تقرير خاص - أمل الأمة

مقدمة

تعرض العراق لإلقاء ما يعادل أربعة أضعاف متفجرات ( هيروشيما وناجازاكي ) أثناء حرب الخليج الثانية مما نجم عنه مقتل ( 210 آلاف شخص ) حسب الأرقام المعتمدة من قبل الصليب الأحمر ( جارودي: العولمة المزعومة ص23).

أصدر مجلس الأمن القرار رقم 661 في السادس من أغسطس/آب 1990 بفرض عقوبات اقتصادية على العراق. وكان الهدف من هذا لحظر التضييق عليه لإرغامه على سحب قواته من الكويت. لكن قبل أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة قادت أميركا قوات التحالف, وأخرجت القوات العراقية. وظلت العقوبات نافذة بذريعة التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وتطبيقه قرارات مجلس الأمن، وشملت هذه لعقوبات حظراً تجارياً كاملاً باستثناء المواد الطبية والغذائية والموادالتي لها صفة إنسانية

الحصار يقتل الأطفال

نشرت المجلة الطبية البريطانية British Medical Journal تقريرًا في عددها الصادر يوم 16 ديسمبر الحالي أعدته المجموعة العالمية لصحة الأطفال، طالب بمراجعة عاجلة للعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الأمم المتحدة على العراق، وحذّر أن الحصار المفروض على العراق قد أدى إلى مضاعفة وفيّات الأطفال تحت سن خمس سنوات.

ويبين التقرير أحدث النسب المسجلة حتى آخر عام 1999 والتي تكشف عن ظروف تدمي القلوب.

ويقول التقرير: إنه في حين كان معدل وفيّات الأطفال تحت سن خمس سنوات في الفترة ما بين 1984-1989 - قبل العقوبات- قد بلغ 56 حالة وفاة لكل ألف ولادة حيّة، فقد تضاعف هذا المعدل في الفترة ما بين 1994-1999 ليصل إلى 131 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية.

كما أن معدل وفيّات الرضع تحت سن سنة الذي كان 47 حالة وفاة لكل ألف ولادة في الفترة ما بين 1984-1989، قد بلغ 109 حالات وفاة لكل ألف ولادة في الفترة ما بين 1994-1999.

أما معدل وفيّات الأمهات الذي كان 50 حالة وفاة لكل ألف ولادة حيّة في عام 1989، فقد وصل إلى 117 حالة وفاة لكل ألف ولادة حيّة عام 1999.

ويقول التقرير: إن هذه المعدلات تماثل معدلات الوفيّات في دولة هاييتي التي تعتبر من أفقر دول العالم، في حين أن العراق قبل حرب الخليج كانت دولة غنية، يتقدم فيها النظام الصحي والتعليمي والبنية التحتية بها بشكل ملحوظ.

ويتضح ذلك من خلال الرسم البياني الصادر من الأمم المتحدة، الذي يوضح الفرق الشاسع بين معدل الوفيّات الحالي لسن تحت خمس سنوات، والمعدل الذي كان متوقعًا في حالة عدم فرض الحصار على العراق.كما يوضح هذا الرسم البياني الارتفاع الفعلي المخيف الذي حدث في معدل وفيّات الأطفال إثر نشوب حرب الخليج عام 1990، والذي انخفض نسبيًا عام 1992 ليعاود الارتفاع المستمر حتى الآن.

وفي تقرير صادر من منظمة الصحة العالمية يقول العلماء: إن هناك مؤشرات عديدة تشير إلى أن العراق كان يتمتع قبل مرحلة حرب الخليج وما بعدها بمستوى معيشي طيب للغاية؛ فقد كانت العراق تتمتع بحياة مدنية حديثة نتيجة صرف جزء كبير من الثروة الناتجة عن تصدير البترول في المجالات التي تحسّن الظروف المعيشية العامة للشعب العراقي.

