المدينة هي المكان المعروف جوانبها جغرافياً، والمدينة جزء مكون لوحدة أكبر منها وهي الدولة، والتي بدورها تتكون من مجموعة مدن مرتبطة بعضها مع البعض إدارياً وثقافياً، كما ان المدينة هي أيضاً تتكون من مجموعة وحدات سكانية أصغر منها حجماً وادارة وجغرافية (الأقضية والنواحي والقرى والأرياف).
هذه هي المدينة بالمفهوم المعاصر، أما المدينة أيام أفلاطون وارسطو كانت تطلق على الدولة أو السلطة الحاكمة، فكانت لا تعلوها شيء، ثم تغير المفهوم إلى أن وصل إلى يومنا هذا.
وللمدينة المثالية أو الفاضلة شروط وأوصاف ذكرها الفلاسفة وعلماء أهل الكلام، ومن اشتغل بسياسة المماليك في القدم، والمدينة المنورة كانت يثرباً من قبل ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) غيره إلى المدينة وامتازت بجملة قيم عليا أصبحت نبراساً للبشرية فيما بعد.
فهذه المدن قديماً وحديثاً يفترض أن تكون المكان الآمن للعيش وقضاء هذه الفترة الزمنية التي يبقى الإنسان في المرحلة الثالثة من سفره نحو الخلود.
القبر هو البيت الذي يسكنه بني آدم أجمعين (من أنعم الله عليه ورزقه هذا البيت) في المرحلة الرابعة من عمره (البرزخ)، ومجموعة من القبور يكونون مقبرة، وهذه المقبرة مدينة من الأرواح أو من الذين كانوا يسكنون هذه المدن التي فوقها، ولكن هؤلاء قضوا نحبهم وانتقلوا بأمتعهم إلى مدينة أخرى ولكن تحت الأرض.
كما أن بيوت الدنيا تختلف من حيث الإنارة والجمال والنفع و...الخ، وكذلك هو حال القبور، فكم من أشخاص أصحاب قبر واحد تكون على رفاتهم مدينة للأحياء فوقهم [وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً] (الكهف:21).
(الكربلاء والكاظمية والأعظمية و...) مدنٌ مكتظة بالسكان وحادي لأرواح الكثيرين من الأحياء بسبب ساكنيها من الأموات وليس الأحياء، عليه فان هذه القبور بنيت فوقها مدنٌ حية، بخلاف اليوم المدن الحية تتحول الى القبور بسبب الإرهاب وضيق الفكر وقبول الآخر والحرب على الدنيا أو من أجل الدنيا باسم الدين وأشياء أخرى.
وقد روي عن الحسن البصري قوله (كم من الأموات تحيا القلوب بذكرهم، وكم من الأحياء تموت القلوب بذكرهم)، اذا كان هذا في ذكر الأشخاص فكيف بذكر مواطن الأموات (القبور) ومواطن الأحياء، عليه أقول بأنه (كم من المدن غدت مقابر للأحياء وكم من المقابر أضحت مدناً للأموات)، وهذا هو حال العراق والعراقين أحياءاً وأمواتا.