يبدو أن الهدف العام من دراسة الشخصية الإنسانية هو التوصل إلى تعميمات دقيقة تعطي الفرصة والامكانيات لتفسير سلوك الإنسان والتنبؤ به إذا أمكن ذلك ، وتعتبر الشخصية من الموضوعات الهامة في المجال السلوكي بكافة أنماطها وصفاتها وتحولاتها وذلك أمر لابد أن يستمر عليها مسيرة الإنسانية الصالحة وأن يسخر لها كافة العلوم المتعلقة بكشف خفاياها أو تصحيح إعوجاجها أو إزالة ضعفها، فالشخصية هي المفهوم الشامل للذات الإنسانية ظاهراً وباطناً بكافة ميوله وتصوراته وأفكاره واعتقاداته وقناعاته وصفاته الحركية والنفسية.. مما يوضح أن بناء الإنسان يشكل المنطلق الرئيسي لإي حضارة ولذلك تركز الرسالات السماوية على بناء الكائن البشري باعتباره المخلوق الذي كرمه الله عزوجل على جميع خلقه بل وقد جعله الله المستخلف في الأرض فقد قال في محكم تنزيله " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" سورة الإسراء (70) .. قال تعالى "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " سورة البقرة (30) وبالتالي فان الانسان تقع عليه مسؤولية كبيرة.. ولكي يحقق أهدف الاية الكريمه لابد أن يقوم ببناء ذاته.
لا شك أن الشخصية الناجحة لها تأثير قوي على الآخرين وتوجيه سلوكهم وهناك العديد من الشخصيات المتباينة فهناك الشخص المتردد، والشخص الصامت، والشخص الثرثار، والشخص الجاد، والشخص المتميز ، والشخص المرح، والشخص المندفع، والشخص المتشكك والمتصلب هذه الاختلافات في طبيعة الشخصية وأنماطها تجعلنا نحاول فهم طبيعة الشخصية الإنسانية سواءً من حيث مفهومها ومكوناتها والعوامل المؤثرة فيها، والعمل على تحليلها ودراسة النظريات المفسرة للشخصية، وخصائص تكامل الشخصية وتكيفها ، وذلك من أجل التعرف على الذات وكيفية التحكم فيها من أجل الوصول إلى ما يصبو إليه كل إنسان.
ويؤكد علماء السلوك أن للشخصية الناجحة تأثير على المستقبل، كما أن لكل شئ في العالم تأثير فالشمس تظهر في الصباح من وراء الأفق وترسل أشعتها الذهبية على وجه الأرض فتعطي قوة وحياة على كل شئ،والقمر في السماء يتهادى مرسلاً أشعته الفضية إلى أعماق البحر فتؤثر في أحشائه فتتسع تارة ويكون إتساعها مداً ، وسواءً النجوم والموسيقى أيضاً لها تأثير فشخصية الإنسان الناجح هي الآنية الوحيدة التي تتكلم منها النفس.. بينما نجد أن الإنسان يوجد في العالم فتتأثر شخصيته من شخصية أبائه وأجداده، أخواته وإخوانه، أقاربه وذويه، فيلتقى بها ويمزجها بجوهر حياته ثم يعود فيصوغها من جديد هدية يطوق بها أعناق الذين يخلفونه، فما أعزب الإنسان وما أعجبه!! فهو مؤثر بشخصيته ومؤثر فيه في آن واحد، فبينما تتكون شخصيته من شخصيات القريبين إليه فما أعظم المسئولية الملقاه علينا لأننا ننقل بحياتنا إلى العائشين في أحشاء المستقبل مؤثرات يكونون منها شخصياتهم فإما أن نكون يدأ للبناء أو معولاً للهدم فأي الأمرين نختار؟ إن حياتنا كأشخاص والتي نحياها إنما هي بذرة تتكون فيها شجرة الأجيال وكل منا ليس منفصلاً عن العالم بل متصلاً به، فهل ترغب بأن يكون اتصالك هذا سبباً لرفع شخصيتك وشخصيات أفراد مجتمعك أم لخفضها؟
هذا من جهة تأثير شخصية الإنسان على المستقبل فما هو تأثيرها في الحاضر.. نجد أن الناس في هذا نوعان نوع وجُد ليكون تابعاً وآخر وجد ليكون متبوعاً، واحداً يرضى بأن يكون جندياً بسيطاً وآخر لا يرضى إلا بأن يكون قائداً عظيماً فالشخصية منفصلة عما يحيط بالإنسان من مظاهر القوة ومظاهر الضعف فمثلاً في عالم السياسة نقرأ عن (بسمارك) ونعجب مما كان عليه من قيادة وسيادة وحنكة واختبار في الأمور السياسية، ولكن كم منا يذهب إلى أبعد من هذا الحد، وكم من الناس يدركون أن شخصية (بسمارك) كانت تستمد من شخصية زوجته التي كانت تعزيه في وقت الحزن ورجاء في اليأس وقوة في الضعف ونوراً في الظلام.
