موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته

authentication required


 ملخص
             رسالة ماجستير في التاريخ الحديث                                                   

       بعنوان: "أكراد العراق إبان الحرب العالمية الأولى"                         

                 إعداد الباحث/ محمود زايد                                                                                                            
 إشراف: أد. السيد محمد الدقن  أد. السعيد رزق حجاج                    
قسم التاريخ والحضارة- كلية اللغة العربية بالقاهرة    جامعة الأزهر
عام 2009

 

  توصلت دراسة تلك المرحلة الفاصلة من تاريخ كردستان إبان الحرب العالمية الأولى إلى   عدة نتائج مهمة، منها:              

             
أولا: أثبتت الوقائع التاريخية والمصادر المؤرخة لها أن الشعب الكردي من الشعوب الأصيلة في منطقة الشرق الأوسط منذ فجر التاريخ، وأنه يتميز بهوية وذاتية خاصة به على وطنه كردستان بما فيها منطقة كركوك المتنازع عليها حالياً، وأن تلك الهوية والذاتية (القومية) الخاصة به تختلف كلية عما تتسم به جميع شعوب المنطقة المجاورة له. وقد استطاع هذا الشعب أن يحافظ على شخصيته وسماته ولغته على الرغم من المراحل التاريخية التي مر بها من قبل الإمبراطوريات والدول التي تعاقبت على حكم أرضه. وعلى الرغم من أن قادته في العصر الحديث ظلوا على نضال مستمر في سبيل الوحدة والحرية الكردية بعيداً عن السيطرتين العثمانية والإيرانية مع إيجاد البيئة الملائمة لذلك إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق مبتغاهم، ولم تظهر كردستان كوحدة سياسية مستقلة لأسباب داخلية وإقليمية ودولية حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، ولم تتعدَ نتائج مجهوداتهم سوى تأسيس بعض الإمارات الكردية المستقلة حتى قضت عليها نهائياً الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.                                                      

                     
ثانيا: في بدايات القرن العشرين وحتى اندلاع شرارة الحرب العالمية الأولى شهدت كردستان مرحلة صراع وتنافس استعماري متصاعد على المستويين السياسي والاقتصادي بما أنها جزء من ممتلكات الدولة العثمانية التي شارفت على الموت، فقد وضعتها الدول الغربية الاستعمارية الكبرى في بؤرة اهتمامها نظراً لما يتميز به الإقليم من عوامل استراتيجية وسياسية واقتصادية على رأسها النفط وطريق درة التاج البريطاني (الهند). ومما لا شك فيه أن هذا التنافس الاستعماري على كردستان أدى إلى تعقيد وعرقلة السير التقدمي للقضية الكردية الذي كان يتبناه القادة والزعماء الكرد على مختلف الأصعدة في كردستان.                                                  

                      
ثالثا: عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى وزُجَّت إليها الدولة العثمانية بقيادة الاتحاديين تسارعت أطراف الحرب - بما أن كردستان ميدان من ميادين الحرب - إلى كسب ود الشعب الكردي وجذبه إلى صفهم بالعزف على الأوتار الحساسة، مثل الدفاع عن الدين وتحقيق الطموحات القومية الكردية. ولكن معظم الشعب الكردي تجاوب مع دعوة الجهاد المقدس دفاعاً عن دينه وأوطانه، ولولا هذا الموقف الكردي لما أخذت العمليات العسكرية لكل من روسيا وبريطانيا تلك المساحة الواسعة في هزيمة القوات التركية جنوباً في بلاد ما بين النهرين وجنوب كردستان، وشمالاً على الحدود الشرقية لتركيا. ولكن عندما اكتشف القادة الكرد أن دعوة الجهاد تلك ما هي إلا ستار تختبئ وراءه الأهداف التركية الطورانية نفّضوا أيديهم من عمليات الحرب، حتى إن بعضهم هادن دول الحلفاء وساعدهم منخدعاً بما قطعه الحلفاء على أنفسهم من تحقيق وحدة واستقلال كردستان بعد طرد القوات التركية منها.                            

                       
رابعا: تأثرت القضية الكردية بالأحداث والمستجدات الدولية، فبعد الفراغ السياسي والميداني التي أحدثته الثورة البلشفية في جُل مساحة كردستان اعتقدت القيادة البريطانية أن أمن مصالحها الاستعمارية - ليس في كردستان وبلاد ما بين النهرين فحسب، وإنما في الشرقيين الأدنى والأوسط - يتطلب تغطية وملء هذا الفراغ. فمن هنا لم تعتد حكومة لندن بشروط هدنة مدروس وقامت بفرض سيطرتها الاحتلالية على كامل مناطق جنوب كردستان تقريباً على أساس أنها تعد بمثابة خط دفاع أمامي للمصالح البريطانية الاستعمارية في الشرق الأوسط.        