تدهور الخدمات الصحية

أما جهاز وزارة الصحة العراقية التي كانت قد وصلت إلى درجة عالية من التقدم وتوفير الخدمات الصحية قبل الحرب كما أشرنا؛ فإن الحال به قد تدهور إلى مستوى سيئ للغاية بعد الحرب وفرض العقوبات الاقتصادية. ومما يشير إلى ذلك التقارير التي تؤكد أن خدمات معامل التحاليل قد انخفض كفاءتها إلى 50% مما كانت عليه بسبب غياب الأجهزة والكيماويات اللازمة للقيام بالتحاليل المختلفة، وقد تأثرت أيضًا خدمات الأشعة التشخيصية بنفس الدرجة.

وأما العمليات الجراحية فقد انخفض القيام بها بنسبة 40% نتيجة عدم توفر الطاقة الكهربائية بشكل منتظم، بالإضافة إلى النقص الحاد في العقاقير المخدرة والأدوات الجراحية. وبالطبع، فإن انخفاض نسبة القيام بالعمليات الجراحية قد أثر على معدلات الإصابة بالأمراض ومعدلات الوفيّات.

وقد نتج عن قصف مصانع الطاقة الكهربائية ومصانع تنقية المياه ومعالجة المجاري أثناء حرب الخليج، بالإضافة إلى تزاحم السكان والنقص الحاد في خدمات النظافة؛ تفشي الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفويد، فيطلعنا تقرير منظمة الصحة العالمية على أن التيفويد كانت نسبة انتشاره عام 1990 – قبل الحرب – 11.3 لكل 100000 من الشعب، أما في عام 1994 فقد وصلت هذه النسبة إلى 142.1 لكل 100000 من الشعب. أما مرض الكوليرا فلم يكن له وجود يذكر في العراق قبل الحرب، أما نسبة انتشاره عام 1994 فقد كان 7.8 لكل 100000 من الشعب.

مشكلة أخرى ـ ويبدو أن المشاكل لا نهاية لها ـ هي عدم كفاءة برنامج تطعيمات الأطفال ضد الأمراض المعدية؛ وذلك بسبب عدم انتظام التيار الكهربائي؛ مما يؤدي إلى تخريب الأمصال داخل الثلاجات، بالإضافة إلى عدم كفايتها من الأصل، وعدم تمكن الأطباء من الحفاظ على تطبيق البرنامج بشكل فعال بسبب الظروف المعيشية المعقدة.

دمار اقتصادى واجتماعى

قضت البنود الأصلية للحظر بتحريم كل أنواع المعاملات التجارية مع العراق وتجميد أمواله في الخارج. ونظرياً استثني الغذاء والمواد الطبية، لكن بدون عوائد التصدير، ولم يستطع العراق دفع فاتورة الاستيراد، لذا أصبح هذا الاستثناء لا معنى له.

وقبل الحصار كانت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية أعلى عموماً من المعدلات الإقليمية والدول النامية. إذ بلغ إجمالي الناتج المحلي 75.5 مليار دولار عام 1989، ولكنه انخفض إلى الثلثين عام 1991.

وفي عام 1988 كاندخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي 3510 دولارات، لكنه انخفض إلى 1500 دولار عام 1991، ثمانخفض إلى 1036 دولار عام 1998.

وتشير مصادر أخرى إلى أن الانخفاض في دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي بلغ 450 دولار عام 1995. وكان النفط العراقي يمثل 60% من إجمالي الناتج المحلي و95% من إيرادات النقد الأجنبي، حيث كان اقتصاده يعتمد اعتماداً كبيراً على القطاعالخارجي ويتأثر بتقلبات أسعار النفط العالمية. ففي بداية الثمانينات بلغ إنتاج النفط العراقي 3.5 مليون برميل يومياً، لكن هذه الكمية انخفضت إلى 2.8 مليون برميل عام 1989.

دخل الفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي قبل وبعد الحصار وبالنسبة لبرنامج النفط مقابل الغذاء، فبرغم أن كمية النفط التي يصدرها العراق بلغت أعلىمعدل لها منذ عام 1991، إلا أن العائدات ظلت غير كافية بسبب الارتباط السلبي بين أسعارالنفط المنخفضة والتأخير في الحصول على قطع الغيار اللازمة والتهالك العام للبنية التحتيةلصناعة النفط. والسقف الحالي البالغ 5.2 مليار دولار (كل ستة أشهر) لا يتناسب مع الصادراتالتي يبلغ أقصى حد لها 3.1 مليار دولار.

فقد يحتاج الأمر إلى ما يقرب من 1.2 مليار دولارلتأمين زيادة تدريجية وكافية لإنتاج النفط الخام العراقي للسماح لمستويات الإنتاج أن تصلإلى 3 مليون برميل يومياً. ومع ذلك فإن إعادة التأهيل الكامل لصناعة النفط في العراق قدتحتاج إلى عدة مليارات من الدولارات.

فكل قطاع في الاقتصاد العراقي كان يعتمد إلى حد ما على الاستيراد. إذ أن أصغر مصنع للمنسوجات لم يعد باستطاعته النهوض دون الاحتياج إلى قطع الغيار الأجنبية. فالزراع يحتاجون إلى المضخات المستوردة لتشغيل أنظمة الري.

ولم تستطع الحكومة إصلاح شبكات الهاتف والكهرباء والطرق والماء والصرف المتضررة دون استيراد المواداللازمة لها من الخارج. وفي إحصاء لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ذكر أن العراق بحاجة إلىسبعة مليارات دولار لإعادة تشغيل قطاع الطاقة كما كان قبل عام 1990.

تدهور التعليم فى العراق

يذكر تقرير لليونيسيف أن الحكومة العراقية استثمرت مبالغ ضخمة في قطاع التعليم من أواسط السبعينيات حتى عام 1990.

وفي تقرير آخر لليونسكو ذكر أن السياسة التعليمية للعراق تضمنت توفير المنح الدراسية وتسهيلات البحث والدعم الطبي للطلبة. ففي عام 1989 وصل معدل المسجلين بالمرحلتين المتوسطةوالثانوية 75% (أعلى قليلاً من معدل الدول النامية مجتمعة والتي تبلغ 70%)، ووفقاً لتقريرالتنمية البشرية لعام 1991 انخفض معدل الأمية إلى 20% عام 1987.

سعة استيعاب المدارس الابتدائية في العراق قبل وبعد الحصار وكان نصيب التعليم يزيد على 5% من ميزانية الدولة عام 1989 فوق معدل الدول النامية البالغ 3.8%. وفي ظل الحصار انخفض معدل المسجلين بالمدارس لجميع الأعمار (من 6-23 سنة)إلى 53%.

وفي المحافظات الوسطى والجنوبية بلغت نسبة مباني المدارس التي بحاجة لإعادة تأهيل 83%، أي أن 8613 مدرسة من مجموع 10334 تضررت بشدة. وبعض المدارس التي كانت سعةالاستيعاب بها 700 تلميذ بلغ عدد المسجلين بها فعلياً 4500 تلميذ.

أما عن التقدم الواقعيلمحو أمية الكبار والإناث فقد توقف ورجع إلى مستويات منتصف عام 1980.

وبالنسبة لارتفاع عدد أطفال الشوارع والأطفال العاملين فيمكن تفسيره بأنه نتيجة لتزايد معدلاتالتخلف عن المدارس وتكرار الأمر، حيث إن المزيد من الأسر تضطر للاعتماد على الأطفال لتأمين قوت الأسرة.وتشير الأرقام الواردة من اليونيسكو إلى أن المتخلفين عن المدارس الابتدائية ارتفعمن 95692 عام 1990 إلى 131658 عام 1999.

تدهور الكهرباء والمياة

لحق قطاع الكهرباء دمار شبه كامل أصاب الشبكات ومحطات التوليد، ويعاني هذا القطاع من نقص شديد في قطع الغيار اللازمة، والوحدات العاملة لا تعمل سوى 50% من طاقتها، والمحطات في حالة سيئة، وانقطاع التيار المبرمج يدوم لفترة تصل إلى 18 ساعة بسبب عجز وضعف المحطات، ووحدات الإنتاج، وهذا ينعكس سلباً على كافة مجالات الحياة في البلاد .

ولم يحصل العراق أو يصل إليه من قيمة العقود المبرمة الخاصة بقطاع الكهرباء سوى 27% من المطلوب، حيث لم يتيسر استيراد المواد المطلوب له، ورغم الموافقة على استيراد مواد بقيمة (182مليون دولار ) إلا أن ما تم استيراده حتى الآن هو ما قيمته( 29­) مليون دولار.

