لا يمكن تجاهل فائدة وسائط التواصُل والتكنولوجيا الحديثة في تقريب المسافات بين الناس، وتسهيل إنشاء وإدارة الأعمال، بالنسبة إلى عدد كبير من الشركات، كما لا يمكن إنكار إسهام هذه التكنولوجيا في خلق فرص عمل جديدة لكثير من الناس، درّت أموالاً طائلة عليهم وأنقذتهم من البطالة. وإلى جانب فوائدها في مجال الأعمال، تلعب الوسائط التكنولوجية الحديثة دوراً مهماً في مسألة الحفاظ على التواصل الإجتماعي بين البشر، على الرغم من بُعد المسافات بينهم. فكم مرّة سمعنا قصصاً عن التقاء شخصين بواسطة شبكات التواصل الإجتماعي، بعدما كانا فقدا الإتصال ببعضهما بعضاً لسنوات، بحُكم إما تغيير العنوان أو الإنشغال بالأعمال أو السفر إلى بلد آخر. وكم مرة سمعنا قصصاً عن كيفية إنقاذ أفراد من الموت أو الخطف لمجرد قيامهم بالإتصال بواسطة هواتفهم المحمولة أو أجهزة "اللاب توب" بفرق الطوارىء أو الإنقاذ، ناهيك عن إبقاء التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة الذين يعيشون في بلدان مختلفة.

ولكن، على الرغم من أهمية هذه التكنولوجيا الحديثة في حياة البشر، فإنّها شكلت في الكثير من الحالات مصدر إزعاج وإحراج، نتيجة لسوء إستخدامها وعدم الإلتزام بإتيكيت التواصل عبر الوسائط الإلكترونية التي تُعد حديثة العهد نسبياً.

 

إلا أن حداثة هذه القواعد لا تُبرر السلوكيات غير السليمة، التي يعتمدها البعض أثناء إستخدامهم "الموبايل" أو "اللاب توب" أو الكمبيوتر اللّوحي، ذلك أن شيوع إستخدام تلك الوسائل وسرعة إنتشار المعلومات عبرها، يعنيان أن أغلبية الناس هم على اطّلاع عليها، وهو ما يستوجب الإلتزام بها واتّباعها تفادياً للمواقف المحرجة.

 

مثلاً، لا يجوز أن تكون جالساً وسط مجموعة من الأصدقاء تتناولون الغداء أو تستمتعون بإجراء نقاش شيّق، وأنت منهمك في تصفُّح الرسائل الإلكترونية على جهاز "البلاك بيري" أو "اللاب توب" أو "الآي فون"، وكأنّك لا تعيرهم إهتمامك. إذا كنت تفضل التواصل مع العالم عبر هذه الوسائط التكنولوجية الحديثة، فيجدر بك البقاء في المنزل أو في مكتبك، وإلا عليك ترك تلك الأجهزة جانباً عندما توافق على لقاء أحدهم، حتى يتسنّى لك التواصل معه بشكل سليم. تخيّل الأمر بشكل معاكس: دعاك صديق لارتشاف فنجان قهوة وللتحدث في أمور مختلفة في أحد المقاهي، لكنه منذ لحظة وصولكما بدأ إرسال الرسائل عبر جهازه الإلكتروني، وجلست أنت منتظراً أن ينتهي لكنه لم يفعل. ألن تشعر بالإنزعاج؟ ألن تفكر في أنّ هذا الشخص قد قلل من إحترامه لك لم يعرك أي إهتمام؟

 

إنطلاقاً من هنا، تبرز أهمية الإلتزام بالقاعدة الذهبية، التي تفيد بعدم إستخدام أجهزة التواصل الإلكتروني، عندما تكون موجوداً مع أشخاص آخرين، وإعطاء الأهمية والأولية للحاضرين أمامك. الإنهماك طيلة الوقت في النظر إلى أجهزة "اللاب توب" أو الهواتف الحديثة، يعطي إنطباعاً بأنّك شخص لا يكترث بمن حوله ولا يهمه التواصل معهم.

 

ثمّة سلوكيات معينة وجب عليك مراعاتها لدى إستخدام تلك الأجهزة والخدمات التي تقدمها، منعاً لإحراج الآخرين، وأهمها: الإمتناع عن إستخدام الهواتف المحمولة في أماكن العبادة والجنازات والعزاء وصالات السينما، والإجتماعات والمؤتمرات والأماكن السياحية، كالمتاحف والقاعات والصالات الرياضية. أضف إلى ذلك عدم مقاطعة كلام الشخص الموجود معك، للرد على رسالة نصية لأنّه يعد تصرفاً معيباً، كذلك عدم الرد على الرسائل النصية أثناء تناول الطعام، أو إرسالها إلى مستخدمي الهاتف الذين يضعون أماكن وجودهم في خانة التعريف الخاصة بهم، مثل "في إجتماع" أو في السينما" أو "أقود السيارة"، وذلك إحتراماً لهم، أو خوفاً على سلامتهم في حال قيادة السيارة.

