تظهر استطلاعات رأى أجريت فى ألمانيا وجود تحفظ شديد تجاه الإسلام يسود غالبية السكان وأن وتيرته ازدادت فى السنوات الأخيرة بصورة جلية.
وقد لعبت وسائل الإعلام الألمانية دورا بارزا فى انتشار صورة سلبية والغالبية من الألمان بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، من اليمين المتطرف إلى الليبرالية، يقرنون الإسلام بالأصولية والميل إلى استخدام العنف واضطهاد المرأة.
مع زيادة عدد المسلمين أصبح من الطبيعى مناقشة احتياجاتهم وخاصة التى تتعلق بعاداتهم وتقاليدهم ودينهم منها بصورة رئيسية بناء المساجد والذبح على الطريقة الشرعية الإسلامية. إلا أن المسلمين فى ألمانيا كغيرهم من المسلمين فى دول أوروبية أخرى يواجهون فى كثير من الأحيان عدم القبول أو على الأقل التحفظ وهذا كفيل بأن يكون بداية سوء فهم ثم خلافات ويعرقل كل سياسة لتحقيق إندماجهم فى المجتمع الألماني.
وقد وضع الخبير الألمانى المعروف هاينر بيلفيلد مدير المعهد الألمانى لحقوق الإنسان دراسة مطولة تحت عنوان" صورة الإسلام فى ألمانيا وتعامل الرأى العام المحلى مع الخوف من الإسلام" لاسيما وأن هذا الموضوع اكتسب أهمية أكبر بعد وقوع هجمات الحادى عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 رغم أن المسلمين كانوا أول من أدانها وتنصل منها ومن منفذيها. غير أن التغطية الإعلامية المكثفة للهجوم ونتائجه قادت إلى نشوء صورة مشوهة للإسلام أدت أيضا إلى اتخاذ المسؤولين السياسيين والأمنيين إجراءات احترازية مشددة من المسلمين.
وبناء على نتائج استطلاع للرأى قام به معهد"ألنسباخ" والذى نشر فى أيار/مايو عام 2006 فقد أفاد 83 بالمئة ممن أدلوا بآرائهم بأن الإسلام متعصب، فى حين أن 62 بالمئة قالوا إنه رجعي، ويراه 71 بالمئة غير متسامح، و60 بالمئة غير ديمقراطي.
وحتى أن 91 بالمئة من المشاركين فى الاستطلاع أفادوا بأنهم يربطون الإسلام تلقائيا باضطهاد المرأة. واستنتج الباحثان إليزابيت نويل وتوماس بيترسن من نتيجة عملية الاستطلاع هذه التى قاما بها ما يلي: كانت نظرة الألمان إلى الإسلام فى السنوات الماضية سلبية ولكنها بالتأكيد ازدادت ترديا على نحو ملحوظ مؤخرا.
فى هذا السياق أيضا كشفت دراسة أخرى عن الفئات البشرية المستهدفة بالعداء فى أوروبا وضعها معهد الاختصاصات المتداخلة لأبحاث النزاعات والعنف التابع لجامعة بيلفيلد والتى قام بها على أمد طويل، أن قرابة ثلاثة أرباع الأشخاص الذين شملهم البحث الذى تم فى حزيران/يونيو عام 2005 أقروا بأن الثقافة الإسلامية لا تنسجم أو بالأحرى لا تميل للانسجام مع"ثقافتنا الغربية".
وليس هذا الموقف الرافض والمتعنت الذى ينم عن جهل وعدم تسامح، مقتصرا على الغالبية بألمانيا، فالنزعة المعادية للإسلام تسجل وفقا لتقرير نشره المركز الأوروبى لرصد التمييز العنصرى وكره الأجانب
تشير الدراسة التى وضعها المعهد الألمانى لحقوق الإنسان إلى أن الأسباب التى تكمن وراء تصاعد التحفظ ضد المسلمين فى السنوات الأخيرة، مركبة ومتعددة الأوجه: فعلى نطاق الأزمات المحلية هناك المشاكل التى تظهر بسبب بناء الجوامع حيث تتشابك مشاعر الخوف من الدخيل الغريب، والتى غالبا ما تقف السياسة وراء تأجيجها واستغلالها فى المناطق والأحياء قيد الإنهيار التى تعانى من الإحباط الاجتماعى بصورة خاصة.
وهناك مشاكل الإندماج داخل المدارس ومع الجيرة وفى العمل فهى تعزز الأحكام المسبقة والتحفظات الراهنة ضد المواطنين من أصول مهاجرة بصورة عامة والمسلمين بصورة خاصة.
فى الأشهر الأخيرة زادت هذه الأحكام المسبقة والتى غالبا ما تكون شمولية أى لا تفرق بين فئة المسلمين والأصوليين عقب تناول الصحافة الألمانية بصورة مركزة لجرائم الشرف والخلاف حول بناء الجوامع وإثارة النقاش مجددا حول الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة لخاتم الأنبياء سيدنا محمد"صلعم" بحيث يبدو أن رد فعل الصحافة والسياسيين على هذه القضايا مدبر.
والثابت أن كل خلاف جديد يؤدى إلى صب الزيت على النار.
وأشارت استنتاجات معهد"ألنسباخ" لاستطلاع الرأى أن نسبة 42 بالمئة من الألمان يرون أن عدد المسلمين زاد كثيرا فى ألمانيا وهم يخشون فى بعض الأحيان أن يكون بينهم الكثير من الإرهابيين.
