يجيد ٧ لغات أجنبية، ويعتبره البعض من أمهر المترجمين الفوريين في مصر، النيابة العامة تستعين به في القضايا المتهم فيها أجانب، آخرها القضية المتهم فيها إيطاليان، جلبا كوكايين لمصر، وحاولا ترويجه داخل البلاد.. ستندهش عندما تعلم أنه يدرس اللغة العربية للأجانب داخل بعض المراكز الخاصة، ولكنك ستكون أكثر اندهاشا عندما تعلم أنه «كفيف».
فقد أحمد محمد طه «٣٢ سنة» مدرس مساعد في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة حلوان بصره بعد ولادته بثلاثة أشهر، ولكنه لم يفقد عزيمته.. كان ترتيبه الثالث علي الجمهورية في المرحلة الابتدائية والإعدادية، والأول علي دفعته في كلية الآداب جامعة عين شمس.
سافر مع والده «رجل أعمال» في سن الرابعة إلي العديد من الدول الأجنبية للعلاج.. وهناك بدأ يلتقط بعض الكلمات الأجنبية من الأطباء المعالجين، الذين أكدوا أن علاجه «مستحيل»، لإصابته بضمور في العصب البصري، وانفصال شبكي في العين، نتيجة لحمي شوكية أصيب بها في الشهور الأولي بعد ولادته، وأنه مرض غير وراثي..
ولم يجد والده أمامه سوي رعايته بشكل جيد، والاهتمام به حتي وصل إلي مركز مرموق ومعقول، وبدأ في شراء الآلات الموسيقية له، وأرسله إلي بعض الشيوخ ليحفظ القرآن الكريم، حتي دخل مدرسة النور الابتدائية بمنطقة حمامات القبة، وهي مدرسة خاصة بالمكفوفين، والفصل بها يحتوي علي ٨ طلاب فقط، الأمر الذي يفرض علي المدرسين الاهتمام بالتلاميذ ورعايتهم..
رعاية كبيرة من أب محب، يصفها احمد برعاية غير عادية من أب غير عادي، لدرجة أنه اهتم بتنمية هواياته منذ الصغر، من سباحة، ومتابعة مباريات كرة القدم، كان يصف له المباريات، ويقرأ له الصحف، ويعمل علي تثقيفه في كل مجالات العلم المختلفة.
وفي المرحلة الإعدادية بدأ في دراسة اللغة الانجليزية، ثم المرحلة الثانوية، ودراسة اللغة الفرنسية، وحصل علي ميداليات في الموسيقي وفي حفظ القرآن الكريم، وكرمته السيدة سوزان مبارك في الإعدادية،
والتحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية.. شعرت وقتها أنني في حاجة إلي لغات أخري ـ كما يقول طه ـ فتقدمت إلي معهد «جوته» الألماني، وتعلمت فيه اللغة الألمانية، وحصلت علي «كورسات» في الأدب والمحادثة والترجمة الفورية منه، وعملت كمترجم أثناء الدراسة، والتحقت بالسفارة اليابانية،
وتعلمت اللغة اليابانية حتي عملت مدرسا بها، وتخرجت في الكلية عام ١٩٩٦ بتقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف، وكان ترتيبي الأول علي دفعتي، ولكن لم يتم تعييني بالكلية، لأنهم اختاروا المعيدين من الدفعة التي كانت بعدي لوجود أبناء بعض المسؤولين الكبار بها، وجدت نفسي في الشارع بلا عمل، ولم أجد فرصة سوي العمل مترجما ومدرسا للغة اليابانية..
وفي عام ١٩٩٧ تقدمت للتعيين في جامعة حلوان، وكانت هذه المرة الأولي التي أشعر فيها بالاضطهاد، رفضت الجامعة التعيين، لأنني كفيف، تقدمت بالشكاوي للعميد، ثم وزير التعليم العالي وقتها، ولم يستجب أحد، حتي نشر مقال في جريدة قومية ذكرت فيه مشكلتي، في ذكري وفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وتم قبول تعييني بالجامعة كمعيد، وفي عام ١٩٩٩ سجلت رسالة الماجستير، وحصلت عليها عام ٢٠٠٦، وهي فترة زمنية طويلة جدا، ولا تليق بحجم اللغات التي أتقنها،
ولكن المسألة كانت تتطلب كثيرا من الجهد، وتأجير أشخاص يساعدونني ويقرءون لي، وضعف مستواهم كان يجبرني علي تغييرهم، الأمر الذي كلفني مبالغ باهظة.. وحصلت علي دبلومة الترجمة الفورية والقانونية من الجامعة الأمريكية عام «٢٠٠٧».
ساحة النقاش