                  
خامسا: أوجدت القوات البريطانية والروسية من جانب، والقوات التركية في بعض الأحيان من جانب أخر في أثناء الحرب أبشع أنواع الدمار والخراب والانتهاكات اللإنسانية واللأخلاقية ضد المدنيين والأحرار الكرد بدون تفريق وضد ممتلكاتهم، وانخفض عدد السكان إلى ما يزيد على 75%، وهو ما حدا ببعض المختصين إلى المطالبة بجمع أرشيف للإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الكردي أثناء الحرب العالمية الأولى والمطالبة بمعاقبة الدول المتسببة وتقديم التعويضات.            

                       
سادسا: لم تكن كردستان ببعيدة عما يدور سرياً في الأروقة الدبلوماسية الغربية من عقد اتفاقات ووضع خطط بشأن تقسيم وتوزيع أسلاب الدولة العثمانية بدون الدخول في منازعات. فقد ابتليت كردستان بما ابتلي به العالم العربي إبّان الحرب العالمية الأولى وبعدها بمؤتمرات وصفت بأنها الأخطر في تاريخ الدبلوماسية الغربية ضد الشعوب العربية والإسلامية، حيث أصبحت بنودها قاعدة الاتفاقات أخرى تقاسمت بموجبها بريطانيا وفرنسا منطقة الشرق الأوسط بشكل لم يراع فيه سوى مصالحهم الاستعمارية ليتم بذلك التقسيم الثاني لكردستان بعد مرور أربعة قرون على عملية التقسيم الأول بين العثمانيين والصفويين، بيد أن التقسيم الأول كان ثنائياً، أما التقسيم الثاني فقد أصبح رباعياً (تركيا وإيران بصورة مباشرة، والعراق وسوريا بصورة غير مباشرة عن طريق بريطانيا وفرنسا).              

                            
سابعا: على الرغم من الدسائس والمؤامرات الغربية التي كانت تحاك ضد الشعب الكردي فإن سطوع الحركة الوطنية الكردية وبروزها على المستويين الثوري والسياسي من خلال الجمعيات والأحزاب والإصدارات قد أدى إلى إجراء مفاوضات كردية/بريطانية  أقرت الحكومة الكردية الذاتية في جنوب كردستان برئاسة الشيخ محمود الحفيد على أساس أنها نواة لما ينضم إليها من مناطق كردية كخطوة مرحلية في الطريق إلى البيت الكردي الكبير. ولما نكّل قادة الاحتلال بما اتفقوا عليه انتفض الشعب الكردي وقام بعدة ثورات تحريرية ذات صبغة قومية ودينية ضد المحتلين، ومع أنها باءت بالفشل الميداني لأسباب داخلية وخارجية إلا أنها حققت نجاحات كبيرة على مستويات متعددة، مثل كشف القناع عن وجه المحتل الجديد وسياسته الماكرة، وأوضحت أنه ليس بالقوة التي لا يمكن تحديها أو الوقوف بوجهها، كما اتخذت إيجابياتها ملهماً في النضالين السياسي والثوري للكرد في العقود التالية. وفي الوقت الذي نجحت فيه تلك الحركة الوطنية الكردية في جلب الأنظار إلى أهمية القضية الكردية على الصعيد السياسي والدولي وجعلها ركناً أساساً من أركان تعامل الدول الكبرى في المنطقة عموماً - كان لها دور أيضاً في تأجيج الشعور القومي لدى الشعب الكردي عموماً، حيث أوجدوا لها انعكاساً واضحاً في التطور الاجتماعي وفي الفكر النهضوي وفي الأدب الكردي. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الثورات الكردية قد نالت بشكل رئيس قصب السبق في إحباط المشاريع البريطانية لتوطين الآثوريين المسيحيين اللاجئين من منطقة حكارى في أراضي ومناطق الكرد المسلمين في جنوب كردستان.                                                    

             
ثامنا: مع أن الشعب الكردي قد نجح في عرض مطالبه على مؤتمر السلام الدولي عن طريق الوفد الذي مثلهم بقيادة شريف باشا فإن بريطانيا كعادتها وعلى عكس ما تعد وتتعهد غضت الطرف كلياً عن حقوق وطموحات الشعب الكردي في وطنه كردستان، وتعاملت معه بمعيار عنصري دنيء غير الذي تعاملت به مع الأرمن إخوانها في الدين، ومع ذلك فقد أقرت معاهدة سيفر حقوق الشعب الكردي وإن كانت ناقصة. ولاستوثاق بريطانيا من أنها لن تنفذ ما جاء في سيفر بخصوص الشعب الكردي كان مسؤولوها يقومون بمجهودات سياسية ضخمة من أجل إيجاد خطة محكمة للسيطرة على إقليم كردستان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للحفاظ على موقعها الجيوسياسي وبدون التورط في أعباء مالية وعسكرية جديدة. وقد أسفرت تلك المجهودات إلى ظهور العديد من المقترحات البريطانية التي بحثت مستقبل كردستان. وكانت بريطانيا تهدف أيضاً من وراء هذه السياسة التلاعب الاستعماري بالقضية الكردية واستخدامها كورقة ضغط في أكثر من اتجاه، إقليماً في الدول التي تشمل حدودها أراضي كردستان، ودولياً كفرنسا التي ترنو إلى بسط نفوذ لها في مناطق حيوية من كردستان.                  

