موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته

تطور طريق الحج المصري وأهميته التاريخية
 أ. د. السيد محمد الدقن
     بدأ استخدام طريق الحج المصري بعد الفتح الإسلامي لمصر واعتناق غالبية سكانها الدين الإسلامي؛ حيث بدأ مسلمو مصر يتجهون إلى الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد مر طريق الحج المصري بأربع مراحل زمنية تغيرت خلالها مسالك هذا الطريق؛ إما لظروف أمنية، وإما لتقدم وسائل المواصلات واتجاه الحجاج إلى استخدام الوسائل الأيسر والأكثر أمانا والأقل نفقة وزمنا.
المرحلة الأولى
 تبدأ هذه المرحلة منذ اتجاه مسلمي مصر- بعد الفتح الإسلامي لها لأداء مناسك الحج وتنتهي بالغزو الصليبي لبلاد الشام وتعرض قافلة الحج المصري لقرصنة الصلبيين حول منتصف القرن الخامس الهجري؛ مما استوجب تغيير مسالك طريق الحج إلى اتجاه آخر أكثر أمانا.
    وكان طريق الحج المصري –خلال تلك المرحلة- يبدأ من الفسطاط عاصمة مصر ويعبر الصحراء الشرقية إلى جسر انقلزم(السويس)، ثم يعبر شبه جزيرة سيناء حتى يصل إلى أيلة على رأس خليج العقبة، ثم ينحني الطريق من الشمال إلى الجنوب عبر غربي شبه جزيرة العرب محاذيا لساحل البحر الأحمر حتى يصل إلى ينبع النخيل، وعندها يتفرع طريق فرعي يتجه صوب المدينة المنورة لمن أراد قصدها، بينما يمتد الطريق الرئيسي جنوبا إلى مكة المكرمة، وقد أطلق على هذا الطريق طريق العقبة "الساحل" أو الطريق البري.
     وقد استمرت مسيرة الحج المصري على هذا الطريق أكثر من أربعة قرون، وكانت رحلة الحج عبر هذا الطريق تستغرق  حوالي شهر تبدأ بعد العشرين من شوال وتنتهي بعد العشرين من ذي القعدة، ويقطع الحجاج خلال تلك مسافة تقدر بحوالي 1540 كم، وإذا عرفنا أن هذه المسيرة مقدرة بالساعات حوالي 325 ساعة، فيكون معدل سرعة المسيرة حوالي4,5 كم في الساعة.
    وكانت نخل (منطقة التيه) أهم محطة للحجاج عبر سيناء، وعندما يصل الطريق إلى ينبع، يوجد طريق فرعي صوب المدينة المنورة، بينما يستمر الطريق الرئيسي في مسيرته جنوبا من ينبع صوب مكة المكرمة؛ حيث يمر بالمحطات التالية: السقيفة-مستورة-رابغ-القضيمه عسفان-وادي فاطمة-مكة المكرمة.
المرحلة الثانية
    وتبدأ هذه المرحلة منذ منتصف القرن الخامس الهجري، وتستمر إلى ما يربو على منتصف القرن السابع الهجري بقليل، كما ذكر المقريزي؛ حيث كان حجاج مصر والمغرب يركبون النيل من ساحل مدينة الفسطاط إلى قوص، ثم يركبون الإبل من قوص ويعبرون هذه الصحراء إلى عيذاب، ثم يركبون البحر في الجلاب(المراكب) إلى جدة ساحل مكة، فلم تزل مسلكا للحجاج في ذهابهم وإيابهم زيادة على مائتي سنة، من أعوام بضع وخمسين وأربعمائة إلى بضع وستين وستمائة.
   أما عن المدة الزمنية التي تقطعها تلك الرحلة المباركة إلى الأراضي المقدسة عن طريق عيذاب فكانت حوالي 45 يوما من القاهرة إلى مكة المكرمة، وهي موزعة كما يلي: من القاهرة  إلى قوص عبر النيل 18 يوما، ومن قوص إلى عيذاب عبر الصحراء الشرقية 17 يوما، ومن عيذاب إلى جدة عبر البحر الأحمر 8 أيام، ومن جدة إلى مكة المكرمة يومان برا.
     ولقد ظلت تلك المرحلة بالنسبة لطريق الحج المصري ما يزيد على القرنين إلى أن انتهت الحروب الصليبية، وعندها بدأت المرحلة الثالثة؛ حيث عادت مسيرة الحج المصري إلى الطريق الأول (طريق سيناء).
     أما المرحلة الرابعة والأخيرة لطريق الحج المصري ، فقد ارتبط ظهورها بتطوير نظام المواصلات العالمي وظهور السكك الحديدية في عالم النقل، فقد كانت مصر في مقدمة الدول التي ظهرت في السكك الحديدية بعد إنجلترا صاحبة الاختراع. وبظهور الخط الحديدي من القاهرة إلى السويس، استخدمها حجاج مصر ومن انضم إليهم من حجاج افريقيا في الانتقال من القاهرة إلى ميناء السويس، ومنها يكملون تلك الرحلة على متن البواخر إلى ميناء جدة. وقد بقى هذا الطريق يستخدم في نقل بعض الحجاج إلى يومنا هذا، على الرغم من ظهور الطائرات التي يفضل استخدامها الكثير من الحجاج في تلك الرحلة المقدسة اقتصادا في الوقت وتجنبا للمشقة.
  وأخيرا، مما يجب التنويه به أن طريق الحج المصري لم يكن قاصرا على الحجاج المصريين على اختلاف مراحله، بل كان يسلكه حجاج غرب ووسط افريقيا، وكذلك حجاج الأندلس وحجاج السنغال والتكرور والسودان الغربي والشرقي وبعض جزر البحر المتوسط والبلقان؛ حيث يتجمع كل هؤلاء الحجاج في القاهرة قبل خروج ركب الحجاج المصري في العشر الأخيرة من شهر شوال كل عام، ثم يخرجون قاصدين الأراضي المقدسة قبل خروج الركب المصري أو بعده بقليل، وأحيانا كانوا يسيرون في صحبته.

المصدر: دكتور السيد محمد الدقن، سكة حديد الحجاز الحميدية، الطبعة الثانية، عام 2014 الصورة من موسوعة المملكة العربية السعودية، http://saudiency.net/Loader.aspx?pageid=151&CatID=2
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 778 مشاهدة
نشرت فى 23 فبراير 2017 بواسطة DRDEQENSAYED

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,561

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »