تحضر في الصباح الباكر قبل موعد محاضراتها بساعة أو أكثر، هاربة من زحمة الطرق التي قد تعيق السائق من ايصالها قبل بدء المحاضرة لتدخل عالية الحسيني كلية العلوم الاجتماعية برفقة خادمتها الخاصة، وتبدأ يومها الدراسي الذي يزيدها حيوية ونشاطا على الرغم من صعوبة المقررات.
تمشي عالية في ممرات الكلية وأروقتها، مستعينة باللمس حينا وبمرافقتها حينا آخر، فلم تشعر يوما أن إعاقتها البصرية تمنعها من ان تمارس حياتها بشكل طبيعي، تجوب الكلية بحثا عن صديقات كن حصيلة سنواتها الثلاث التي قضتها في الكلية لتجلس معهن عند باب القاعة تنتظر أن يحين موعد محاضرتها، وتجيب عن اسئلة زميلاتها حول المقرر، خاصة أنها المتفوقة بينهن. لم تكن سنوات دراستها الثلاث جيدة، فتعتبر عالية ان الفصل الدراسي الاول الذي قضته كان الأسوأ في حياتها، حيث انتقلت من مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، الى مجتمع مصغر يضم طلبة جاؤوا من مختلف الشرائح والفئات، منهم من استقبلها بإعاقتها البصرية بالعطف، ومنهم من رفض ان يتعامل معها وفق اعتقاد خاطئ بأنها اقل منه!
معاناة
تنهي عالية حديثها مع زميلاتها، لتدخل القاعة بمساعدتهن وتستقر في مقعد بالصف الأمامي، تحضر للمادة التي سيدرّسها الاستاذ اليوم وتستذكر اياما صعبة قضتها مع اساتذة لم يحسنوا التعامل معها، فكان من بينهم عدد يعتقد أن الطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة «غبي»، ولن يفهم المحاضرات، الا ان تفوقها الدراسي كان خير اجابة لهذا النموذج من الاساتذة الذين يصيبهم الذهول عند حصولها على درجة عالية في المقررات، ورغم ذلك ما زالت تعاني من بعض الاساتذة الذين لا يتفهمون احتياجات الطلبة المعاقين، فمثلا البعض يصر على ان يقوم الاستاذ نفسه بكتابة امتحان عالية بدل الاستعانة بموظف من الكلية، الامر الذي تجد فيه نوعا من الارتباك، وعدم الارتياح خصوصا، وانها تنقل اجابتها لاستاذها.
تنافس
تبدأ المحاضرة لتكون عالية كالعادة مستعدة تماما للاجابة عن اسئلة الاستاذ والمشاركة، خصوصا وانها تدرس «علم الاجتماع» التخصص الذي احبته منذ المرحلة الثانوية في المدرسة، فقد حرصت منذ دخولها الجامعة على التنافس لتبقى دوما ضمن قائمة الشرف في القسم العلمي، وبالفعل حققت ذلك عبر معدلها العام الذي يفوق الـ 3.5 نقاط برغم صعوبة الامتحانات التي تشتكي منها عالية، خصوصا وان بعض الاساتذة لا يراعي وضع طلبته من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون لجهد مضاعف في الدراسة مقارنة بزملائهم الآخرين، وتحلم عالية بأن تصبح دكتورة في الجامعة.
طموحات
تشعر عالية بسعادة باهتمام ادارة الكلية بها وبزملائها ذوي الاعاقات الاخرى، خصوصا مع وجود قسم خاص في الكلية لهم وللاهتمام بشؤونهم من توفير موظفين لكتابة امتحاناتهم ودفع تكاليف طباعة الكتب المخصصة لهم بطريقة «برايل» (الكتابة البارزة للمكفوفين).
محبة وتعاون
خمس دقائق مشيا مع عالية في اروقة الكلية كفيلة بأن تبين مدى شعبيتها لدى زميلاتها، فقد وجدت لها طريقا الى قلوبهن هي التي كانت تنزعج في البداية من تعامل البعض بعطف تجاهها لمساعدتها. تتعايش اليوم مع هذه الطريقة وتتقبل بسهولة مساعدة هذه الصديقة، او تلك في الاستدلال على الطريق وتقوم هي بدورها بمساعدتهن في حل الواجبات والاسئلة.
تنهي عالية يومها الدراسي وهي سعيدة بحياتها التي تجدها في اروقة الكلية ومع زميلاتها اللاتي كونت معهن صداقات كأي بنت عادية تخرج الى السيارة ويشغل بالها مستقبلها الوظيفي بعد التخرج خصوصا، وانها كانت شاهدة على توظيف زملائها المعاقين في وظائف مختلفة عن تخصصاتهم كليا.