عندما كتب "رودجرز" و " هامرشتاين " أغنية "لا أستطيع قول لا" لمسرحية "أوكلاهوما" التي عرضت على مسارح "برودواي"، كانا يعنيان شيئاً ذا مغزى.
"نعم"، "بالتأكيد"، "ليست مشكلة ". تخرج تلك الكلمات من فمك قبل أن تتبين حقيقة أو خطورة الوعد الذي قطعته على نفسك؛ حيث تدرك بعد فوات الأوان أنك لا تريد، أو ليس لديك الوقت الكافي لتنفيذ ما وعدت بتنفيذه. فلا أنتِ تريدين مجالسة أطفال صديقتك أو أطفال شقيقتك صعبي المراس أو المدللين، وليس لديك وقت لرعاية كلب جارتك المشاكس. وقد تتعجب كيف تورطت وتحملت مسئولية إنجاز واجبات إضافية في عملك أو ترتيبات إقامة حفل الوداع لأحد زملاء العمل. وتتساءل "كيف حدث ذلك معي مراراً وتكراراً؟" إذا كنت تتعجب؛ فإن الأمر يستحق التعجب فعلاً.
عندما كنت تبلغ عامين من العمر، لم تكن تجد صعوبة في الصراخ قائلاً: "لا !"، ولكن تم تدريبك على نسيان تلك الكلمة شيئاً فشيئاً: فكلما أكثرت من كلمة "لا" ازداد غضب والديك، كما قال لك مدرسك أن كلمة "لا" غير مقبولة. وإذا قلت "لا" عندما صرت أكبر سناً، كنت تخشى أن تفقد حب أحد والديك أو أصدقائك. ولا شك أن بعض تلك المخاوف قد صاحبتك باقي حياتك.
إذ أن الكلمة التي كنت ترددها دون أدنى تردد عندما كنت تناهز العامين أصبح التلفظ بها الآن في عديد من المواقف اليومية صعباً، إن لم يكن مستحيلاً؛ فقد تم برمجة معظم الناس على الاعتقاد بأن كلمة "لا" تمثل رد فعلٍ عنيفاً، ولكن سوف ترى أن مخاطر الرفض ليست مخيفة أو مضرة بقدر ما تتصور. وفي الحقيقة، ستجد أن الضرر الذي يترتب على قولك "نعم" دون تروٍ يؤثر عليك بدرجة أكبر بكثير من تأثير رفضك على هؤلاء الذين تقول لهم "لا ".
"إن الإنسان الموافق دائماً يصبح غير ذي قيمة، ويشعر بالمهانة، ويتورط في المشاكل بسهولة، ويستغله الآخرون، ونتيجة لذلك لا تجده سعيداً، أو تجده ناقماً على نفسه لأنه أصبح أنساناً طيعاً."
يصف الكثيرون تلك الأوقات التي وافقوا فيها على فعل شئ ما بأنها لحظات ضعف: لقد كنت أمرُ بيوم سيئ، لم تكن حالتي المزاجية معتدلة، كنت أشعر بالضيق، لم أكن في يوم حظي، والى آخر تلك القائمة الطويلة من الأعذار الأخرى. كيف يحدث ذلك؟ ربما تكون "معطاء بالفطرة" . فأنت تمد يد العون للآخرين طوال حياتك؛ حيث تساعد "الأخاذين" الذين يجدون متعتهم في كونهم الطرف الذي يأخذ دائماً ولا يعطى شيئاً. لقد اعتاد الأخاذون على أن يتوقعوا منك العناية بأمرهم دوماً.
ثمة سبب آخر للإسراف في قول "نعم" يتمثل في عدم القدرة على التفكير بوضوح فيما يُطلب منك. إن ما يمنعك من قول "لا" يكمن عادة تحت سطح الطلب الموجه لك صراحة، مثل شعورك بوجود تحدٍ ضمني، أو كلمة تجعلك تشعر بالذنب إذا رفضت، أو خوفك من إيذاء أو إحباط السائل، أو خوفك من نفوذه أو سلطاته عليك. هناك أيضاً المنطقة الرمادية المليئة بتلك الأشياء التي ليس لديك رأى قاطع بشأنها، وفي تلك المنطقة الرمادية تكون مذبذباً وغير حاسم. إن الطلبات غير المتوقعة تجعلك غارقاً في المنطقة الرمادية. وإذا لم تتوقف لفترة كافية لتحليل كل موقف، فسوف تكون إمعة على الدوام، وتنقم على نفسك طيلة الوقت، كما تجد نفسك ناقما على الشخص الذي لا تستطيع قول "لا" له.