- وفي مجال المياه والصرف الصحي هناك نقص في قطع الغيار اللازمة لتشغيل محطات الصرف الصحي وسياراتها، وكذلك نقص المواد الكيمائية اللازمة لمعالجة مياه الصرف الصحي، وقد تراجعت حصة الفرد من المياه الصالحة للشرب من 330لتر للشخص عام 89م إلى 120 لتر في الوقت الحاضر، وهي دون حد الكفاية، وفيما يتعلق بنسبة التلوث في المياه فقد وصلت إلى 13%خلال سنوات الحصار، مع انها حسب المعايير الدولية يجب ألا تزيد عن 5%.

هــذا تقرير دولي يحكي حجم الدمار الهائل للبنية التحتية ، ففي ليلة الضربة الـجوية (17 / 1 / 1991 م) أصاب الطيران الجوي الثلاثيني ضد العراق، مشاريع مياه الشرب بالشلل التام وتوقفت عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وعدم توفر المواد الكيماوية لتنقيته ، واستمر الوضع على هذا الحال لمدة تتراوح بين خمسة إلى سبعة أيام لجأ خلالها الناس إلى إستخدام مياه الأنهار والسواقي، والمصادر الأخرى الملوثة لسد احتياجاتهم مما أعطى صورة مأساوية، ووضعاً صحياً خطيراً، وأضاف التقرير أن الضربة الجوية العسكرية عطلت نظام الضخ للمياه بسبب عدم توفر الوقود الكافي لتشغيل المولدات كما أدى أسلوب التشغيل المتناوب للمولدات، إلى ضعف عملية التعقيم الصحية بسبب شحة مادة الكلور والشبة .

المياه بعد الحرب:

إن عودة الطاقة الكهربائية بعد تضافر جهود العاملين في القطاع الكهربائي مكن بعض المشاريع من الوصول إلى نسبة (40 %) من الطاقة المتاحة ولم تتمكن من رفع النسبة إلى أكثر من ذلك بسبب عدم توفر المواد الكيماوية جراء القرارات التي فرضها مجلس الأمن الدولي في عدم السماح لاستيراد المواد المطلوبة الداخلة في تعقيم مياه الشرب لولا موقف المنظمات الإنسانية في تجهيز جزء من الاحتياجات ، وأعطت التقارير المعدة في هذا المجال إحصاءات في انخفاض إنتاجية المشاريع (مشاريع الشرب) بعد الحرب أقل من "2000" مليون متر مكعب سنوياً أي أن حصة الفرد الواحد انخفضت إلى "120" لترا يومياً, وأن ما يتوفر لديه للاستهلاك المنزلي والغسيل والسقي لم يزد عن "80" لترا يومياً . وهي حصة متردية ، كما ازدادت نسبة التلوث البكترولوجي في نماذج الشرب إلى "13%" وخلفت أثار الحرب هدراً في كميات المياه نتيجة لإسقاط آلاف الأطنان من القذائف على مدينة بغداد مما أدى إلى تحلل الشبكة وتحطيمها في المواقع التي سقطت فيها وبنسبة "40%" إن قرار "661" المعروف دولياً عرقل عقود الماء والمجاري كما أوضحنا، وقد تم إدراج مشاكل الشبكات المائية واحتياجات هذا الجزء الحيوي لإدامة الحياة ضمن مذكرة التفاهم إلا أنه لم يتم حتى الآن تنفيذ البرامج الموقعة ضمن مراحل المذكرة بسبب عرقلة المندوبين الأمريكي والبريطاني في لجنة (661) .

تدني نوعية مياه الشرب: لقد انتشرت برامج مراقبة نوعية مياه الشرب التي تنفذها المؤسسات الصحية في عموم العراق إلى تدني نوعية تلك المياه وخاصة من النواحي التكنولوجية حيث بلغت نسبة النماذج غير الصالحة للاستهلاك البشري وبموجب المواصفات القياسية العراقية ومواصفات الصحة العالمية في بعض المحافظات المحلية إلى أكثر من {55%} خلال العام {1994م} .

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 119 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2011 بواسطة DrKasem

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,052