http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

الدبلوماسية المغربية في قلب العاصفة..

المساء: أكتوبر 11، 2015، العدد: : 2803 غياب استراتيجية واضحة واحتكار الدولة للشأن الخارجي

الدبلوماسية المغربية اليوم في قلب العاصفة، ليس هناك مؤسسات تتعرض للانتقاد وتحت مجهر الفحص والتمحيص السياسي والإعلامي والأكاديمي أكثر من تلك التي تشرف على تدبير علاقات بلدنا الخارجية. لكن ما هي هذه المؤسسات التي تتولى أداء المهمة الدبلوماسية؟ عادة كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، بل وحتى الأفراد يمكنهم أن يلعبوا أدوارا دبلوماسية لصالح بلدانهم. الجمعيات والأحزاب والمنظمات النقابية وهيئات المجتمع المدني والبرلمان والاتحادات المهنية كلها يمكنها أن تلعب هذا الدور إلى جانب الوزارة الوصية. لكن يبدو في حالة المغرب أن الدبلوماسية الموازية ليس لها من الأمر شيء منذ أن أصبحت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون شأنا سياديا تديره الدولة وترسم استراتيجياته وتتخذ قراراته. هذا الاحتكار للشأن الخارجي لم يسمح بأن تلعب كل الهيئات التي أشرنا إليها أدوارا دبلوماسية دفاعا عن المصالح الوطنية وانتصارا للحقوق والقضايا القومية باستثناء بعض المشاركات المناسباتية التي كانت تستدعى إليها.

إذا كان هذا حال الدبلوماسية الموازية ماذا عن الدبلوماسية الرسمية؟ دستور 2011 احتفظ للمؤسسة الملكية باختصاصات واسعة في هذا الإطار وضمن الاستمرارية في النهج المتعلق بالشأن الخارجي. الملك محمد السادس يفعل هذه الصلاحيات ويمارس أدوارا دبلوماسية فعلية، جولاته الإفريقية المنتظمة، على سبيل المثال، يعتبرها كثير من المراقبين هجوما دبلوماسيا نموذجيا بالنظر إلى الموقع الذي أصبحت تضمنه للمغرب في كثير من البلدان الإفريقية وخصوصا في غربها. هذه الدبلوماسية الملكية في إفريقيا تستثمر فيها كثير من الدعامات الروحية والاقتصادية والسياسية لسد فراغ كبير وفجوة عميقة خلفها الانسحاب الرسمي للمغرب منذ بداية الثمانينيات من منظمة الوحدة الإفريقية.
وإذا كان النجاح في إفريقيا مرده وضوح الرؤية والاستناد إلى استراتيجية
بأهداف وإمكانيات محددة، فماذا عن الجهود الدبلوماسية في باقي مناطق العالم؟ في الخليج العربي الذي تربطه بالمغرب روابط تاريخية عريقة يمارس المغرب دبلوماسية التحالف التي قادته في النهاية إلى المشاركة في حرب طاحنة إلى جانب المملكة العربية السعودية في إطار ما سمي بعاصفة الحزم. ومن الطبيعي أن يجني المغرب بعض المكاسب من هذا التحالف الاستراتيجي مع الخليج، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، لكن لقد آن الأوان لتقييم حقيقي للربح والخسارة في هذا الارتباط بدول الخليج العربي. التقييم وإعادة النظر هو ما تحتاجه ولا تمارسه الدبلوماسية المغربية بين الفينة والأخرى. لهذا تجد نفسها باستمرار في مواجهة مفاجآت غير سارة كتلك التي تجسدها الأزمة الأخيرة مع دولة السويد التي تستعد للاعتراف بالجمهورية الوهمية.
يجب ألا ننسى أن جل الجهود الدبلوماسية للمغرب تتركز على الدفاع عن قضية
الوحدة الترابية وملف الصحراء المغربية، وربما كان هذا التركيز من آفات تدبير علاقاتنا الخارجية التي أنهكت قواها وطاقاتها في التفكير في كيفية معالجة هذه القضية، متجاهلة حقيقة أساسية مفادها أن العلاقات الخارجية لبلد ما لا تقتصر على قضية واحدة أو ملف واحد، بل تمتد إلى كل شؤونه ومصالحه الأخرى وعلى رأسها، مثلا، المصالح الاقتصادية. هذا ما يفسر على سبيل المثال غياب الأثر الدبلوماسي في حماية المصالح الاقتصادية الوطنية وتعتبر العلاقات الاقتصادية مع إسبانيا والاتحاد الأوربي، وخصوصا في قضايا الثروة السمكية وقضايا الفلاحة والتجارة، واحدة من الأمثلة التي تعكس هذا الغياب والعجز الذي ينعكس على المفاوض المغربي المستعد دائما للتفريط في كثير من الحقوق من أجل ضمان الاستقرار والاستمرارية في قضية الوحدة الترابية. لقد تحولت هذه القضية بالنسبة للدبلوماسية المغربية إلى منشط ومثبط في الآن نفسه.