ربما تكون أنت نفسك من نوعية الأشخاص الذين يستجيبون للضغط والابتزاز العاطفي قبل أن تفكر في قول "لا"، وتظل توافق الآخرين مراراً وتكراراً حتى يفيض بك الكيل، عندئذ تخرج كلمة "لا" بشكل غير لطيف وتفسد علاقتك بهم، وحتى إذا لم تفسد العلاقة، فإن نطقك بهذه الكلمة على هذا النحو قد يجعلك تشعر بالضيق من نفسك؛ لأنك كنت غير مهذب، أو لأنك كنت تبدو وكأنك لا تبالي بشعور الآخرين. وعندما تقطع على نفسك الوعود، تنتابك الشكوك: متى أجد الوقت لتنظيم حملة التبرعات هذه؟ أو لمساعدة صديقي على الانتقال من منزله؟ بل قد تشعر بعدم الأمان إذا وافقت على شئ يفوق قدراتك وإمكاناتك. وعندئذ تلح عليك أسئلة، مثل: كيف ستتنصل مما وعدت به؟ ما الأعذار الحقيقية التي في جعبتك؟ هل ستراوغ أم ستكذب كذباً صارخاً؟ إن الخروج مما ورطت نفسك فيه عملية في غاية التعقيد. فكر فيما سببته لنفسك: ألم نفسي مبرح، وربما خداع الآخرين، وما إلى ذلك من المشاعر السلبية التي كان من الممكن تجنبها بقول "لا" صراحة !
ربما تكون قد اعتدت على قول "نعم" دون أن تفتح فمك؛ حيث تجد أنك استجبت لرغبات أحدهم؛ لأنك لم تستطع التركيز أو تحديد ما أردته أنت صراحة – ما أردته في الإفطار، أو المكان الذي أردت أن تقضي فيه الإجازة، الموعد الذي أردت التقابل فيه، الفيلم الذي أردت مشاهدته. إن عدم التصريح برأيك وعدم إعلان رغباتك يقوم مقام قولك "نعم".
إن التطوع وبذل الوعود يقع تحت فئة قول نعم أيضاً، فربما لا تقول كلمة "نعم" كثيراً، ولكنك تورط نفسك في التزامات بنفس القدر. إذا وجدت الطرف الآخر الذي أسديت له المعروف مندهشاً أو يغدق عليك عدداً مهولاً من عبارات الشكر، فأعلم حينئذ أنك قد ألزمت نفسك بشيء لم تكن تريده.
بالنسبة لكثير من الناس، فإن قول "نعم" قد يكون مجرد عادة يودون – بل ويستطيعون - التخلص منها. إذا بدأت مراقبة الأوقات التي توافق فيها على ما يطلبه الآخرون منك وذلك خلال أسبوع، فسوف تبدأ في إدراك أنك بحاجة إلى قول كلمة "لا" بصورة أكثر. كم مرة تمنيت لو أنك استطعت قول "لا" لشخص يطلب وقتك أو موهبتك أو جهدك أو عضلاتك أو أموالك أو أفكارك أو تأييدك أو مجرد وجودك؟ إن العقل والجسم يستطيعان تحمل قدر معين من الضغوط، والعمل لصالح الآخرين دون توقف يؤثر بالسلب على صحتك.
إذا وجدت نفسك في مواقف تقوم فيها بعمل أشياء لا تريد فعلها؛ فقد حان الوقت لإيجاد طريقة تجعل حياتك أكثر سهولة وإمتاعاً. وربما تكون لمسة بسيطة من العدوانية هي الأداة الوحيدة التي تحتاج إليها، ولكنك لن تستطيع تأكيد ذاتك أو التعبير عن رغباتك إذا لم تكن تعرفها أصلاً.
فكر جديد
إن تعلم قول "لا " هو اللقاح المضاد لداء قول "نعم" بكل أشكاله، لقد اكتسبت مناعة شبيهة بالمناعة التي تكتسبها بعد الإصابة بالأنفلونزا، ولقاح الأنفلونزا لا يحميك من كل أنواع الفيروس، وكذلك هذا الكتاب لن يقدم لك الحماية الدائمة؛ لذا سوف تحتاج إلى تنبيه نفسك بشكل دائم ..
وإليك الدروس والأفكار الرئيسية في شكل مختصر، لتساعدك على قول "لا"، وبحيث تعني ما تقول. عندما تضعف مقاومتك أو تشعر بثقل العبء الواقع عليك، فإن هذه الأفكار والنصائح سوف تسعفك وتجعلك تقول "لا" بنجاح. فهي دعامات مهمة تجعلك مركزاً على أهدافك وأولوياتك؛ بحيث تستطيع إنجاز الكثير مما تريد والقليل مما يريد الآخرون. قم بقراءة وترديد هذه العبارات كلما دعت الحاجة.
· أول كلمة "لا" تقولها لأحدهم تجعل عمليات الرفض التالية أكثر سهولة.
