حتى اراك
،،،الاعلام ، والواقع ( داعش والأسطورة نموذجاً / بحثاً عن بقعة زيت ٢)
،،،،،
"نفس الثانية اللي احنا بنشرب فيها الشاي ، فيه ناس تانية بتشكي همومها ويا الناي" ،، ( مطلع أغنية لفرقة الاصدقاء التي أسسها الموسيقار عمار الشريعي ، تألقت بعض أغانيها في الثمانينات ) ،
العالم ليس لنا وحدنا ، لنا و لغيرنا ، لا نراه جميعا من نفس الزاوية ، و نستقبل احداثه نفس الاستقبال ، بل ان التطورات الحالية تصنع استقبالا معلبا لاحداث جديدة ، او تبدو كذلك ،
،، فبينما كان الناس يحتفلون يرقصون ويبتهجون بسبب صورة زائفة عن الواقع بنقل اخبار عن الهدنة في الحرب العالمية الاولى عبر الصحف في 6 نوفمبر 1918، ، كان الآلاف من الشباب يلقون حتفهم في ميدان المعارك ، و لم تتحقق الهدنة الا بعدها بخمسة ايام ،
جاء ذلك في كتاب "الرأي العام " الذي كتبه “والترليبمان” سنة 1922، مختصا الصحافة بصناعة الواقع المدرك عن الحياة ، والذي لا يشترط ان يطابق الواقع الفعلي ،
يبحث الناس في الواقع الذي يعيشونه عن الرسائل و المدركات الاعلامية التي تعرضوا لها ، و قد يحدث ذلك معنا يوميا ، و يتجلى الان مع انتشار شبكات الاعلام الاجتماعي ، منذ فترة قريبة كنت على الطريق الدائري اتجاه المعادي المنيب ، و اذا بالسوشيال ميديا تحفل بالاخبار عن غلق الطريق لوجود بقعة زيت كبيرة ، و أنا اسير على نفس النقطة المشار اليها ، بينما الجالسون معي في السيارة يبحثون عن بقعة الزيت الكبيييييرة بميكروسكوب في محاولة لمطابقة الواقع الحقيقي على الواقع المدرك من وسائل الاعلام ، لم نجد بقعة الزيت رغم محاولات البحث ، ولم يستطع الجالسون معي في السيارة تكذيب ما ورد على السوشيال ميديا تكذيبا قاطعا ، و هذا كاف جدا للدلالة على مزيد من الشكوك و عدم المطابقة ،
و الدراما مثل الاخبار في هذا الشأن ، لكن الواقع في الشأن الخبري اكثر خطورة ،
لم اتابع مسلسل رمضان الماضي (الأسطورة) ، لكني اعلم مدى تأثيره من التفاف الناس وقت أذاعته ، و حكايات الاصدقاء ،،
كذلك لم استطع متابعة فيديوهات داعش في ذروة وجودها في عامي ٢٠١٤/٢٠١٥ لبشاعتها لكني اعلم أثرها على الناس ،و على اجندة الاعلام المحلي والدولي ،
هذه الاخبار الشهيرة ، والدراما الأشهر ترسم المدركات التي تصلنا عبر الاعلام و تصدر لنا واقعا يفرض نفسه على عقولنا مهما قاومنا ذلك ،
وكما اتفقنا ان اللغه ( المكتوبة ، المسموعة ، المرئية ، لغة الجسد ، الإشارات والرموز ، كلها لغات تنقل المعاني ) سلطة بذاتها تمنح و تمنع ، تضخم السلطه الرسمية ، او تقللها ، تصنع الهيبه او تزيلها ، تَخَلَّق الاحلام والأوهام ، و البطولات ، تحرك الناس جماعات نحو افعال مقصودة ، نفهمها ونلمسها الان اكثر من اي وقت مضى ،
.و قد تجلت هذه الأمور في نظريات الاعلام و علوم الاجتماع وعلوم اللغة ، لنجد نظرية الدلالة اللغوية و بناء الواقع الاجتماعي ، و نظرية النسبية الثقافية في بناء المعاني ،
و نتأكد ان اللغة هي اهم دليل للواقع الإجتماعي الذي يعيشه الناس ، فالبشر لا يعيشون في عالم مادي فقط ولا في عالم الانشطة الإجتماعية و لا شيء غير ذلك ، ولكنهم يفكرون ،و يتفاهمون ، و يتبادلون المنافع والمشاعر باللغة ، فهي وسيط اساسي للتعامل مع الواقع رغم محدوديته ،
فالانطباعات قد تنافس الصفات الموضوعية ، و تتأثر الحياة كلها بافكارنا الشخصية عنها ، و موقف واحد قد نمر به ونحن في مجموعة ما ، ينقله كل منا بطريقة ، ثم يحلله و يفسره وفق تفكيره الخاص ،
وكما يحدث على مستوى الافراد والمجموعات يحدث على مستوى مؤسسات الاعلام الكبرى ، و ينتقل الان عبر شبكات الاعلام الاجتماعي التي رغم كونها تعبر في الغالب عن افراد الا انها قد تفعل اثر الموسسات الكبرى لانتشارها و إمكانات تفاعلها المباشر و السريع والطاغي ، هي تماماً كمؤسسات كبرى دون معايير قياسية ، فالذاتية فيها تكسبها مذاقا فريدا وإقبالا مؤثرا ، و هي تشارك مؤسسات الاعلام الاحترافية في رسم تصور عن الواقع ، و رسم سيناريوهات متوقعة ، فتدفع الاقتصاد و السياسة ، و الذوق العام ، وحوارات الناس باتجاهات محددة ،الاعلام نافذة سحرية على العالم رغم اتساعها ضيقة ، لكننا نصدق احيانا انها - هذه النافذة - هي العالم ،فتحدث حالات توحد طاغية مع شخصيات واحداث وأماكن جاءت عبر نافذة الاعلام ، حتى لو كانت مجرد عمل درامي اعترف القائمون عليه بخيالاتهم في رسمه ، فما بالك بما يمكن ان يحدث تجاه نشرة الاخبار ،