هذا المفاوض أو الدبلوماسي يشكل بدوره لغزا في مؤسساتنا الدبلوماسية. لا أحد يعرف من أين يتخرج سفراؤنا وقناصلنا، ليؤدوا رسالتهم في حماية والدفاع عن مصالح الوطن ومصالح أبنائه في بلدان غربتهم. في الغالب يعين بعض النشطاء السياسيين أو الحقوقيين أو بعض الأكاديميين في بلدان بعيدة من باب نفيهم وإبعادهم، وأحيانا مكافأة لبعضهم دون أن يتأكد أن لهم من الكفاءة السياسية والعلمية ما يضمن أن يؤدوا رسالتهم بنجاح. يمكن في هذا الإطار أن نشير إلى غياب مؤسسة تكوينية خاصة بتأهيل وإعداد سفراء وقناصل المستقبل كما هو الأمر في بعض البلدان التي تحترم التخصص والمعرفة. غالبا ما يعين هؤلاء السفراء بناء على كوطا محددة سلفا تراعي انتماءاتهم الحزبية أو الجهوية وآخر ما تراعيه لدى المرشحين هو قدر الكفاءة والرؤية الدبلوماسية التي يمتلكونها. فالتعيين في السفارة إما أن يكون عقابا ونفيا، أو شرفا ومكافأة.

يجب، إذن، أن نطرح سؤالا بسيطا وواضحا: هل تمتلك الدولة استراتيجية واضحة في تدبير العلاقات الخارجية بشكل مجمل وليس فقط تدبير ملف الوحدة الترابية؟ من الصعب الفصل بين الشأنين طبعا، لكن من المفيد لنا أن نتساءل عن الالتزام الرسمي بهذا الشأن لأن وجود استراتيجية أو غيابها هو الذي يحدد مآلات كل المصالح الوطنية بما فيها قضية الوحدة الترابية. على سبيل المثال، نهجت دولة صاعدة مثل تركيا، قبل بضع سنوات، سياسة خارجية تحت عنوان «صفر مشكلات» من أجل تصفية أجوائها مع الجيران وباقي بلدان العالم وفتحت حدودها على مصراعيها فحققت من هذه الاستراتيجية مكاسب اقتصادية وأمنية وسياسية واسعة. فما هو عنوان الاستراتيجية التي تمتلكها إذن الدولة المغربية لضمان المصالح الوطنية وحمايتها؟

الدبلوماسية في ميزان الاختبار بين التبعية والحسم = من جزيرة ليلى إلى أزمة الحموشي

في 11 يوليوز 2002 توقفت عقارب الساعة بين مدريد والرباط عندما أدى إنزال بضعة جنود من القوات المسلحة الملكية على جزيرة ليلى في البحر الأبيض المتوسط إلى غضب الجارة الإيبيرية التي ردت بشكل عدواني ومتعال وقامت باعتقال الجنود ونزع العلم المغربي من على أرض الجزيرة. لقد كان هذا الحادث إيذانا بأزمة عميقة في العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا تنضاف إلى سجل طويل من الأزمات والخلافات حول كثير من القضايا والملفات لطالما تم تصعيدها في بعض الأحيان أو طمسها والتغطية عليها في كثير من الأحايين. وبغض النظر عن الأبعاد الجيوستراتيجية بعيدة المدى للمبادرة المغربية بممارسة السيادة على جزيرة تقع على مشارف السواحل الشمالية، فإن هذه الحادثة كانت اختبارا حقيقيا للدبلوماسية المغربية وكشفت إمكانياتها ومخزونها السياسي الدولي.

أزمة ليلى.. أمريكا تنقذ ماء الوجه

مباشرة بعد اندلاع الأزمة بدأت معالم الصراع الدبلوماسي تظهر في الأفق، ورغم أن إسبانيا بادرت إلى رد قوي أعاد الوضع إلى ما كان عليه قبل أن يمارس المغرب سيادته على جزيرة ليلى، إلا أنه سرعان ما تبين أن الجارة الإيبيرية لم تكن مستعدة للتصعيد في هذه القضية. استفادت إسبانيا بسرعة من التفاف دول الاتحاد الأوربي برئاسة الدنمارك حينها حيث كان الموقف الأوربي مؤيدا لإسبانيا ودعا المغرب إلى الانسحاب من الجزيرة المذكورة. كان على رأس الدبلوماسية الإسبانية حينها الوزيرة آنا دي بلاثيو في حكومة يمينية يرأسها خوسي ماريا أثنار، بينما كان على رأس وزارة الشؤون الخارجية في الرباط وزير الثقافة الأسبق محمد بنعيسى، الذي ظل دوره في هذه الأزمة عابرا وباهتا. وإلى جانبه كان كاتب الدولة في الشؤون الخارجية الطيب الفاسي الفهري الذي سيصبح لاحقا وزيرا للشؤون الخارجية.

