معطيات عامة:
يقدر علماء النبات ان هناك اكثر من مئتين وخمسين الف ( 250,000) صنف نبات على وجه البسيطة, وقد تم تصنيف حوالي تسعين بالمئة من مجملها تصنيفاً علمياً. معنى ذلك أنه ما زال هناك أكثر من خمسة وعشرين الف صنف لم يتعرف عليها العلم الحديث بعد.
ووفقاً للتقديرات فأن حولي 2-5 % من مجمل النباتات قد تم استخدامها تراثياً في نطاق العلاج ومقاومة الامراض. لكن الامر مختلف في حالة الطب العربي, حيث تصل نسبة النباتات الطبية الى أكثر من 20 % من مجمل النباتات في الوطن العربي. ففي فلسطين, على سبيل المثال, ينمو أكثر 2600 صنف نباتي ( وهذا عدد هائل لبلد صغير المساحة ) حيث أحصينا أكثر من 200 نبتة تستخدم طبياً بشكل أو باخر من عينة شملت حوالي 800 صنف. من الواضح أن هذا التنوع النباتي ناشئ عن الطبيعة المناخية المميزة لبلادنا بشمالها الأخضر وجنوبها الصحراوي وخاصرتيها الزرقاء (البحرية) والغائرة تحت البحار (الأغوار).
جدير بالذكر أن 70 % من الادوية الحديثة مصدرها من المواد الطبيعية ( بما فيها المضادات الحيوية), وأن 40 % أصلها من النبات.
تدل المعطيات الأخيرة أن 121 نوع دواء متداول حالياً مأخوذ مباشرة من النبات مثل : المورفين, الكينين, الاتروبين , الكودائين ..... الخ. وللتدليل على سرعة اتساع هذا المجال وكونه أحد أهم روافد التصنيع الدوائي نذكر أنه في سنة 1985 تم اكتشاف وفصل 3500 مادة كيميائية جديدة كان من بينها 2619 مادة من اصل نباتي.
فارمكولوجيا المركبات الثانوية في النباتات.
الغالبية العظمى للمركبات الدوائية المستخلصة من النبات تنتمي الى عائلة المركبات الثانوية, أي تلك المركبات التي لا يمثل وجودها شرطاً لاستمرار حياة النبتة كما هو الحال في المركبات الاساسية (البروتينات , الكربوهيدرات والدهنيات). ما دام الأمر كذلك لماذا اذن تنتج النبتة هذه المركبات فتهدر طاقة وعناصر كيماوية قد يكون لتوفرها ضرورة حاسمة لتطورها ونموها؟. كثيرة هي الافتراضات والتفسيرات التي القيت في فضاء هذه التساؤلات, فمنهم من رد ذلك لحكمة ربانية تؤمن للمخلوق الأرقى (الانسان) لوازم مجابهة الامراض والآفات وغيرها, في حين ذهب الباحثون المتخصصون الى اعتبارها تنطوي على أهمية دفاعية للنبتة ذاتها من الامراض ومسبباتها, فضلا عن استعمالها هجوميا لتأمين أفضلية في ساحة التنافس والبقاء. هذا الاعتقاد يلقى دعما أكيدا من حقيقة أن بعضا من هذه المواد قادر على قتل أو تعطيل تطور حياة الجراثيم والفطريات, الفيروسات, الحشرات الضارة والديدان وحتى تحليل ومن ثم تحييد أذى المواد السامة. بعض المتحفظين على هذا التفسير يعززون شكوكهم من كون حضور تلك المركبات الثانوية متغيرا وفقا للظروف المناخية والبيئية (باستثناء قوة الاضاءة), فارتفاع درجة الحرارة يرفع من تركيزها, تغيير بوتيرة ريها بالماء يؤدي هو بدوره لتغيير تراكيزها وكذلك هي بعلاقة طردية مع كمية التسميد. أحد أبرز وأطرف أنظمة الدفاع والمنافسة النباتية في المحيط المباشرهي تلك الظاهرة المعروفة باسم "اليلوباثيا" (Allelopathy ). تتواتر هذه الظاهرة, على وجه التعميم, في عالم النباتات الصحراوية حيث شح الماء والعناصر الضرورية وقلة المتبقيات العضوية المتعفنة. ازاء هذا المعطى البيئي الصعب تفرز جذور تلك النباتات مواد تؤثر في عمليات الاستقلاب الغذائي لبذور ونبات محيطها المباشر بحيث تقمع تطورها ونموها فتستحوذ هي على مستلزمات حياتها دون مشاركة او تنافس. فعالية المركبات الثانوية التي تفرزها الجذور تتوزع على طيف واسع من الأهداف والمواقع, فمنها موجه لقمع انبات البذور أو منع انقسام الخلايا أو تعطيل تنفسها الخلوي أو تغيير نفاذية الاغشية الخلوية أو قطع تناغم عمليات التمثيل الضوئي أو تعطيل نشاط انزيمات ومستقبلات وأقنية للأيونات, بل ويتعداه الى أساليب هجوم غير مباشرة مثل قتل جراثيم هي ضرورية لتطور النبتة المجاورة المنافسة والتي تتعايش معها ضمن نظام تكافلي (سمبيوزا) فيه تؤمن الجراثيم النيتروجين الحيوي للنبتة, بينما تحصل هي على الغذاء العضوي المصنع. من المهم الاشارة في هذا السياق أن المركبات الثانوية التي يستخدمها الانسان كدواء تحقق فعلها العلاجي بصورة مشابهة لما ذكر: أي بتأثيرها على انقسام الخلايا وعمليات استنساخ المواد الوراثية (DNA, RNA), نفاذية الاغشية الخلوية, ألانزيمات والمستقبلات والأقنية الأيونية ...ألخ.
