مقهى يونس في بيروت يطلق قوائم طعام «برايل» للمكفوفين
بثقة وارتياح كبيرين، بات مهند وأصدقاؤه المكفوفون يدخلون المطعم، ويختارون أصناف الطعام والشراب المفضلة، بواسطة قوائم طعام «برايل» المخصصة للمكفوفين. قوائم بدأت تأخذ مكانها في مقاهي ومطاعم العاصمة بيروت، بعد حوالي 6 أشهر على انطلاقها في مقهى يونس في محلة الحمرا.
مشروع قوائم برايل لم يكن مجرد قوائم طعام بأحرف نافرة، بل رافقه إعداد جهاز بشري متخصص في طريقة التعامل مع المكفوفين، بشكل يكسر من أمامهم الحواجز، ويشعرهم بحرية أكبر في التصرف.
«المكفوف ليس بإمكانه أن يرصد إيماءات النادل الجسدية حين يدخل المقهى، بل على الأخير إلقاء التحية بالصوت وليس بإيماءة من الجسد، لأن الصمت يلغي التواصل معه، فيما الصوت يعيده، خاصة أن المكفوف يتمتع بذاكرة قوية وبسمع حاد، لكنه غالبا ما كنا نراه خجولا».. توضح تالا فزع المشرفة على المقهى، مقدمة بعض أصول المعاملة مع المكفوف، ومنها إعلامه بوجود الوجبة على الشمال أو على اليمين، كذلك بالنسبة للمشروب البارد أو الساخن».
فمثلا نقول له «الكوب والسكر على اليمين، الملعقة وقنينة الماء على اليسار»، وإذا قام النادل بأي تعديل، فعليه أن يعلم المكفوف به.
وترى فزع أن هذه المبادرة فرصة لهم كي يشعروا بأنهم قادرون على المجيء لوحدهم كأي زبون آخر، هدفنا إزالة التمييز بين المكفوف وبقية الناس، الفكرة ترجمت عندنا لأول مرة، لكننا لا نريد أن نكون آخر مقهى يعتمدها. وتضيف أنه ومنذ لحظة وصول المكفوف وحتى مغادرته المقهى، يشعر بالاعتماد على الذات، ونحن نعامله كأي زبون آخر، فهو من يختار أصناف الطعام والشراب، ويتعرف أيضا على مكونات الطعام والأسعار، عن طريق القراءة باللمس.
«الفكرة ولدت بالتنسيق المشترك بين جمعية الشبيبة للمكفوفين ومركز الخدمة المجتمعية في الجامعة الأميركية، كخطوة لجعل مجتمعنا دامجا على كافة المستويات، ولتأمين حقوق المعوقين بصريا ليتسنى لهم المشاركة في الحياة كبقية الناس».. يقول مدير الجمعية عامر مكارم، كاشفا أنه وبعد دراسة معمقة مع صاحب المقهى أمين يونس، كان الترحيب والإعجاب بالفكرة والمباشرة الفورية بها.
ويتابع مكارم «بات المكفوف يشعر بالارتياح النفسي والسعادة، لا سيما أننا اخترنا التصميم الأنسب للبرايل، وهو يسهل عليه كثيرا عملية القراءة بأصابعه، مبادرتنا حققت الدمج المنشود في المطاعم والمقاهي، بانتظار تحقيقه في كل جوانب المجتمع».
وعن رأي المكفوفين أنفسهم
من جانبه يصف مهند بركات (طالب جامعي) الفكرة بالحلوة والممتازة، وتنقذه من عدة مواقف محرجة «داخل المطعم لا أحد يستغرب من أنت أو ماذا أنت، اعتدت ارتياد هذا المقهى وأصبحت وجها مألوفا لدى العاملين فيه»، مؤكدا أنه صار يقصده خاليا من الهموم، التي طالما كانت ترافقه سابقا، خلال فترة وجوده فيه.
مهند يعتبر الزبون الدائم للمقهى، وهو يرتاده برفقة صديقته، أو مجموعة من أصدقائه.
وردا على سؤال يجيب بركات «ما أقصده هو قلة الحرية، التي كنا نعاني منها في مسألة التعاطي مع قوائم الطعام، واليوم أصبحنا نتمتع بالحرية الكاملة، حالنا حال بقية الزبائن داخل المقهى».
ويتابع : «أما الاستقلالية فلها طعم آخر لطالما افتقدناه قبل هذه الخطوة، إذ لم يعد أحد ملزما بالوقوف أو البقاء إلى جانبي».
«الفكرة لم تقدم أو تؤخر بالنسبة لي، هي ليست عملية، قصدت المقهى مرتين ولم أجدها شيئا مميزا، لغتي فرنسية فيما القوائم صممت بالإنجليزية، وتحتاج إلى وقت لقراءتها».. تبدي رواد الأمين (طالبة جامعية) تحفظها حيال الفكرة، مقترحة التركيز على تكاليف النقل، الملقاة على عاتق الطالب المكفوف، مقدمة حالها كمثال «أدفع 20000 ليرة ذهابا وإيابا إلى جامعتي يوميا أوليست بمسألة تستحق الاهتمام والمعالجة ؟».
طريقة علمية حديثة وبسيطة، تؤشر إلى تنامي اهتمام المجتمع اللبناني بذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما المعاقين بصريا، بهدف تحقيق الدمج الكامل للمكفوف داخل مجتمعه.
وفي الختام تؤكد فزع السعي لافتتاح فروع جديدة لمقهى يونس في المستقبل القريب، لتعم الظاهرة كل لبنان، وربما خارجه، طارحة التعاون والتنسيق مع المطاعم المهتمة باعتماد هذه القوائم، مشددة على أن المكفوف يستحق أكثر من هذه الخطوة بكثير.
وتوضح أن الغاية المثلى اليوم وغدا من الفكرة، هي المساهمة مع مجتمع المكفوفين ومساعدتهم قدر الإمكان، عبر الاعتماد على ذاتهم في تدبير أوضاعهم، بأدنى قدر من الجهد، معتبرة أن هذا المقهى هو الأول لناحية العلاقة مع المكفوفين.
وعن دوام العمل والخدمة، تشير فزع إلى أن العمل يبدأ في الثامنة صباحا وحتى منتصف الليل، أما عدد العاملين في الخدمة فهو 14 موظفا يؤمنون كافة التسهيلات المطلوبة.
تجدر الإشارة إلى أن المجتمع اللبناني، لا يزال مقصرا في منح المكفوفين معظم الحقوق، التي يحتاجون إليها كي ينعموا بنطاق أوسع من الحرية والتصرف، وذلك بالرغم من إطلاق صحيفة لبنانية بارزة، ملحقا اسبوعيا، مطبوعا بلغة البرايل، الهدف منه إيصال الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية إلى المكفوفين «المحرومين من هذا الحق».
وتعتبر المرة الأولى التي تقرر فيها صحيفة رائدة تبني مشروع «يشجع المكفوفين الذين لا يملكون وسائل الاطلاع على الأخبار اليومية، إمكانية مواكبة هذه الأخبار عبر مجلة خاصة بهم»، علما بأن المطبوعات بالبرايل متوافرة في لبنان في مجالات عدة.