بدا الموقف المغربي في البداية ضعيفا، بل ومهينا خصوصا بعد اعتقال الجنود المغاربة وطردهم من الجزيرة، كما أن حياد فرنسا الملزمة بالاصطفاف الأوربي إلى جانب إسبانيا جعل الدبلوماسية المغربية حينها تعيش على إيقاع فشل وهزيمة محتملة في هذه القضية التي حركت الكثير من المياه الراكدة. تفاقمت الأزمة بين البلدين وتم سحب السفراء بشكل متبادل وبدأت المنطقة تحبس أنفاسها تخوفا من احتمالات تصعيد عسكري بين البلدين في غياب اتفاق ودي. وعندما بلغت الأزمة ذروتها وتعنتت إسبانيا أكثر في إهانتها للمغرب كان لا بد من توظيف ورقة أكبر تحسم الأزمة وتعيد قدرا من الكرامة المهدورة. فلم يكن هناك بد من إقحام الولايات المتحدة الأمريكية التي تربطها بالمغرب علاقات دبلوماسية قوية، إذ كانت تعتبر المغرب حينها حليفا استراتيجيا، خصوصا في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب. كان المغرب قد نجح إعلاميا ودبلوماسيا في إظهار إسبانيا بمظهر المستعمر الذي لا يزال مصرا على التشبث بتركته الاستعمارية خصوصا أن تصريحات الدبلوماسيين حينها كانت كلها تنحو نحو التصعيد وتعتبر ما قامت به إسبانيا بمثابة إعلان حرب.

بعد أن استنفد الطرفان مخزون مناوراتهما الدبلوماسية جاء تدخل وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ليحسم الأزمة. صاغ رئيس الدبلوماسية الأمريكي اتفاقا مبدئيا وعرضه على الطرفين بعد سلسلة من الاتصالات الهاتفية المستعجلة بينه وبين الملك محمد السادس وخوسي ماريا أثنار. تبين لكولن باول أن كلا الطرفين مصر على موقفه وأنه من الضروري المسارعة إلى تحقيق قدر من الهدوء قبل أن تتفاقم الأوضاع. أسفر الاتفاق في النهاية عن تراجع إسبانيا والمغرب عن التواجد عسكريا أو أمنيا بالجزيرة وإدراجها في برنامج مفاوضات لاحقة لينهي بذلك فتيل الأزمة الأكثر تصعيدا بين البلدين. ورغم الإهانة التي أحس بها المغاربة في بداية الأزمة جراء التعامل الإسباني المتعجرف إلا أنهم سرعان ما استعادوا جزءا من كبريائهم بعد أن أجبر الطرف الآخر على الجلاء عن أرض الجزيرة بفضل التدخل الأمريكي.

غدر أمريكا.. داوود ضد جالوت

في أبريل 2013 كان مجلس الأمن الدولي يستعد لمناقشة مشروع قرار بخصوص الوضع في الصحراء ومستقبل بعثة المينورسو فيها. قبل هذه المحطة ببضعة أسابيع تحدثت بعض الأنباء والآراء عن احتمال استجابة مجلس الأمن لمطالب روجتها الجزائر وجبهة البوليساريو تتعلق بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لكي تشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان بدل أن تقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار كما هو منصوص عليه في قرار إنشائها. لم يكن الرسميون في المغرب يستهينون بهذه الأنباء السابقة لموعد اتخاذ قرار مجلس الأمن، فقد كانوا يدركون أن هناك شيئا ما يتم التحضير له في الخفاء. لكن لم يكن هؤلاء يدركون أن توظيف هذه المطالب قد يأتي من حليف استراتيجي لطالما اعتمد عليه المغرب في دعم موقفه بهيئة الأمم المتحدة.

