دمج بنوك الادخار فى البنوك الحكومية
اوضحنا فى المقالات السابقة ان التجربة الانمائية الالمانية تمت فى ضوء عناصر محددة من اهمها صياغة "رؤية" .ووجد الدكتور النجار ان مدينة ميت غمر التى انشات بها بنوك الادخار، ليس لها رؤية ، تعبر حلم تود الوصول اليه، ويتم اعتناقه من جميع اهل المدينة، كما وجدنا ذلك فى التجربة الانمائية الالمانية.
وصياغة الرؤية تطلبت من الدكتور النجار حوارا مع عينة ممثلة لكل مجتمع مدينة ميت غمر، بهدف الوصول الى الى رؤية محددة المعالم، وكان منهجه ، تهيئة فرصة الحوار دون فرض رأى أو وجهة نظر معينة ،إنما كان يكتفى بان ينقل لهم مشاهداته فى المانيا، وكان صبورا، ومشجعا لهم لابداء الاراء، وطرح الافكار، ويتولى الاجابة على التساؤلات ان طرحت، وتوفير للفريق الاحترام لتبادل الأراء، وكان من اهدافه تهيئة فرصة لخلق تحولات نحو المشاركة الايجابية، واعمال الفكر وكان يطلب من كل واحد منهم ان يجيب على سؤال ماذا تتمنى بالنسبة لدخلك ان يزيد؟ وماذا تتمنى بالنسبة لتعليم اولادك؟ هل تحب ان يكون لك مشروع خاص؟ فى اى نشاط ؟ فى الزراعة؟ وينتقل بالحوار من الحلم الخاص، الى الحلم العام، ماذا نحب ان نرى فى مدينة ميت غمر من انشطة اقتصادية واجتماعية، واقترح احد المشاركين صياغتا للرؤية تقول "هيا بنا نبنى ميت غمر".
وبعد الاتفاق على الرؤية كان هدف الكتور النجار تنمية الوعى والارتقاء بالمستوى الاجتماعى لكل فرد، ولجميع اهل المدينة، لان التنمية لن تتحقق الا بالوعى، والتحول من الانكفاء على الذات والانانية والاثرة وحب الذات، الى التفكير الجماعى، والربط بين المصلحة الخاصة، والمصلحة العامة، وتشجيع الناس على العمل بروح الفريق الواحد، وبين لهم، ان مصدر كل ذلك هو الاسلام ، فالاسلام يدعو الى الترابط والتكافل، والتفكير فريضة اسلامية ، والتعاون على البر والتقوى، وليس على الاثم والعدوان، وقد كان لدور المعلمين فى المدارس دور كبير فى غرس هذه القيم لدى طلاب المدارس، كما كان للخطباء فى المساجد دور فى توعية الناس باهمية هذه القيم، وكان احد اوجه سعادة الدكتور النجار يرحمه الله حينما يسال الناس اين تذهبون الان؟ فيقولون نحن نذهب لبناء ميت غمر فادرك ان الناس تعايشت واعتنقت الرؤية VISION SENSE.
وكان ماسبق ، يمثل حوارا مستمرا ومصاحبا، لانشاء المشروعات المتناهية الصغر لجميع اهل المدينة من مسلمين ومسيحيين، وكما تفاعل المسجد والمدرسة مع التجربة، تفاعلت الكنيسة ايضا معها، لان الربا محرم فى جميع الديانات. وكان كل يوم يحدث ابداعا، وارتباطا بالتجربة، وتفاعلت المراة بالمدينة واهتمت بالمشروعات الداجنة، والخياطة، واشغال الابرة، وكان البنك هو المسؤول عن التسويق، وامساك الحسابات، وتفاعل الحرفيين، من حلاقين، وميكانيكيين، والبناءين، وكانت الحوافز التى يقدمها البنك ان كل من يدخر نصف قيمة المشروع، يتعهد البنك بانشاء المشروع له، صالون حلاقة بالنسبة للحلاقين، ورشة للسمكرى وهكذا لباقى المهن ، وكل من له فكرة جديدة يشجع عليها الدكتور النجار ويدرسها ولما تثبت صلاحيتها يتم تطبيقها.
توسعت الفروع وزاد عدد العملاء، وعدد الفروع ، الاان هذا النجاح الذى تحقق والشعبية التى ارتبطت بالمشروع والقائمين عليه طرحت تساؤلات هامة، الى اى تنظيم تنتمى بنوك الادخار فى الدولة، وهل تتبع مؤسسة الادخار، وهل تخضع لاشراف البنك المركزى، وكيف يسمح لها بجمع الودائع؟ ومن يتابع الرقابة عليها، واى نظام محاسبى يطبق، اود ان اذكركم ان النظام السائد انذاك فى مصرهو النظام الاشتراكى، وبنوك الادخار كانت تشجع على تنمية رأسمالية لمشروعات متناهية الصغر، او هكذا قيل ، وللاسف تعرضت بنوك الادخار فى عام 1967 الى مضايقات عدة مما ادى الى اجهاض التجربة، ودمج فروع بنوك الادخار فى البنوك الحكومية، وهنا انتقل الدكتور احمد النجار الى السودان. وماذا فعل فى السودان ؟ هذا موضوع المقال القادم ان شاء الله.
دكتور سمير رمضان الشيخ
مستشار تطوير المصرفية الاسلامية
ساحة النقاش