 

التحدث بصوت عالٍ ومن دون الإنتباه إلى إمكانية إزعاج الآخرين، يُعد من السلوكيات المشينة التي يقع فيها أغلبية الناس لدى إستخدامهم الهواتف المحمولة. تخيّل مثلاً أنّك داخل "سوبر ماركت" تحاول الإستفسار من أحد الزبائن عن مكان الأدوات المنزلية، ولدى طرح السؤال عليه تُفاجأ به يصرخ عابساً في وجهك، متهماً إيّاك بشتّى الإتهامات، وكأنّك ارتكبت فعلاً مُشيناً، وقبل أن تهم بالرد عليه تكتشف أنّه يتحدث عبر سماعة "البلوتوث". مثل هذا الشخص وجب عليه أولاً عدم التحدث بصوت مرتفع في الأماكن العامة، كما وجب عليه أن يُعلم الشخص الذي أمامه بأنّه يتحدث عبر الهاتف، مؤشراً بإصبعه نحو سمّاعة "البلوتوث" في أذنه. بهذه الطريقة يفهم هذا الآخر أنّ الكلام المسيء ليس مُوجَّهاً إليه، ويتفادَى رد الفعل غير المناسب.

 

وفي هذا السياق، وجب عليك أن تُعلم الشخص الذي تراه متوجهاً صوبك، أثناء انهماكك في الحديث عبر الهاتف المحمول، بأنّك مشغول وأنّك ستعود إليه عندما تُنهي مكالمتك، وذلك من خلال إشارة صغيرة باليد. إدارة ظهرك أو إشاحة نظرك عنه لمجرد أنّه ينتبه أنك تتحدث عبر الهاتف المحمول، يعد من السلوكيات غير اللائقة التي وجب تفاديها في مثل هذه الحالات.

 

من القواعد الأخرى التي وجب الإلتزام بها عند إستخدام وسائل التواصل الإلكترونية، عدم إهمال الرد على الرسائل الإلكترونية، بريدية كانت أم نصية، التي تصلك من أشخاص تعرفهم، أو من جهات على علاقة عمل معها، لأن عدم الرد يعد فعلاً غير لائق، نظراً إلى أنّ الطرف الآخر سيعلم أنك قرأت الرسالة لكنك تجاهلت الردّ عليه.

 

كذلك وجب الإنتباه عند إرسال رسائل ذات طابع إخباري محلي، عدم بعثها إلى الأشخاص الموجودين على لائحة المعارف في الخارج، لأنّها قد لا تعنيهم. لا يجوز مثلاً إرسال رسالة تنبه إلى وجود زحمة سير في المنطقة التي تسكن فيها لشخص يعيش في بلد آخر.

 

من المهم جدّاً أن تلتزم بإتيكيت إستخدامات أجهزة التواصل الإلكترونية والخدمات التي تقدمها. مثلاً من الضروري جدّاً إغلاق "الماسنجر" عند الإنخراط في جلسة عمل أو جلسة إجتماعية، منعاً لإحراج الآخرين، وعدم نشر أي رسائل مسيئة أو خادشة، كما يجب الحرص على عدم إستخدام صور خادشة في خانة التعريف الشخصي، لأنّها تعكس شخصية المستخدم في أذهان الآخرين. كذلك وجب الإنتباه إلى عدم إرسال الرسائل في أوقات متأخرة أو غير مناسبة.

 

أمّا رسائل البريد الإلكتروني، فوجب عليك الإنتباه إلى كيفية إرسالها إلى مجموعة من العناوين. عليك أن تضع عناوين مَن ترغب في أن ترسل إلهم رسالة في المربع أمام كلمة (Bcc) وليس أمام (Cc)أو (To)، فبهذه الطريقة تحمي خصوصياتهم وتُبقي عناوينهم مخفاة في رسالتك بحيث لا يراها الآخرين. أمّا في حال لم تفعل هذا، فإن عناوينهم ستكون مكشوفة لأي شخص يقرأ الرسالة، ما قد يؤدي إلى تلقّيهم رسائل من أشخاص لا يرغبون في التواصل معهم، أو من أشخاص غرباء يستغلون البريد الإلكتروني لتسويق منتجات وسلع، فيغرقون بريدهم بكمٍّ هائل من الرسائل. من القواعد الأساسية التي وجب العمل بها لدى كتابة الرسائل الإلكترونية، الإنتباه إلى أسلوب الكتابة. إذ لا يمكنك إستخدام الوجوه المبتسمة والإشارات التي تدل على حالتك النفسية، أو رد فعلك والكلمات المختصرة، إلا إذا كنت توجه رسالتك إلى صديق أو شخص تعرفه جيِّداً. أمّا إذا كنت تنوي كتابة رسالة تتعلق بالأعمال، فاحرص على أن يكون خطابك رسمياً وأن تكون رسالتك خالية من أي تعليق أو صور فكاهية. كما يجب الإنتباه إلى أن تكون الرسالة واضحة ومقتضبة قدر الإمكان، فالرسائل الطويلة جدّاً ممكن أن تُشعر قارئها بالملل، وقد لا يكون لديه الوقت الكافي للإطّلاع على كامل المعلومات فيها.

 

في النهاية لابدّ من القول، إنّ التكنولوجيا الحديثة مهمة جدّاً في حياتنا، لكننا نحتاج في الوقت ذاته إلى الحفاظ على التفاعل الإجتماعي، والتواصل المباشر مع بعضنا بعضاً. وإذا كان لابدّ من إستخدام الوسائط التكنولوجية الحديثة، فوجب علينا الإلتزام بقواعد إستخدامها، لكي يأتي سلوكنا حضارياً ولا يسبب أي إزعاج للآخرين، ولا يخل بعملية التواصل الحيّ بين الناس. يميل الجميع إلى التعلق بتلك الأجهزة الحديثة، لدرجة ينسون فيها حتى التفكير في كيفية تأثيرها في المحيطين بهم.

 

من هنا، وَجَب علينا التقيد بالقواعد التي تجنبنا الكثير من المواقف المحرجة منها، عدم الإنهماك في إرسال الرسائل النصية عندما نكون موجودين مع أصدقائنا أو أقربائنا أو زملائنا في العمل، وعدم الصراخ بصوت عالٍ لدى التحدث في الهاتف، وتحديداً عبر سمّاعة "البلوتوث" عندما نكون في مكان عام، وعدم الإلتصاق بجهاز "الآي بود" أو "الآي باد" لدى وجودنا مع أشخاص آخرين. فكل هذه الأجهزة على الرغم من الخدمات المفيدة التي تقدمها لنا، تمنعنا حقيقةً من التواصل والتفاعُل مع الآخرين.

 

   أرقام مذهلة:

إذا كنت ممّن ينتابهم الشعور بالحرَج عندما يعترفون بأنّهم لا يمكنهم مقاومة الإستمرار في فحص بريدهم الإلكتروني، أو متابعة المواقع الكوميدية، أو حتى مواصلة لعبتك المفضّلة، عند الإستجابة لنداء الطبيعة، فلا يجب أن تخجل بعد الآن، لأنّك ببساطة لست وحدك في ذلك.

 

فقد أظهر إستطلاع "غير رسمي" أجري مؤخراً، أن واحداً من بين كل ثلاثة، ممن شملهم الإستطلاع، أقرّ بأنّه لا يمكنه التخلي عن الكمبيوتر اللوحي، ويقوم باصطحابه معه عند دخولهم إلى المراحيض.

 

وطلب الإستطلاع، الذي تم إجراؤه من قِبَل مكتب المبيعات الخاص بشركة "ستابلز إنك"، من نحو 2100 من مستخدمي الكمبيوترات اللوحية، الإجابة عن عدد من الأسئلة تتعلق بالممارسات والعادات، التي قد يواظبون عليها أثناء إستخدامهم تلك الأجهزة صغيرة الحجم.

 

وبيّن الإستطلاع، الذي أجري على قواعد غير علمية، بعض النتائج المثيرة للإهتمام، لعل أهمها أنّ القدرة على إستخدام الكمبيوتر بسهولة وتخزينه ببساطة، كانا سبباً رئيسياً في إقناع نحو 90 في المئة من المستخدمين بشراء هذا النوع من الكمبيوترات الشخصية.

 

ولكن النتيجة التي جذبت إنتباه القائمين على الإستطلاع بشكل كبير، أن أكثر من واحد من بين كل ثلاثة ممن شاركوا في الإستطلاع، أي حوالي 35 في المئة، أجمعوا على أنهم لا يتوقفون عن إستخدام أجهزتهم، سواء من نوع "آي باد" أم "موتورلا زوم"، أم "سامسونغ غالاكسي"، أم الأنواع الأخرى، أثناء وجودهم في السرير، بينما قال 30 في المئة إنهم عادةً ما يستخدمونها في المطاعم.

 

وقالت شركة "ستابلز" في بيان، حول نتائج الإستطلاع: "لكونك تتمتع بالقدرة على اصطحاب كمبيوتر لوحي في حافظتك أو حقيبة صغيرة في حوزتك، كان أكثر أهمية من ميزة التمتع بالقدرة على عقد مؤتمر عبر الفيديو، ومن نظام تشغيل الجهاز، أو سهولة تصفح البريد الإلكتروني المكتبي، وشبكات VPN".

المصدر: مقالات النجاح.. البلاغ
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 9/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
3 تصويتات / 3363 مشاهدة

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,041,316