها باللغة العربية المحظوظة اللغة الوحيدة التي خصصت لها الامم المتحدة يوما للاحتفال بها في الثامن عشر من ديسمبر كل عام ،

و حين سألته عن المستحدثات التكنولوجية  و الالفاظ التي دخلت حياتنا معها ، لم يقلق بل نادى بضرورة نسب اللفظ  الذي نسمي به المستحدث الى أهله بلغة مبتكريه و صناعه ، فلا مشكلة ان نقول موبايل ، و سي دي ، و فيديو ، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في سوء الاستخدام ، و انعدام الاستثمار المبني على المستحدثات ، خاصة مع الأجيال الجديدة التي ينبغي ان نطور مفاهيمنا التربوية لتلائم هذا الزمان و لا نقف عند حدود تعليمات و نصائح و قائمة الممنوح و الممنوع ، و أبدى لي أعجابه بتركيزي في برنامجي صباح تك الذي اقدمه على موجات  الاذاعة المصرية يوم السبت من كل أسبوع  على مفهوم التكنو تربية لتطويع المستحدثات العصرية و الاجهزة التكنولوجية  لتخدم قضايا التربية الحديثة ، 

تحدثت معه عن  عمليات التربية  التي ينبغي ان تطور مفاهيم الناس وعلاقاتهم ببعضهم البعض ، و علاقاتهم بمن سبقهم و من يليهم ،  و علاقاتهم بالبيئة المحيطة ، و المفترض في عمليات التربية ان هذا التطور المصاحب لها يكون تطورا نحو الافضل ، والتربية تتطور بتطور العصور ، تستخدم المفردات و المستحدثات ، في اتجاه اعادة تكيف الفرد مع متغيرات تدخل حياته لتحسينها بدلا من تدميرها ،  لترقيتها و تهذيبها ، او تهذيبنا لنستعيد لياقتنا للتعامل مع الحياة ، او لاستمرارنا على قيد الحياة متكيفين  متفاعلين معها ، لا خارجين عن نص الدنيا الابداعي المتطور في تحقيق سنة الله  ، او قادمين من آلة زمن الماضي ، التربية تستهدف الانسان نفسيا وجسديا وعقليا واجتماعيا ، في كل الاعمار ، فلا تتوقف عملية التربية عند الطفولة ، انما لكل مرحلة تربيتها ، حتى ان العديد من الخبراء والمدربين ، يخضعون انفسهم لتدريبات قاسية ملزمة قبل ان يطبقوا برامجهم التدريبية على اخرين ،،

حدثني عن مؤتمر شارك فيه في الامارات حول تحفيز الاطفال على استخدام اللغة العربية  خاصة في ظل انتشار الكتابة الفرانكو ( نوع من الكتابة يستخدم الحروف اللاتينية لكتابة الكلمات العربية مع بعض الابتكارات التقريبية في تقديم حلول لنطق بعض الحروف فحرف الحاء يتم كتابته برقم سبعة باللغة الانجليزية و حرف الخاء تتم كتابته باستخدام رقم خمسة بالانجليزية و هكذا ) المهم انهم في هذا المؤتمر خصصوا جلسة للأطفال لتطوير استخدام اللغة العربية و تطوير المهارات التعبيرية بها من خلال الكتابة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر  ، و أقاموا مسابقات و أعطوا الجوائز لكتابة الجملة الصحيحة في مائة و أربعين حرفاً عربيا ،  و مسابقات في الاعراب ، وتصويب الكتابة مع إيقاع عصري ممتع للطفل و محفز لاستخدام لغته دون جمود الطرق التقليدية في تعلم اللغة ، و حكى لي عن نجاح التجربة الامر الذي رَآه  مؤشرا مبشرا لاستثمار استخدام الأدوات الحديثة و المبتكرات لصالح مجتمعاتنا بمزيد من الجهد و التحفيز و الابداع ، 

فكما تعاونت علوم وافكار التربية مع علم النفس ومع علم الاجتماع ، والعلوم الشرعية ، ، بل وكافة العلوم التي تنقل معارف متنوعة للبشر ،،  فقد اصبح من المهم في هذا العصر ان  تتضافر التربية مع التكنولوجيا ، مع علوم الاتصال والاعلام ،  خاصة ما يتعلق بتكنولوجيا التواصل ، وان نعرف الكثير عن تكنولوجيا التربية ،تلك التي تعني بالاستفادة من كل الامكانات التكنولوجية لبناء الانسان ،  

ويتفرع منها تكنولوجيا التعليم التي تشمل تطوير المناهج والاساليب وتحديث الوسائط التعليمية ، ان تدخل التحديثات في التعليم لا ان تكون مجرد اجراءات شكلية لتسديد خانات ،، ان معرفة بعض المفاهيم التقنية والاعلامية والتربوية ، مفاهيم التكنو تربية ، سيسهل علينا التعامل مع انفسنا ومع اجيال  متعددة قُدّر لنا  التعامل معا في هذا العصر مع اختلاف كبير في طرق التعامل مع مستحدثاته ، و قضاياه ، و لن يقرب هذا الاختلاف الا جهود التقريب الإبداعية بدمج التكنولوجيا  بطرق أكثر إيجابية في حياتنا و حياة ابنائنا و ليس معاداتها .