النوبة بين الأنين والحنين
هذه المقاله أرسلها لى قريب لى معبرا عن مشاعره و آلامه و حنينه للنوبه القديمه على ضفاف النيل. لقد عبر فى هذه المقاله عن ما يشعر به كل نوبى مصرى يشعر بالظلم لإبعاده عن النيل الذى شكل حياه و شخصيه النوبى. النيل الذى شكل صفاء الشخصيه النوبيه بصفائه و المتدفقه المشاعر كتدفق مياهه .
بينما كان قطار الساعة الثانية ظهراً يقطع المسافة بين القاهره الي الشمال الغربي متجهاً إلي الأسكندرية – رحت في رحلة أخري في الزمان في إتجاه الجنوب – إلي أرض النوبة حيث المولد والنشأه والتعليم قبل الجامعى – وإختلطت بداخلي مشاعر الحنين إلي الماضي – حيث النيل والجزر والهجرات المتتالية في المكان وإلي غرب النيل مع توالي تعليات خزان أسوان القديم – ثم كانت الهجرة الكبري وبلا عودة - إلي الشمال – إلي صحراء كوم أمبو – بعد بناء السد العالي وتحويل مجري النهر – بلا تعويض عادل . وراح بعضي يناظر بعضي – ألم يكن السد العالي لصالح ورفاهية مصر والمصريين جميعاً – وكان الرد – نعم – ولكنى ضحيت بكل تاريخي منذ بدء الحياه علي ضفتي النيل العظيم ومنذ آلاف السنين – ضحيت بتراثي وقبور أجدادي وبالشطوط – ووجدتني أقارن بين تهجيري وبين هجرة بعض مواطني في الشمال – في منطقة قناة السويس أبان حرب 1967 – وفي حين أعيدوا معززين مكرمين إلي موطنهم حول القناه بعد حرب الإنتصار في أكتوبر 1973 .
إلا أنني لم ولن أستطيع العودة إلي موطني الأصلي والذي صار جزءاً من بحيرة مياه السد العالي – ووجدتني أتساءل وأقول – ولماذا لا يتم إعادة توطيني حول ضفاف البحيرة – خاصة وأن حدود حركة المياه إرتفاعاً وإنحساراً قد أستقر الآن . ويشهد التاريخ منذ الأزل أنني أنا النوبي – ومن قبلي أجدادي لم نلوث النهر أبداً – كما أن نفس التاريخ يشهد بأن تلكم الأرض الطيبة لم تنبت قط من خان هذا الوطن – إذا لا خوف إطلاقاً من تلويث النيل أو خيانة الوطن علي تلكم الحدود – بل أنني الباب الذهبي لدخول مصر إلي دول حوض النيل بل وسائر أفريقيا – إذا ما أختير منا سفراء وقناصل مصر إلي تلك الدول . وأختلط الحنين بالأنين حين قارنت ما كان من إهتمام بالحجر ممثلاً في المعابد القديمة وإهمال البشر – وشعرت بالمرارة في حلقي – ثم إنتهيت إلي أن مصر كلها في ثورة الآن- ثورة شعبية حقيقية تبعث الأمل في كل شئ في مصر – فقلت لنفسي – إذا إتحدت إرادة أهلي في العودة إلي ضفاف البحيرة من خلال آلية واضحة – يتفق عليها – ويعمل جميع النوبيون في إتجاه واحد – محصلتها تحقيق حلم العودة إلي تلكم الضفاف .
الإنسان النوبي – نيلي الهوي والهوية – يشهد بذلك تاريخ عمارته عبر الزمان في القري الأصلية وكم كانت البيوت تشيد لتكون قبلة أبوابها صوب النهر – ليكون النيل أول شئ تقع عليه عين النوبي في صباحه وأخر شئ يودعه في أخر نهاره وبداية ليله – وأنه رغم إيمانه المطلق بالله ورسوله الكريم – إلا أنه كان ولا يزال يقدس هذا النيل العظيم في مفردات حياته – وقلت في نفسي – إذا كانت الدولة قد إبتدأت في إنشاء بعض القري في مناطق بعيدة عن النيل لتسكين أهلي – فلا بأس – ولكن بشرط ألا يتعارض ذلك مع توطين القطاع الأكبر علي طول ضفاف البحيرة الممتدة بين السد العالي شمالاً والحدود الجنوبية لمصر – ونعود نحن النوبيون إلي أصل أننا واو الوصل بين مصر والسودان وسائر أفريقيا . ويصل القطار إلي نهاية رحلته ، بينما ما زلت في حيرتي كيف أن الحكومات المتتالية منذ عام 1964م وحتي الآن لم تحس بأنين النوبي ولم تدرك حنينه إلي موطنه الأصلي .
د. صابر عبده جاهين
أستاذ علوم الأراضى و المياه
و آخر عميد منتخب
كليه الزراعه ــ جامعه كفر الشيخ
ساحة النقاش