نشأة التيار الفكري الليبرالي في مصر
أ.د. السيد محمد الدقن
   

   كان يدعو هذا التيار إلى الأخذ بمفاهيم العصر واقتباس أسباب التفوق الأوربي، وتزعم هذا التيار نخبة من الشبان الذين تعلموا في أوربا، وكان على رأسهم مصطفى كامل و أحمد لطفي السيد.
                                                                                                                                                                                     

    والواقع أن التيار الفكري الليبرالي بدأ في مصر على استحياء منذ مطلع القرن التاسع عشر، إلا أنه قد اتسع طاقه خلال النصف الثاني من هذا القرن، ثم بدأ يتأصل في ظل الاحتلال البريطاني، نتيجة عدة عوامل:

أولها- أنه مع ضعف الثقافة التركية في البلاد فقد وجهت الطبقة المثقفة الجديدة إلى الثقافة الأوروبية كبديل، ولم تتجه إلى الثقافة العربية.

ثانيها- أنه مع فلة عدد المبعوثين الحكوميين إلى أوربا في تلك الفترة، فقد استمر تدفق الطلاب المصريين إلى الجامعات والمعاهد الأوروبية نتيجة قيام القادرين بإرسال أبنائهم للتعليم في أوروبا وقيام جمعيات وشخصيات طائفية بإرسال بعض أبناء طوائفهم إلى أوروبا لاستكما تعليمهم، وكان معظم الطلاب المرسلين في عهد الاحتلال البريطاني إلى أوروبا في بعثات للدراسات الإنسانية؛ مما قد يفسر السر في اهتمام هؤلاء الثقفين بالشئون السياسية بعد عودتهم إلى وطنهم.

ثالثها- أن وسائل اتصال بأوروبا وبفكرها السياسي لم يقتصر على طبقة المثقفين بل امتد ليشمل الأعيان الذين كان يقضي عدد كبير منهم الصيف في أوروبا، وهم الطبقة الأخرى مع المثقفين الذين كان لهم دور أساسي في الحياة السياسية في مصر.

رابعها- أن هذه الفترة شهدت صدور عدد من المجلات والجرائد التي اهتمت كثيرا بنشر الفكر الأوروبي، ويكفي أن نعلم أنه في عام 1898 كانت تصدر في مصر 169 جريدة ومجلة، صحيح أن الدوريات المنتشرة منها والمنتظمة في الصدور- مثل المؤيد و الوطن و الأهرام و المقطم و الجريدة و اللواء- كانت محدودة وكانت تعبر أساسا عن وجهات نظر سياسية، إلا أنها تضمنت الكثير من الأعمال الفكرية ذات القيمة الكبيرة، وقد صاحب صدور هذه المجلات والجرائد قيام حركة ترجمة لأمهات الكتب والمؤلفات الأوروبية على نطاق واسع، وقد قامت هذه الحركة على أكتاف رجال مشهورين من المهاجرين السوريين الذين أسهموا بنصيب وافر في إدخال الفكر الأوروبي إلى مصر، مثل جورجي زيدان الذي أصدر الهلال التي نشرت أيضا عددا كبيرا من المقالات عن تاريخ العرب وتطور العلم، و يعقوب صروف الذي أصدر المقتطف التي عملت على تبسيط الأفكار العلمية الجديدة خاصة ما تعلق منها بنظرية النشوء والارتفاء لداروين وسبنسر، وشيلي شميل الذي اتخذ من جريدة الأخبار ميدانا لنشر أفكاره، وغيرهم مثل أديب اسحاق و عثمان جلال و أحمد فارس الشدياق الذين ترجموا العديد من أعمال موليير وروسو وهيجو.