لقد تطور العقل البشري واستطاع الإنسان أن يكتشف القوانين الطبيعية وأن يحصل على درجات عالية من العلم والمعرفة.. وأن يطبق تلك العلوم في الصناعات المختلفة.. حاول أن تنظر حولك أنك تشاهد السيارة والطائرة والقطار وآلة الطباعة والأجهزة الطبية المتطورة والكمبيوتر ... الخ ، إن كل تلك الوسائل والأدوات التي توفر للإنسان راحته في الحياة هي من نتاج العلم والعلماء والفنيين، وإن مكانة الفرد والأمة يحددها مستوى العلم وعدد العلماء والخبراء أو الرجال أو والنساء الموهوبين من مخترعين ومكتشفين.

 

ولكننا عندما نرى كل هذه الاكتشافات والاختراعات غير أنها نتاج التقدم العلمي والمعرفي الرهيب في الغرب ولا نجد للدول العربية والإسلامية حظ يذكر في هذا المجال والمتابع لجائزة نوبل والتي تقدم سنوياً للنابغين والموهوبين في مجالات العلم المختلفة بإيجاد من علماء العرب والمسلمين إلا القليل الذين يحصلون على تلك الجائزة مما يعني أن بلادنا لا يوجد فيها من يستحق التكريم وكأننا لا يوجد لدينا علماء أو موهوبين أو أم الموهبة تكاد تختفي من الشعوب الإسلامية .. فهل إلى سبيل للنهوض بالأمة عن طريق تنمية قدراتنا وإبداعنا للأفكار التي على أساسها لا تعتمد اعتماداً كلياً على الدول الغربية .. ونعتمد على أنفسنا ..

 

إن الموهبة والإبداع هي استعداد طبيعي لدى الإنسان يولد وهو مزود بها وليس له دخل في وجودها كالذكاء والحفظ والقابلية الفنية، مثل القدرة على الرسم/ الموهبة الشعرية الكتابية والخطابية، القدرة على الاختراع والعمل والابتكار واكتساب الخبرات.. الخ إن كل تلك المواهب هي هبة من الله سبحانه وتعالى.. وان هذه المواهب الراقية هي التي صنعت من أصحابها مشاهير وعظماء وقادة كبار أحدثوا تغييراً عظيماً في أوضاع البشرية الفكرية والسياسية والعملية والاقتصادية والعسكرية والفنية والاجتماعية.. الخ ، وكل شخص منا قد أعطى موهبة من المواهب ولكن بدرجات متفاوتة فهي تبدأ من مستوى النوابغ والعباقرة وتتدرج إلى مستويات أقل درجة وتلك المواهب هي نعمة من الله سبحانه وتعالى.

 

إن الناس مواهب مختلفة فهناك شخص لديه موهية في الاختراع والصناعة وآخر له موهبة في شؤون السياسة وآخر له موهبة في الكتابة والتأليف وآخر له موهبة في اكتشاف القوانين العلمية في الطب والفيزياء والرياضيات والإدارة، وآخر له موهبة في العمل التجاري وإقامة المشاريع الناجحة وآخر له قدرات عملية على العمل والإنتاج الآلي والزراعي والخدمات المختلفة التي يحتاجها الآخرون ..الخ، وتلك هي حكمة الله سبحانه وتعالى قد قسم بين الخلق تلك المواهب لتكامل الحياة البشرية ولتبادل المنافع والمصالح ليشعر كل فرد بحاجته إلى الأفراد الآخرين في مجتمعه ليعيشوا في ظل التعاون وتبادل المنافع .. هذا ما يؤكده لنا القرآن الكريم بقوله تعالى "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" سورة الزخرف ( 32 ).

 

إن كل فرد يستطيع أن يستخرج من نفسه قدراته العقلية الكامنة واستغلالها أكثر مما يستغلها الآن، وفقاً لقانون الاستخدام الذي يعني أن عدم استخدام أية قدرة إنسانية يؤدي إلى تعطيلها وبالتالي فقدانها، وكلما استخرجنا القدرات فإنها تنمو تماماً كالعضلات، وان استخراج المواهب والقدرات الإبداعية تحتاج إلى التركيز نحو تحديد هدف واحد في وقت واحد، ومحاولة استبعاد كل ما يشتت الفكر ويشغل الذهن، ولبناء القدرة على التركيز الذهني والعقلي يحتاج إلى تمرين هادئ وطويل. يقول أحد علماء النفس المشهورين " ليست العبقرية أكثر من تركيز الذهن" ويقول آخر" إن حصر الاهتمام هو أول مقومات العبقرية.. فالتركيز يزيل الخيالات المبعثرة وتتلاشى المعرقلات والمثبطات المادية / الجسمية مما يولد لدى الفرد قدرة الاحتفاظ بالاستقرار الذهني والوضوح، ومما يساعد على التركيز العزلة أو الاعتزال المؤقت حيث يساعد على التخلص من ضغوط الحياة وملل الروتين، ويزيد في النشاط العقلي.

