لم يعد الحديث عن اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة مجرد تخمين أو تحليل أو تحذير بل أصبح واقعا يفرض نفسه ،والأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في هذا الاتجاه. فالمواجهات الواسعة بين الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال في القدس الشرقية ومحيطها، وفي العديد من مدن وبلدات وقرى الضفة الفلسطينية المحتلة عام 1967، تؤكد أن الأوضاع بدأت تتخذ مساراً تصاعدياً وباتت خارج نطاق السيطرة ،وأن كرة النار- وليس كرة الثلج – تتدحرج بشكل متسارع وبلا كوابح نحو انتفاضة كاملة الأوصاف ستدهس الجميع في طريقها ولمدة أطول مما نتصور.

قد تكون انتفاضة 2015 ،وهي الثالثة في فصول المقاومة الفلسطينية ،مختلفة تماما عن الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987 والتي أحرجت الإسرائيليين واستطاعت أن تنتزع من الاحتلال مكاسب كبيرة بأكوام من الحجارة قبل أن يجهضها اتفاق أوسلو التي يعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مهندسه الأول،وقد تكون انتفاضة 2015 مختلفة أيضا عن الانتفاضة الثانية عام 2000 التي أشعلها شارون بتدنيسه الأقصى والتي فرملت عمليات التهويد الإسرائيلي للقدس الشرقية ، قبل أن يوقفها اتفاق هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قمة “شرم الشيخ”.

لكن انتفاضة 2015 تبدو في النهاية صورة ملحة من تاريخ النضال الفلسطيني عنوانها الدفاع عن الأقصى ومواجهة الاستيطان والقمع والاعتقالات ومصادرة الأراضي والحصار وهدم البيوت..وعلى حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل ،برئاسة نتنياهو ،أن تتحمل نتيجة أعمالها ومخططاتها وسياساتها وتواجه مقاومة شعبية خسرت كل شيء ،وقدمت كل شيء بعد ربع قرن من المفاوضات ومشاريع التسوية الضحلة،وبالتالي لم يبق لديها ما تخسره ،مما خلق قناعة لدى غالبية الفلسطينيين بأن انتفاضة ثالثة هي الحل.

الانتفاضة الثالثة ستستفيد حتما من التجربتين السابقتين وستعرف تغيرا في الأداة وتحديثا في الاستراتيجية ،بدأت باستخدام السكاكين ومن يدري قد تنتهي بإطلاق الصواريخ

وإذا لم تشهد الانتفاضة الأولى والثانية تطورا كبيرا في أدوات المقاومة الفلسطينية و التي كان أبرزها الحجارة والزجاجات الحارقة ،فإن الانتفاضة الثالثة يبدو أنها ستستفيد من التجربتين السابقتين وستعرف تغييرا في الأداة وتحديثا في الاستراتيجية ،بدأت باستخدام السكاكين ومن يدري قد تنتهي بإطلاق الصواريخ ،خاصة وان المواجهات أصبحت نمطا يوميا متكررا في المدن الفلسطينية ،وهو ما يعني أننا أمام حالة جديدة وجيل فلسطيني جديد يبدو أنه نفس الجيل الذي رضع حليب الانتفاضة الثانية قبل 15 سنة. فما هي ظروف هذه الثورة الجديدة وأبعادها المحلية والدولية ،وهل سيكتب لها النجاح في فرض منطقها وخطابها أم ستُقبر في مكان ما ،كما حدث لسابقاتها في أوسلو وشرم الشيخ.

أولا: هذه الانتفاضة تتزامن مع حالة من اليأس والإحباط لم تصب العالم العربي ربما منذ هزيمة حزيران ،خاصة بعد أن فشلت ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها. وهو ما يعني أن ما يحدث للشعوب العربية لا ينطلي على الشعب الفلسطيني.

