التحول من القروض الى المشاركة
تناولنا فى المقالات السابقة الجذور الفكرية التى شكلت منهج النجار، ومعايشته للتجربة الإنمائية الالمانية ورغبته فى تطبيق التجربة الانمائية الالمانية فى مدينة ميت غمر بمصر، ووقفنا على التحديات التى واجهته فى اهمية الاتفاق مع أهل المدينة على صياغة رؤية تلقى اجماع اهل المدينة، وتثير حماسهم، وتلقى اجماعا منهم، ووقفنا على محاولاته لتنمية الوعى الادخارى، وبناء مشروعات داخل نفس المدينة والقرى المحيطة بها.
ورأينا انه مع انتشار الوعي الإسلامي، تسائل بعض الفقهاء والاقتصاديون والممارسين، هل أعمال البنوك بوضعها الحالي وآلياتها حلال أم حرام؟ وقد تصدى للإجابة على هذا السؤال مجمع البحوث الإسلامية الذي عقد بالقاهرة عام 1385هـ / 1965 م والذي حضره 85 عالما وفقيها ممثلين لعدد 35 دولة إسلامية في ذلك الوقت ، وبعد دراسة مستفيضة استمرت ثلاث سنوات, حيث قرر المجمع الآتي:
(الفائدة المصرفية على أنواع القروض كلها ربا , لا فرق في ذلك بين ما يسمي بالقروض الاستهلاكية أو ما يسمى بالقروض الإنتاجية , لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين , وأن كثير الربا وقليله حرام , وأن الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضــــرورة ). وايد هذه الفتوى العديد من المجامع الفقهية فيما بعد.
وقد تداعت هنا لدى "النجار" ما نقله اليه الدكتور "محمد عبد الله العربى" من ان المنهج الاسلامى منهج تنموى بطبيعته، ورسالة الانسان هو اعمار الارض ، وهذا هو مفهوم العبودية "وماخلقت الجن والانس الاليعبدون..." اية 56 الذاريات. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا قامت الساعة وفى يد احدكم فسيلة فان استطاع ان يغرسها فليغرسها"، وهنا كان التحول الكبير فى فكر الدكتور النجار كيف يوقف الدكتور النجار الية سعر الفائدة؟، ويتحول الى صيغة اسلامية تحقق مقصود الشارع. ويبدأ اجتماعاته مع فريق من علماء الازهر ، والمصرفيين، والاقتصاديين، وبعض علماء الاجتماع ، ليتفقا على كيفية احداث التغيير ومن ثم التطبيق.
و تحددت العلاقة بين المودعين والبنك على اساس عقد المضاربة الشرعية ، وتم اختيار صيغة المشاركة المنتهية بالتمليك مع المستثمرين. وهنا كان المطلوب احداث تغييرات جوهرية لدى فكر المودعين ولدى المستثمرين، وكانت الثقة التى تولدت بين النجار وبين اهل المدينة كبير الاثر فى قبول هذا التحول من القروض الى المشاركة .
وتولدت تحديات من نوع اخر كيف ستتم المعالجة المحاسبية للودائع؟، وكيف ستتم المعالجة المحاسبية مع المستثمرين؟ وكيف سيتم اقتسام الارباح بين البنك واصحاب المشروعات؟ وماهى السجلات التى سوف تفتح لدى اصحاب المشروعات؟ ومن سيقوم بامساك السجلات المحاسبية؟ وكيفية الرقابة عليها؟
وأدرك الدكتور النجار أن عدد من اصحاب المشروعات من الأميين لايقرأون ولايكتبون، وعلاجا لهذه المشكة أسندت عملية التسجيل الى محاسبين تم تدريبهم تحت اشراف البنك، وبدأ فى تدريب أصحاب المشروعات المتناهية الصغر على فنون الادارة. وتنوعت المشروعات المتناهية الصغر فى المجالات الزراعية وفى المجالات العقارية، وفى الثروة الحيوانية ...الخ. وتنوعت وتعددت الفروع فى المدينة والقرى المحيطة بها.
وأضحت الاجتماعات الدورية التى يعقدها الدكتور النجار مع العاملين واصحاب المشروعات وعلماء الدين ، وأإمة المساجد ، والحرفيين فى المدينة والقرى المحيطة بها ، ومنهج وطريقة الحوار ، تمثل الوقود الذى يشحذ الهمم ، ويحرص عليه اهل المدينة والقرى المحيطة بها ، حيث كانت تطرح المشاكل وتطرح الحلول من المتخصصين ، وتنتهى غالبا بايجاد حلول عملية. وتولدت علاقات وطيدة بين الدكتور النجار واهل المدينة ، واصبح كل واحد فى المدينة يعتبر الدكتور النجار هو مستشاره الخاص. ويواجه الدكتور النجار متاعب بسبب اخطاء قانونية وادارية وتنظيمية وهذا موضوع المقال القادم إن شاء الله.
دكتور سمير رمضان الشيخ
مستشار تطوير المصرفية الاسلامية
ساحة النقاش