يعتمد قرارك باتباع المنهج الابداعي في التفكير من عدمه على نوعية المشكلة ذاتها، فاذا كانت المشكلة بسيطة كأن تعبر طريقاً مزدحماً مثلاً، فليس هناك داع للابداع في التفكير، اذ إن محاولة الابداع هنا قد تعوق انتاجيتك ، لأنك تحتاج إلى طاقتك الكاملة في عملية التفكير المنطقي، حتى تعبر الطريق سالماً، غير أنه اذا كنت تبحث عن أساليب خفض حوادث الطريق، فان ذلك يعد مشكلة ذات حلول وبدائل عديدة، وقد يحتاج الأمر منك إلى اتباع المنهج الابداعي الذي يوفر حلولاً وبدائل عديدة تقيمها وتفكر فيها، لذلك من المهم ادراك المواقف التي يصبح فيها المنهج الابداعي اكثر فائدة وجدوى  بدلاً من استهلاك طاقاتك الابداعية بلا داعٍ.

 

وأوضح أن كل إنسان منا عرضة للمشاكل والصعوبات وضغوط الحياة اليومية.. ويجب أن نعلم أن المشكلة فرصة لإظهار قدراتنا وتمثل تحدياً نفسياً وعقلياً فإذا ما هزم المرء نفسياً فحتماً ستعطل القدرة العقلية، مما يُحدث الضغط على الفكر ويغلق بعض أجزائه، فالبعض عندما يواجه مشكلة ما يرجعها على أنها حظ سئ، أما أصحاب المهارة الفكرية الإبداعية يعتقدون في كل مشكلة أن الحل موجود، وإن كان مخبأ وواجبهم التنقيب عنه واستخراجه والقيام بتطبيقه.

 

إن القدرة على المواجهة تعتمد على البعد عن التفكير السلبي الخاطئ الذي يعرقل المواجهة للمواقف والاعتماد على التفكير الموضوعي الذي يساعد على حل المشاكل واتخاذ القرارات بإعطائه مفاتيح الحلول الصائبة للحياة اليومية، وبدراسة كافة الخيارات والتفكير في الإمكانات ومحاولة التوصل إلى عدة حلول وتدوينها، قد تبدو بعض الأفكار غير عملية ولكن التفكير فيها من الممكن أن يقترح حلاً آخر.. وفي حالة التردد في اتخاذ قرار معين، فإن أنجح وجهات النظر التي يتم اتخاذها في حالة التأمل العميق والتفكير الموضوعي، ومن الجدير بالذكر أنه يجب عليك أن تقوم بتدوين جميع الأفكار المتعلقة بالمواضيع المستقبلية، والمساعدة على اكتشاف معطيات جديدة في جميع المجالات العملية،  وتنمية مهارة التفكير الموضوعي الإبداعي.

 

ولكي تصل إليه يجب عليك ألا تكون مستغرقاً بالتفكير في الماضي وأحداثه وآلامه، فلا تحصد إلا المزيد من الألم والحسرة لأن الماضي لا يعود ليغير المرء أحداثه ويصحح مساراته.. ومن المهم في التفكير بالماضي أن تستخلص العظات والعبر، فعود نفسك على أن تعيش لحظتك ، وأن تحصر نفسك فيما أنت فيه فقط، وأنسى كل ما عداه، ويقول أحد علماء النفس" إذا كنت تُجهد نفسك بكل التفاصيل الدقيقة فإنك لن تبدأ أبداً".. فالبدء في التنفيذ ضروري حتى لا يعيق التخطيط وطول التفكير ، والممارسة تُعطي فرصة أكبر لتمرين القدرة على الحكم العقلي تمريناً صائباً هادفاً ، لأن مزاولة معظم الأعمال والمهن وممارستها تفرض على ملكاته السيكولوجية من المطالب ما يجعل أي نقص في تفكيره الصائب واضحاً في كل مناسبة. والعبقرية هي حصيلة عمل دءوب وجهد منظم في كل مجالات العمل والإنتاج والفكر.. وفي السطور القليلة خلال هذا الفصل سنوضح كيف تتعلم الإبداع سواءً على المستوى الذاتي أو على مستوى السياسات القابلة للتنفيذ، وأساليب توليد الأفكار.

 

 

الدكتور / رمضان حسين الشيخ

خبير التطوير التنظيمي والموارد البشرية

المصدر: مقالاتي
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1067 مشاهدة
نشرت فى 4 إبريل 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,948,001