لكي لا نفهم بصورة خاطئة فانه يستوجب التاكيد انه لا يقتصر استخدام الانسان للمركبات الثانوية على العلاج فقط, بل يتعداه الى مجال ابادة الآفات الزراعية (مطلوب بالذات في مجال الزراعة العضوية), التجميل (الألوفيرا..), التوابل, دباغة الجلود والالوان (سماق), مخدرات (هيروئين), تدخين (نيكوتين), مشروبات منعشة ومنبهة (الكافئين, اثيوبرومين), تحسين الاصناف الزراعية وغيرها.
كيمياء المركبات الثانوية.
يقسم الكيميائيون المركبات الثانوية الى خمس مجموعات اساسية لكنها لا تخلو من التداخل فيما بينها:
أ) جليكوزيدات ب) فينولات ج) كينونات د) ايزوبرينوئيدات ه) قلويات
1. الجليكوزيدات glucosides
وهي مركبات مشكلة من جزيء فعال يسمى " أجليكون " Aglycone وجزء أخر سكري, ويمكن الفصل بينهما بطرق انزيماتية أو بكشفها لوسط حامضي. باستثناء الجليكوزيدات القلبية فأن الاجليكون يصبح فعالاً بعد انفصالة عن المجموعة السكرية. رغم أن "الاجليكون" متغير الا أنه غالباً ما يكون مشتركاً في العائلة النباتية الواحدة. فمثلاً في العائلة الوردية هو سيانوفورم وفي العائلة الصليبية هو كبريت.
نماذج بارزة لأدوية جليكوزيدية: ديجوكسين, خلين.
"خلين Khellin," مادة جليكوزيدية مصدرها نبتة الخلة – التي تنمو برياً في بلادنا وهي أساس لدواء حديث ينتمي لمجموعة الأدوية المقاومة للحساسية. يذكرأنه تم ايضاً استخراج البسورالين من "الخلة" حيث تستخدم لمعالجة مرض الصدفية الجلدي (Psoriasis). هذه النبتة كانت قد عرفت في تراثنا العربي الاسلامي من قبل وتم استخدامها لنفس الاهداف, أي لمعالجة الامراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي مما يؤكد أهمية الاعتماد على التراث لتطوير أدوية حديثة.
"ديجوكسين Digoxin" مادة دوائية مصدرها نبتة ال- Digitalis ويستعمل لعلاج الفشل القلبي
تضم الجليكوزيدات ثلاث مجموعات اساسية وهي :
1.1. الصابونيات : فيها " الاجليكون" هو ستيروئيد أو تريتربنوئيد. طعمها مر وباختلاطها بالماء تشكل فقاعات صابونية وهي قادرة على اذابة أغشية خلايا كريات الدم, لذا يحظر حقنها مباشرة لمجرى الدم.
الخواص الفيزيولوجية للصابونيات:
عند استخدامها بتراكيز منخفضة فهي جيدة لقطع البلغم, ولكنها تؤدي الى التقيؤ حين تؤخذ بتركيز عال. هناك صابونيات مدرة للبول, مقاومة للالتهاب وغيرها تؤثر على انقباض واتساع الاوعية الدموية, لكن الاستخدام الاكثر هو لمقاومة الجراثيم والفطريات (معقمة), لذا فهي مستخدمة لمقاومة امراض القصبة التنفسية, أمراض الجلد والمسالك البولية. هناك كثير من النباتات الغنية بالصابونيات مثل : القزحة ( حبة البركة), عصا الراعي, عرق الحلاوة وعرق السوس.
1.2. جليكوزيدات قلبية : فيها " الاجليكون " هو ستيروئيد, وخواصها الكيميائية مشابهة للصابونيات, لكنها تستخدم لعلاج مشاكل القلب وبالذات في حالة الفشل القلبي
Congestive Heart Failure, وذلك لكونها تقوي الانقباض السستولي دون الحاجة لرفع استهلاك الاكسجين, مما يعني ابطاء القلب وتقوية انقباضة. هذه الخواص الفيزيولوجية تم اكتشافها منذ القدم بحيث تمكنت قبائل افريقية وامازونية من استخلاص هذه المواد لتسميم سهامها في القتال والغزوات . أهم النباتات الغنية بالجليكوزيدات القلبية هي نبتة الديجيتاليس (Digitalis) التي استخلص منها الادوية المعروفة: .Digoxin, Gitoxin, Digitoxin.
يذكر أن شجرة " الدفلى " المعروفة في بلادنا غنية هي الاخرى بهذه المواد , ومنها تم
فصل مركب ال- Oleandrin.
1.3. جليكوزيدات دهن الخردل. فيها " الاجليكون " متعدد ومتغير مثل Thiocyanate Nitriles, واليها ينسب الطعم الخاص بالفجل والخردل واللفت.
دهن الخردل معقم وقاطع للبلغم لذا يستخدم لمعالجة امراض القصبة الهوائية , لكنه مهيج للجلد ومن هنا لا ينصح باستخدامه عليه مباشرة.