ثانيا: تأتي في ظروف دولية لم يعد يحتل فيها الشأن الفلسطيني اهتماما بالغا لدى المجتمع الدولي ،اللهم إلا مشاعر القلق المزمنة لدى بان كي مون ،وهو ما من شأنه أن يحرك الأسرة الدولية من جديد نحو القضية الفلسطينية.

ثالثا:هي محاولة تصدي للسياسات الإسرائيلية التي تمادت في تطبيقها في السنوات الأخيرة ،خاصة ما يتعلق بالاستيطان والاعتداءات على المسجد الأقصى ،وهو الأمر الذي يعني أن القمع الاسرائيلي لا يمكن أن يجلب أمنا ولا سلاما.

رابعا: الانتفاضة رسالة واضحة للمجتمع الدولي تفيد بفشل كل مشاريع التسوية التي سهر على رعايتها لتصطدم بإرادة شعبية ترفض الاحتلال والقهر والعنصرية كما ترفض اليوم تغيير الجغرافيا مثلما رفضت بالأمس تزييف التاريخ.

خامسا: مفهوم الانتفاضة يعني شيئا واحدا لدى الاحتلال هو زعزعة استقرار القوة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي ،وهو أمر قد ينجر عنه مضاعفات عديدة:

  • صداع يومي للمؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
  • تهديد واضح وخطر متواصل ومتكرر لأفراد الجيش والشرطة والمخابرات وجموع المستوطنين.
  • استنزاف للموارد البشرية والمادية.
  • وقف عجلة التنمية وتعطيل العديد من المشاريع الاقتصادية.
  • رفض أي نمط من أنماط مشاريع التسوية في المنطقة.
  • حالة عدم الاستقرار ستؤدي بالضرورة إلى وقف هجرة اليهود في العالم إلى إسرائيل مما سيؤثر على سياسة الاستيطان ،كما ستؤدي أيضا إلى زيادة معدل الهجرة المعاكسة من إسرائيل.
  • حالة الخوف المستمر سيكون لها آثارها على الهيئة الانتخابية وما ينجر عن ذلك من توازنات سياسية على مستوى الأحزاب والمؤسسات الرسمية.
  • صمود الانتفاضة سيكون له تداعيات وعواقب على المستوى الدولي والإقليمي.
  • ورقة ضغط فلسطينية في المفاوضات وفي حالة وجود مشروع تسوية ما من شأنها أن تدفع نحو قضايا الوضع النهائي.
  • تزايد مخاوف الطرف الإسرائيلي بأن الانتفاضة فعل شعبي لا علاقة له بالسلطة أو الفصائل الفلسطينية ،ما يعني احتمال عدم السيطرة عليها وبالتالي عدم الالتزام بخط التسوية والمفاوضات الذي تحتاجه إسرائيل لخلق الاستقرار. وقد كان أبومازن بالغِ النعومة في خطابه الأخير بالأمم المتحدة حين أشار إلى أن الأمور اقتربت من أن تفلت من يده.

الأكيد أن إسرائيل تكون قد بدأت فعليا الاستعداد لمواجهة مثل هذه الانتفاضة والبحث عن مكنزمات للتكيف مع مضاعفاتها المحلية والدولية والإقليمية ،فهل الأطراف الفلسطينية والعربية مستعدة هي الأخرى للانفجار الفلسطيني القادم أم ستتعرض لصدمة كبرى وهزة قوية بعد أن تكتشف أن هناك فرق في قياس السرعة بين الطرفين ،لأن الشباب الفلسطيني لن ينتظرها ولن يرحمها.

المصدر: اسلام اون لاين
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 130 مشاهدة
نشرت فى 16 ديسمبر 2015 بواسطة AHMED1996

احمد القاضى

AHMED1996
شخص لا ينحنى مرتين لكى يلتقط ما سقط منه ولا يجعل كرامته ارضا يداس عليها بل يجعلها سماء يتمنى الجميع الوصول اليها ويعلم المغرور ان لو كانت انفه ف سماء كبريائه فيعلم ان سماء كبريائه هذه تحت قدماى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

12,715