فالشخصية إذاً هي ملكة مجردة عن كل عظمة بعيدة عن كل رياء منفصلة عن كل ظهور وادعاء.. من أجل الوصول إلى تحقيق الذات.. والشخصية الناجحة المبدعة؟ لها ميزات وأولها العزم والإقدام إن كثيرين من الناس لهم عقول المصلحين ولكن ليفقهم الإقدام بما في عقولهم من علم ومعرفة يستطيعون أن يحولوا الأرض سماء لكن عوزهم الشدة في إرادتهم والصلابة في عزيمتهم عقولهم فياضة بالاقتراحات والافكار لكن قلوبهم خاوية من التنفيذ لديهم فكرة ولكنهم يخافون أن يظهروها فتموت وهي في مهدها..
مما لا شك فيه أن الشخصية المؤثرة الناجحة تتسم بالعديد من الخصائص والسمات التي تساعدها على تحقيق النجاح والتفوق في مجالات وميادين الحياة المختلفة.. وهذه الشخصية غنية في جوهرها ومضمونها بما تحمله من خصائص نفسية سوية لذا يجب التركيز على الأسرة وتوفير المناخ الصحي لها حتى تقوم بمهامها في تكوين شخصيات الصغار، لأنه بدون الأسرة الناجحة لا يمكن تخريج شخصيات ناجحة، فالأسرة هي المصنع الذي تتم فيه صناعة الشخصيات ، ووفقاً لجودة الأسرة تكون جودة الأبناء .
من سمات الشخص الذي يتمتع بقوة التأثيرعلى الآخرين، أن يتحدث ويظهر بمظهر الواثق المتمرس، والكيس هو الذي يهتم بمشاعر الآخرين، وأن تتوافق أقواله مع مشاعره وأفعاله. وتستطيع أن تكسب قلوب الآخرين، عندما تحترم طموحاتهم واهتماماتهم وهمومهم ، ولكي تقنع الآخرين بمزايا عرض ما / فكرة ما . فانك تحتاج لتوضيح ملائمة أفكارك الخاصة وتوافقها مع احتياجاتهم ، ودع حماسك لافكارك يتجلى دون أن يجعلك غافلاً أو متجاهلاً لآراء الآخرين، واذا كنت تواجه أفكاراً أخرى مغايرة لأفكارك وآرائك فمن الضروري أن تناقش معهم سبيلاً للوصول إلى حل وسط ، يناسب إحتياجاتهم واحتياجاتك على حد سواء .
إن الشخص الذي يتمتع بقوة التأثير على الآخرين، يستطيع التحكم في مشاعره الشخصية بنجاح . وتستطيع أن تنمي ثقتك بذاتك عندما تلحظ الوقت الذي تشعر فيه بالقلق ، ثم توجه هذا الشعور السلبي بطريقة إيجابية .
إن من أهم عوامل النجاح الإجتماعي هو تفهم سيكولوجية الآخرين الذين تريد التعامل معهم والتاثير فيهم، فأنت تتعامل مع بشر لديهم الإحساس والادراك والشعور وعليك أن تتفهم طبائعهم واختلاف امزجتهم وتباين نفسياتهم .. ويجب أن تعلم جيداً أن الآخرين ليسوا عجينة تخبزها كيفما تريد ، ولسوا بآلة تحركها حيثما تريد وإنما هم بشر لهم آراؤهم ولهم فلسفتهم في الحياة .. وهذا لا يعني بالطبع التنازل عن شخصيتك وكيانك الخاص بك ، بل عليك أن تحافظ شخصيتك المستقلة وكل ما هو مطلوب منك هو أن تكون قادر على التعايش مع الآخرين، وعلى التعامل والتفاهم معهم، وكيف تؤثر فيهم أيضاً ، وقد أشار الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقولة " من أقربكم مني مجلساً أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون" إن القدرة على كسب الأصدقاء ، ونيل إحترام الآخرين والتأثير عليهم ، لهي من علامات التعامل السليم مع الناس .
يجب عليك أن تجعل الآخرين ينجذبون إليك بتهيئة ما تقوله ، ليتواكب مع ثقافتهم واحتياجاتهم وأساليب تصرفهم. وإذا كنت تخاطب من هم أدنى منك منزلة ، فقد يكون ضرورياً لك أن تأخذ بزمام الأمر. أما مع من هم أعلى منك منزلة، فقد لا يتطلب الأمر إلا توطئة مختصرة. وقبل البدء في أي نقاش أو حوار مع أي شخص، فكر في الأسلوب الذي سوف تنتهجه لجذب اهتمامه، واثارة انتباهه.
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
خبير التطوير التنظيمي والموارد البشرية
ساحة النقاش