· كلمة "لا" وحدها كافية، أما التفسيرات المطولة فإنها تفتح المجال واسعاً أمام الجدال، وسوء الفهم، أو تأذن بتكرار الطلب مرة أخرى.
· القليل أفضل، فكلما قلت الأعذار التي تبديها، زادت قوة الرسالة، بعبارة أخرى، أغلق فمك.
· لا تعتذر عن عدم تلبية رغبات الآخرين.
· احذر العبارات والأشخاص الذين يفترضون خضوعك لهم.
· تأكد من أن الشخص الذي يطلب منك شيئاً ما يقع في دائرة أصدقائك أو أقاربك أو زملائك المقربين وذلك قبل أن تفكر فيما إذا كنت ستوافق أم لا وشكل هذه الموافقة.
· اكتسابك سمعة بأنك شخص يمكن للجميع الاعتماد عليه، ليس من الإطراء في شيء بل يجعلك هدفاً لهؤلاء الذين يريدون إخضاع الآخرين لرغباتهم.
· إذا كنت معروفا بالقدرة على أداء العديد من المهام في وقت واحد أو فعل كل شيء على أحسن وجه، فدمر هذه الأسطورة، فعندما يبرز نجمك كشخص ناجح في أداء الأشياء، سوف تكثر طلبات الآخرين منك.
· توقع ما سوف يطلب منك قدر ما استطعت؛ فالتفكير في المواقف المحتلمة قبل وقوعها يمكنك من اتخاذ القرار بشأن ما ترغب في فعله وما قد تفوض أمره إلى شخص آخر.
· الموافقة على ما يطلبه الآخرون لن يجعلك أكثر ظرفاً.
· الحماس والرغبة في تقديم يد العون أمر عظيم إذا لم يتجاوز الحدود، ولكن لا تبالغ.
· لن تستطيع إشباع كل حاجات الآخرين، فلا تحاول.
· لست مسئولاً عن المشاكل التي يخلقها الآخرون لأنفسهم ولا يمكنك أن تجعلهم سعداء وحدك.
· عند سماعك لطلب ما، فأجعل "لا" أول كلمة تطرأ على ذهنك، ثم فكر في الخيارات الأخرى بعد ذلك.
· حلل كل طلب بحرص لتتأكد من انه لا ينطوي على رشوة أو تملق أو استفزاز أو تهديد.
· قبل الموافقة على أي شيء، أسأل نفسك هل لديك وقت أم لا.
· اعرف حدودك؛ إعادة النظر في ترسيم حدودك سيساعد على الهروب.
· اعلم انك تستطيع قول "لا" وتظل إنساناً محبوباً ومؤدياً لواجباته والتزاماته.
· قل "لا" بقناعة. انظر إلى الطرف الآخر في عينيه لكي يعرف أنك تعني ما تقول، ولكي يوقن أن توسلاته وضغوطه لن تجدي نفعاً.
· لا تخش عواقب الرفض، فإذا أحسنت التعامل مع الموقف، لن تكون هناك عواقب سيئة أو ستكون غير ذات أهمية.
· معظم الناس سيتفهمون ظروفك ويسامحونك، أما غير المتسامحين فأنت لا تريدهم في حياتك أصلاً.
· ذكر نفسك يومياً بأن من حقك قول "لا" وإنها تحررك.
المصدر: من كتاب "كيف تقول لا .. ؟"
نشرت فى 25 مايو 2011
بواسطة Daesn
عالم الكفيف
رؤية المؤسسة تفعيلا للقرارات الرشيدة من قبل الحكومة المصرية مثل قرار الدمج والتصديق على اتفاقية حقوق المعاقين، رأت المؤسسة التنموية لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة أن تقوم بدور فاعل في مجال التنمية المجتمعية وذلك بدعم وتمكين ورعاية المعاقين بصريا في شتى مناحي الحياة منذ نعومة الأظفار وحتى الدخول في مجالات العمل »
ابحث
تسجيل الدخول
DAESN
من نحن :
المؤسسة التنموية لتمكين ذوي لاحتياجات الخاصة مؤسسة أهلية مشهرة برقم 1277 لسنة 2008.تهتم المؤسسة بتمكين المكفوفين و دمجهم في المجتمع بشكل فعال يرتكز العمل داخل المؤسسة علي مدربين وموظفين مكفوفين وتعد هذه من نقاط القوة الاساسية لمؤسستنا.
رسالتنا :
تعمل المؤسسة جاهدة لتمكين المكفوفين وتأهيلهم لسوق العمل المرتكز علي مفهوم الحقوق و الواجبات لتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة شرائح المجتمع.رؤيتنا :
تحقيق العدالة الاجتماعية المركزة علي مفهوم الحقوق و الواجبات لذوي الاحتياجات الخاصة لدمجهم مع كافة شرائح المجتمع.