وتوضح دراسة المعهد الألمانى لحقوق الإنسان أن الريبة من الإسلام باتت تعم كافة التيارات السياسية ومختلف أوساط المجتمع. ويعود ذلك برأى بيلفيلد ومساعديه إلى كثرة الأسباب وتنوع الدوافع التى تقف وراء الأحكام المسبقة على الإسلام والمسلمين، وهذا انطلاقا من مخاوف المحافظين إلى حد التطرف على الهوية الثقافية للمجتمع الألمانى التى تشكلت مع الوقت، مرورا بهواجس الأمن الداخلى الواسعة الانتشار ووصولا إلى القلق من فقدان القدرة على الحفاظ على ما تم تحقيقه من مكاسب على صعيد الحريات والمساواة.
وفى حين تلجأ بعض التصريحات المنتقدة للإسلام إلى النهج الرجعى الذى كان يضع حدودا بين الغرب المسيحى والشرق، يرى آخرون فى الإسلام دون حق تهديدا لقيم التنوير والحداثة والليبرالية. فى كلتا الحالتين نحن أمام "الدين الآخر" فهو من وجهة نظر هذه الفئة من الألمان إما دين غريب آت من الشرق، أو أنه نمط حياة مختلفة قائمة على الاستبداد.
وتبين الدراسة أنه فى أوساط اليمين المحافظ على وجه الخصوص يرتبط الخوف من الإسلام بسيناريو المستقبل حيث توضح الدراسات أن ألمانيا ستواجه مشكلة ديموغرافية إذ سوف يتراجع عدد السكان الألمان البالغ حاليا 82 مليون نسمة وفى الوقت الراهن هناك نسبة عالية من المسنين.
فى المقابل هناك زيادة عالية مستمرة لعدد المواليد من عائلات المسلمين وغير المسلمين لكنهم يشيرون فقط إلى ما يسمى بأسلمة المجتمع تدريجيا. ولاحظت الدراسة أيضا زيادة حدة التصريحات الرسمية للكنائس المسيحية وتبنيها مواقف ناقدة للإسلام.
عندما صدر كتيب يحمل عنوان"الشفافية وحسن الجوار" عن مجلس الكنيسة الإنجيلية حول الحوار الإسلامى المسيحى فى ألمانيا تضمن مواقف تختلف فى جوهرها عن المواقف السابقة المعروفة من هذا الموضوع لمجلس الكنيسة الإسلامية من حيث تميزها بالتحفظ والفتور.
وكان رد فعل الرابطات الإسلامية على محتويات الكتيب مليئا بالاستياء ومشاعر المرارة. حتى أن المعانى الدلالية لخطاب الكنيسة الكاثوليكية الراهن قد باتت تسودها مواقف التباعد والتحفظ. والملفت للنظر فى الدراسة هو أن الدوافع المختلفة التى تنعكس فيها المواقف المتحفظة حيال الإسلام غالبا ما تتداخل مع بعضها البعض مما يؤدى إلى مناورات سياسية ونشوء تحالفات غير مألوفة.
فعلى سبيل المثال انتشرت أنباء عن قيام وزارة الداخلية فى ولاية بادن فورتمبيرغ فى بداية عام 2006 بوضع دليل للتجنيس لهيئات الجنسية لديها يستهدف فى واقع الحال المسلمين ويتضمن شروطا للتجنيس من بينها شرط ينص على إقرار المرشح للتجنيس بحق المثليين فى الحياة الزوجية مع بعضهم البعض خاصة إذا كان أحدهم ابنا أو بنتا له.
ومما أثار هذا الاستغراب هو أن هذا الشرط يأتى من وزارة يقودها المحافظون الذين كانوا يعارضون الإقرار بحق المثليين فى الحياة الزوجية.
وإن دل هذا الشرط على ذلك فإنه يدل على رغبة المحافظين فى وضع حدود واضحة أمام المسلمين الراغبين فى التجنيس أو بالأحرى نصب عراقيل فى طريق رغبتهم فى التجنيس.
ومن جانب آخر تعكس المواقف من الإسلام التى يتخذها بعض الكتاب من معسكر اليسار تعبيرات غير معهودة. على سبيل المثال زعم هانز أولريش فيلر المؤرخ الاجتماعى الذى يصف نفسه باليسارى الليبرالى فى مقابلة صحفية لدى التعليق على مقولة صموئيل هنتينغتون حول نبوءته بصراع الحضارات، استحالة اندماج المسلمين مع النظام الدستورى الديمقراطى الحر لأنهم يتبنون ضربا من ضروب التوحيد النضالى الذى هم مستعدون للقتال فى سبيله، ذلك التوحيد الذى لا يتنكر لأصله المنحدر من موطن القبائل العربية البدوية المتحاربة.
تستنتج الدراسة التى قام بها بيلفليد ومجموعة من الباحثين أن الذين يحاولون رسم صورة خاطئة وسلبية للإسلام يمارسون التمييز ولذلك فإن الدولة الألمانية مطالبة قبل أى جهة أخرى بالتصدى بفعالية للتفرقة والتحيز، والعمل على التغلب على الأحكام المسبقة وهذا يشمل سياسة الثقافة والتربية مثلما يشمل سياسة الأمن الداخلى وقانون الإقامة وسياسة التجنيس وهذه المساهمة كما يرى بيلفيلد تقود إلى تبديد المخاوف السائدة إزاء الإسلام. كما يحمل وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة فى نقل المعلومات والآراء الصحيحة وضبط الأقلام التى ليس لها هم سوى التحريض على الإسلام والمسلمين، ويرى فى النهاية أن الإسلام أصبح عنصرا دائم الوجود فى المجتمع الألماني.