عبادة إسرائيل..تلك الظاهرة المخيفة فى أميركا

الذى تشير إليه كل المعطيات أن الأميركيين _ بشكل محزن حقا _ قد ارتدوا إلى نوع مطور من عبادة السلف التى عرفها الإنسان البدائى فى بداية رحلة البشرية إلى اكتشاف الدين.فالانسان الغربى،والأميركى بشكل خاص،قد أوصل عملية عبرنة الدين المسيحى ( التى بدأتها البروتستانتية واكتشفت مخاطرها الروحية والعقائدية بعد فوات الأوان ) إلى ذروتها المنطقية بعبادة من علمته البروتستانتية أنهم أسلافه الروحيون : اليهود.ولقد عبر مارتن لوثر عن ذلك تعبيرا بليغا بقوله إن الله رأ ى أن يكون انعامه بنعمة الدين على العالم من خلال اليهود وحدهم دون سائر البشر.تلك مسلمة رئيسية فى التدين الغربى المعبرن: أن اليهود وحدهم دون سائر البشر هم الحائزون للدين الحقيقى الذى أنعم الله به على العالم.أما المسلمة الجوهرية الأخرى من مسلمات ذلك التدين المعبرن والناجمة عن الإصرار على أن كل كلمة من كلمات التوراة وسائر أسفار العهد القديم صادقة ومعبرة عن واقع تاريخى وروحى لا يناقض لأنها ” كلمة الله التى لا تناقض ولا تدحض”،فهى _ مهما توارى العقل الغربى المعبرن فى متاهات التمويه اللاهوتى _ أن الله هو يهوه،وهو إله اليهود،بل هو الإله اليهودى،وخليقته _ أى العالم _ خليقة يهودية خلقت باليهود ومن أجل اليهود،وكما أكد مارتن لوثر ل “المؤمنين” يظل غير اليهود (أى المسيحيين،فيما يخصه) ضيوفا غرباء فى مأدبة ذلك العالم اليهودى بإله يهودى و “شعبه المختار الأخص”.0

ولقد يبدو من التركيز على البروتستانتية كما لوكان تحول الانسان الغربى بعبادته من الله إلى أسلافه الروحيين،اليهود،بعد ” موت إله نيتشه ” المعلن عنه فى الغرب بعامة على الرغم من كل مظاهر “التدين”،ظاهرة اقتصرت على معتنقى البروتستانتية.إلا أنه يكفى أن يتابع المرء صلوات الكنائس الكاثوليكية التى يصدح فيها المؤمنون على أصوات الأرغن “تهللى يا إسرائيل،وافرح يا عمانوئيل”،ومواعظ الأحد التى تلقى فى 99 % من المرات من أسفار العهد القديم وبخاصة سفر يشوع وغيره من أسفار “المجد العسكرى” لشعب الله المختار،كيما يدرك المرء أن التعبرن ظاهرة تخطت الحدود الفاصلة بين الكنائس الغربية ونفذت إلى صميم الروح وتشرب بها النخاع.بل هى _ فيما يتبين من مواقف “الرأى العام” وما يبدو أن المنظمات والاتحادات والمؤسسات تعتبره ضرورة حيوية من ضرورات التحضر _ قد تخطت حدود تلك الكنائس جميعا واجتاحت،شبه موجة مد،مختلف أنشطة الحياة العامة فى الغرب،وبخاصة فى أميركا،محدثة ما يبدو أن هناك اصرارا عنيدا لا يتزحزح ولا يحيد على تسميته ب “التعاطف” مع إسرائيل،أو “التحالف” مع إسرائيل،أو “الانحياز” إلى إسرائيل،أو بأية تسمية عدا التسمية الوحيدة التى تنطق بها المواقف الغربية، وهى “عبادة إسرائيل”.0

وابتداء،يظل العقل العربى غير قادر على الإلمام بنوعية تلك الخلفية والوعى بأبعادها وأغوارها،إن لم يكن لشىء فلعدم الإلمام بالنصوص الدينية والتاريخ الدينى لليهودية والمسيحية.إلا أنه يظل هناك عامل أعظم فعالية،هو الخوف من مواجهة ما يمكن أن يفضى الإلمام بنوعية تلك الخلفية والوعى بأبعادها وأغوارها إلى الوعى به من مترتباتها المحتومة،وهى أفظع من أن يطيق العقل العربى التفكير فيها.0

غير أن مثل هذا النوع من الطمأنينة الموقوتة والراحة الوقتية الذى يمكن الحصول عليه من خلال إغماض الأعين،وسد 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 16 ديسمبر 2015 بواسطة AHMED1996

احمد القاضى

AHMED1996
شخص لا ينحنى مرتين لكى يلتقط ما سقط منه ولا يجعل كرامته ارضا يداس عليها بل يجعلها سماء يتمنى الجميع الوصول اليها ويعلم المغرور ان لو كانت انفه ف سماء كبريائه فيعلم ان سماء كبريائه هذه تحت قدماى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

12,704