                                       
تاسعا: إن حق الشعب الكردي في قيام دولته الكردية الموحدة والمستقلة في وطنه كردستان ليس وليدة الظروف الراهنة فقط، وإنما له جذوره التاريخية العميقة المستندة على الأدلة والبراهين فضلا عن المواثيق والشرعية الدولية منذ الربع الأول من القرن العشرين؛ ولذا فليس بغريب أن يحلم هذا الشعب بدولته تلك، وأن يعمل على تذليل صعاب وجودها، حتى وإن ضمت بين جناحيها بعضاً من الأقليات ذوي القوميات الأخرى مثل التركمان والعرب الذين يقبلون ذلك بمطلق إرادتهم وحريتهم. وعلى ذلك فإن تمتع كرد في العراق حاليا بالفدرالية يعد من أقل الحقوق، إذ أنه في مرتبة أقل من الحق الكلي. وعلى المستوى السياسي لن يشكل ذلك خطورة على العمق الإستراتيجي العربي والشرق أوسطي إذا ما أحسنت حكومات تلك المنطقة سياستها تجاه تلك القضية ذات الحقوق المشروعة.                      

                         
عاشرا: أثبتت الوقائع التاريخية والإحصاءات الديموجرافية والوثائق العربية والأجنبية أن منطقة كركوك المتنازع عليها حالياً هي أراضٍ كردستانية بحتة، حتى وإنْ كان يعيش عليها بعض من أبناء القوميات الأخرى؛ ولذلك فإن ما يقوم به البعض الآن من محاولات لإثبات خلاف ذلك غير قائم على أسس صحيحة ولا براهين مقنعة؛ ومن ثم فإنه من الواجب الأخلاقي على مثل هؤلاء أن يتخلوا عن ادعاءاتهم المغرضة ذات المنفعة الشخصية على حساب قاعدة عريضة من أصحاب الأرض أنفسهم لكي تسير المياه في مجاريها؛ لأن تاريخ النضال الكردي أثبت أن التنازل عن الحقوق ضرب من المستحيل حتى وإنْ عظمت التضحيات في الأرواح والأموال.                              

       
حادي عشر: بما أن الشعب الكردي من الشعوب الإسلامية العريقة والتليدة في منطقة الشرق الأوسط، فمن الواجب أولاً على الأوساط العلمية في المجتمع العربي أن تثبر غور هذا الشعب من خلال القنوات الشرعية والمنصفة وذلك بالوسائل التالية:
1.    <!--[endif]-->العمل على التبادل العلمي والثقافي بين الجامعات المصرية والعربية وبين الجامعات الكردية، سواء أكان على مستوى أعضاء هيئة التدريس أم على مستوى الباحثين والطلاب، مع تشجيع الباحثين لإعداد دراسات وأبحاث مستفيضة عن القضية الكردية لمعرفة قيمة ومكانة هذا الشعب، وإيجاد حلول سياسية عادلة لقضية تضمن أمن واستقرار المنطقة بحيث لا تتخذ ذريعة للتدخلات الخارجية.
2.    <!--[endif]-->تبادل الأبحاث والرسائل والدوريات العلمية بين الجامعات الكردية وبين الجامعات المصرية والعربية، سيما التي تلقي الضوء على تاريخ الأمة الكردية وحضارتها.
3.    <!--[endif]-->عقد العديد من المؤتمرات والندوات الموسعة لتوضيح أبعاد القضية الكردية أمام المجتمع العربي على مستوى المختصين وغيرهم بحيث تغطى إعلامياً بطريقة مناسبة.
4.    <!--[endif]-->العمل على توطيد العلاقات السياسية بين المسؤولين الكرد وبين القادة العرب من خلال المحاور الشرعية، فبذلك تتمازج وجهات النظر وتتقارب بحيث يسير المستقبل في طريق واضح، ويسعى بتقدم بنّاء.
5.    <!--[endif]-->العمل على فتح معهد أو مركز أو قسم في كليات اللغات والألسن في الجامعات المصرية والعربية لتعلم اللغة الكردية وآدابها، مع تشجيع الراغبين في ذلك حتى يتم فتح قنوات تعارفية من صميم اللغة الكردية نفسها، فلهذه اللغة تراث عريق، وأدب وثقافة واسعة، وتذخر بكم كبير من المصادر والمراجع في التخصصات العلمية المختلفة وبخاصة ما يفيد تراثنا وثقافتنا الإسلامية.

 

المصدر: رسالة ماجستير بعنوان: "أكراد العراق إبان الحرب العالمية الأولى" إعداد الباحث محمود زايد - إشراف أد. السيد محمد الدقن – أد. السعيد رزق حجاج، قسم التاريخ والحضارة - كلية اللغة العربية بالقاهرة- جامعة الأزهر، عام 2009
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 1063 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,498

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »