من بعد أن يجتمع الزوجان الشريكان لإنشاء بيت الزوجية يحلم كل منهما أن يكون بيته سعيداً وآمناً.
كيف يمكن أن نكوّن بيتاً سعيداً؟، ما هي البنى التحتية التي يجب أن تكون ركائز في هذا البيت؟.
كلّنا يعرف أن أي شراكة تتكون لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان للشريكين أدوار متخصصة محددة، وكانا مسؤولين عنها بمرونة يعني أدواراً غير متصلبة، تتداخل ببعضها البعض عند اللزوم للمساندة.
وكلّنا يعرف أنّ المسؤولية الأولى في تأمين الأموال للنفقات الأسرية على أنواعها هي من مسؤولية الزوج، أمّا الزوجة فمسؤولة عن ترشيد هذا المصروف لتأمين متطلبات المعيشة اليومية حتى تسير الأمور بهدوء وبدون مشاكل.
هذه من أهم الأدوار ولكن، حتى تتكامل هذه الأدوار هناك ثلاث ركائز يجب أن تبنى عليها الشراكة الزوجية.
- ما هذه الركائز؟
أوّلاً: المشاركة.
ثانياً: المصارحة.
ثالثاً: المشاورة.
فهل يُتصور أن شراكة تنجح وتنمو دون هذه الركائز؟، بدون شك أنّ الشراكة لن تستمر بدون مشاركة ومصارحة ومشاورة، وانّها لو استمرت بدون هذه الأساسات لن تكون متجانسة، وسيصادفها طريق وعر وعواصف تهزها من جذورها.
- الإختلافات في الحياة الزوجية:
قبل أن نتحدث عن هذه الأساسات، هناك عدة إختلافات يجب أن تكون مهيئين لها عند تكوين الشراكة الزوجية.
- وجهات النظر:عادة ما يكون بين الزوجين إختلاف في وجهات النظر لكثير من الأمور، يجب أن تعتبر هذه الإختلافات غنى للحياة الزوجية، ويجب أن يسعى كل شريك إلى أن يطّلع على وجهة نظر الآخر ويقبلها ويحترمها.
- العادات اليومية: الإختلاف الثاني هو إختلاف في العادات اليومية: حتى في أبسط الأمور: طريقة الطعام، إرتداء الملابس، ساعات النوم. طعام الفطور، أيضاً أن يطلع كل شريك على عادات الشريك الآخر ويتقبلها ويحترمها.
- الحياة الإجتماعية: هناك إختلاف في النظرة إلى الحياة الإجتماعية خاصة بالنسبة للصداقات والأقارب والجيران، هل نقلل الصداقات أو نكثرها؟، كيف نستقبل الأصدقاء؟، متى؟ كيف نتعاطى مع الأقارب والجيران؟
هناك إختلافات تحتاج إلى كثير من المصارحة والمحاورة، حتى يصل الشريكان لنقطة تلتقي عندها القناعات، لأن الإختلافات في الحياة الإجتماعية وحدها من الأمور التي كثيراً ما تهدد الحياة الأسرية، مع العلم أنّ هذا الإختلاف لا يعنى بالضرورة وجود نظرة أهم أو مفهوم أفضل عند أحد الشريكين من الآخر، على الشريكين أن يجدا نقطة توافق يرضى عنها الاثنان معاً.
ويجدر هنا تقديم نصيحة للزوجة التي تبدأ حياتها من جديد، وهي أن تعطي وقتاً محدداً للصديقات والجيران، وتنتبه إلى أن لا يتضارب هذا الوقت مع عودة الزوج من العمل، أو وقت الطعام والراحة، نحن ننسى كثيراً أنّ للبيوت حرمات، وغالباً ما يكون الأصدقاء والجيران غير مراعين لهذه الحرمة، مما يسبب مشاكل كثيرة.
الحياة الزوجية بند مهم يجب أن يتحاور فيه الزوجان بصراحة، ويضعا له أسساً وحدوداً يحترمها كل شريك، ويكون مرتاحاً معها.
- أولويات الإنفاق: الإختلاف الرابع هو إختلاف في أولويات الإنفاق، وهو أيضاً بند يسبب خلافات كثيرة، خاصة بالضائقة المادية التي يعيشها الجميع ويعانون منها.
هذه الخلافات أيضاً لا تتوضح إلا إذا كان الشريكان قد تحاورا بشأنها، ووضعا الخطوط العريضة، وأولويات الإنفاق التي يرضى عنها الطرفان، يجب أن يكون هناك صراحة ووضوح في مسألة الإنفاق، لأنّها كما ذكرنا من أهم المواضيع التي تنشأ عنها خلافات أسرية.
- تربية الأبناء: آخر إختلاف هو في أسلوب تربية الأبناء، وهو أيضاً من الأمور التي يجب أن يتفق حولها الشريكان وأن يتحاورا فيها، ويهيئا نفسيهما لمواجهتها باكراً، ويتفقا على أسلوب تربوي موحد، حتى لا يوفرا معاناة كبيرة لاحقاً.
- المشاركة: أمّا بالنسبة للمشاركة فلدينا امثولة مشرفة في السيرة النبوية، وذلك أنّ الرسول (ص) كان يشارك أهله في عملهم، فيحلب شاته، ويخيط ثوبه، كما كان نساء المؤمنين يشاركن في المعارك فيداوين الجرحى، ويسقين العطشى.
إذا كانت الأدوار معروفة للطرفين، وكل واحد يحترم دوره، ويحاول أن يقوم به على أكمل وجه، هذا لا يمنع أن يمد الواحد منهما يد المساعدة للآخر عندما يتطلب الوضع المساندة خاصة في يومنا الحالي، وإذا اضطرت الزوجة إلى الخروج من المنزل للمساهمة في النفقات على الأسرة يجب على الزوج أن يشارك في أمور المنزل، وأن لا يترك زوجته المنهكة تقوم بأعباء المنزل وحدها. هذا ضرب من الأنانية يجب على الرجال أن يتخلوا عنه، حتى وإن كانت الزوجة متفرغة للبيت، فبعض المشاركة من الزوج تدخل إحساساً من الأنس الذي يسعد أهل البيت يوماً بعد يوم، نرى أنّ المشاركة أمر لا غنى عنه، وإذا كانت السيدات الكريمات نزلن للعمل ليرفعن من المستوى المعيشي ومواجهة الضائقة المادية فالحري أن يبادلهنّ الرجال هذا الإحساس بالمسؤولية، فيتكاتفوا مع بعضهم البعض، ويتشاركوا في كل الأمور، خاصة الأمور المنزلية، وتربية الأبناء.
- المصارحة: الركيزة الثانية هي المصارحة، وإذا كنّا نحن بصدد الحديث عن الشركة، كيف ينتظر أحد الشركاء أن تنمو هذه الشركة إذا ما كان واحد من الشركاء على غير بينة بكل الأمور الطارئة؟.
المصارحة تعني أن يحكي كل واحد عن كل ما يطرأ عليه وهو غائب عن الشريك الآخر. يجب أن يعرف كل شريك ما جرى للآخر وبالتفصيل، حتى يشعر به، كثيراً ما نسمع رجالاً يقولون بعد فترة من الزواج (زوجتي لا تشعر معي، وطلباتها لا آخر لها).
لو كان هذا الزوج يصارح زوجته بأوضاعه أوّلاً بأوّل ويبين لها ما يزعجه ويصارحها لن يصل إلى الوضع الذي هو فيه.
إذا كان الزوج يستمع إلى الأمور التي تزعج زوجته ويسأل عن وضعها أوّلاً بأوّل فلن يصلا إلى وقت يواجهان فيه مشكلة كان من الممكن أن يتفادياها بالقليل من المصارحة، والمصارحة توجب أسلوب محاورة وأسلوب حل نزاع سليم، وأهم هذه الأساليب هي أن نصغي للآخر، وأن نتحين الوقت والزمن الذي يجب أن أحاور فيه وأصرح الشريك الآخر عن كل الأمور التي تزعجني، بحيث لا يكون هناك أي موضوع يخجل منه الزوجان، أو لا يقدران أن يتحاورا بشأنه ويتصارحا حوله، حتى الأمور العاطفية الحميمة يجب أن تشملها المصارحة، حتى يكون كل واحد منهما على بينة عما يرضي الشريك وعما يزعجه.
المصارحة ركيزة مهمة جدّاً لتعزيز الشراكة الزوجية.
- المشاورة: الركيزة المهمة الأخيرة هي المشاورة، وكلنا يعرف أن رسول الله (ص) بعد صلح الحديبية توجه إلى الصحابة ليقوموا وينحروا ثمّ يحلقوا، وقد كرر هذا ثلاثا، فلم يقم منهم أحد، فدخل على أُم سلمة واضطجع فقالت: "مالك يا رسول الله؟ فذكر لها الأمر فقالت: أتحب ذلك؟ أي تحب أن يطيعك أصحابك فيما تأمرهم؟) فأشار اي نعم، قالت: اخرج ثمّ لا تكلم أحداً، حتى تنحر بُدْنك ثمّ تدعو بحالقك فيحلقك). فأخذ رسول بمقولتها، وبهذا نجا الصحابة من مخالفة المصطفى. فالمشورة مطلوبة من قِبَل الشريكين، الزوجة من زوجها وبالعكس، ولن تنقص قيمة أحد منهما أن هو أخذ بمشورة الآخر، ولكن يجب أن نبين أنّ المشورة لا تعني الأمر، ولا تعني الفرض، بمعنى إذا طلب أحد الطرفين مشورة الآخر ولم يأخذ بمشورته فلا يصح للشريك أن يغضب، أو أن يظهر شماتة إذا صار ما لم يكن بالحسبان، فالمشورة وسيلة للدعم، وكلما كسبنا ثقة الآخر كلما صارت المشورة أساساً ودعماً لكل الخطوات التي نقوم بها.
كل شراكة زوجية فيها إختلافات يجب أن نحترمها، وأمور يجب أن نتفق عليها، لكن ركائز المشاركة والمصارحة والمشاورة يجب أن تكون جاهزة، وأن تكون هي اللبنات التي توضع أساساً في تكوين أي بيت زوجي.
ساحة النقاش