كانت الدبلوماسية المغربية مطمئنة للموقف الفرنسي الثابت الذي لا يتغير بخصوص ملف الصحراء، لكن بالمقابل كانت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن تستعد لتفجير مفاجأة غير سارة. سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، تأثرت كثيرا بتقرير المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الذي كان مشحونا بقصص حقوق الإنسان وروايات النشطاء الانفصاليين ودسائس المخابرات الجزائرية، فقررت أن تتبنى بحماس لم تزن تبعاته جيدا توصية تقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو. كانت هذه التوصية بمثابة انقلاب كامل في الموقف الأمريكي من قضية الصحراء وكانت ستمثل بالنسبة إلى المصلحة الوطنية والوحدة الترابية تهديدا حقيقيا. وبمجرد أن ظهرت جدية المقترح الأمريكي تعبأت الدبلوماسية الموازية وتم التعبير عن وحدة الجبهة الداخلية إعلاميا وسياسيا وشعبيا في مواجهة هذا المقترح، وبدأت محاولات جادة لثني الأمريكيين عن موقفهم الذي استغل فتورا مزمنا كانت تعيشه الآلة الدبلوماسية المغربية المرتكنة إلى مقترح مبادرة التفاوض من أجل الحكم الذاتي في الصحراء.

جاء التحرك الدبلوماسي المغربي تصعيديا، فبعد التعبير الشعبي والإعلامي والتعبئة غير المسبوقة في مواقف كل الهيئات المدنية والسياسية، تحركت الدبلوماسية الملكية وتم اتخاذ قرار أولي بإلغاء المناورات العسكرية المغربية الأمريكية المعروفة بـ«الأسد الإفريقي» والتي تجرى سنويا في الأقاليم الجنوبية. ورغم الجرأة التي مثلها هذا القرار في مواجهة أمريكا، بدت الدبلوماسية المغربية وكأنها تخوض معركة داوود ضد جالوت. فالإدارة الأمريكية المعقدة لا تكاد تسمع صوت بلد مثل المغرب رغم كونه حليفا من حلفاء الحرب على الإرهاب. لم يكتف المغرب بالتصعيد الداخلي وإلغاء المناورات، فقد انتقلت المعركة إلى تجييش حلفاء المغرب في الخليج العربي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين كان لهما دور كبير في التأثير على المقترح الأمريكي. وإلى جانب الدول العربية جندت الاتصالات الدبلوماسية التي تم إجراؤها عواصم عالمية أخرى كموسكو وبكين وباريس إضافة إلى شخصيات دبلوماسية دولية كان على رأسها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي لعبت بدورها دورا مهما في التراجع عن المقترح الأمريكي.

لقد استخلص المراقبون من هذه الأزمة العابرة بين الولايات المتحدة والمغرب حول الموقف من قضية الصحراء دروسا مهمة كان أهمها أن قدرة المغرب على التأثير في علاقاته الخارجية، كما برز ذلك في هذه الأزمة، لا تنفي أن الدبلوماسية المغربية تعاني من هشاشة مزمنة تجعلها محتاجة باستمرار إلى دعم خارجي ومتوقفة عليه بشكل يحرمها من استقلالية القرار والتأثير وبالتالي ضمان المصالح الوطنية.

فرنسا.. أحبك لا أحبك

لم تمر العلاقات المغربية الفرنسية بأزمات كتلك التي راكمتها في غضون السنتين الأخيرتين، والتي بلغت حد استدعاء السفراء واستفسارهم وتوقيف بعض أشكال التعاون ومن أهمها اتفاقية التعاون القضائي. عندما بدأت الأزمة لم تكن في الحقيقة إلا إعلانا رسميا عن توجه كان متوقعا منذ صعود الاشتراكيين للحكم في فرنسا. فوجود رئيس اشتراكي في قصر الإيليزيه يعني دائما معاناة للشريك المغربي. في فبراير 2014 كشفت فرنسا الجديدة عن نواياها تجاه المغرب عندما زار مجموعة من رجال الشرطة مقر إقامة السفير المغربي بباريس لإبلاغه باستدعاء قضائي لعبد اللطيف الحموشي، الذي كان حينها يرأس مديرية مراقبة التراب الوطني، بناء على ثلاث شكايات تتعلق بتهم التعذيب. كانت هذه الحادثة الأولى في لائحة طويلة من الاستفزازات الفرنسية التي شملت تصريحات مهينة ضد المغرب من طرف السفير الفرنسي في واشنطن، ثم تعرض وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار لتفتيش لم يراع حصانته الدبلوماسية.

هذه الأحداث أخرجت النهج الدبلوماسي الجديد الذي اختلف عما سبق. لقد تم بسرعة تصعيد الموقف وقرر المغرب تعليق اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا. وبسرعة ساهمت الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها باريس عندما وقع الهجوم على مقر صحيفة «شارلي إيبدو» في تجدد النقاش حول احتمالات إنعاش العلاقات بين البلدين. ورغم أنها تشكل بالنسبة للمغرب الشريك الاقتصادي وحتى السياسي الأول، لم يظهر النهج الدبلوماسي المغرب أي علامة من علامات الرضوخ أو التراجع فيما يخص الرد على إهانات فرنسا. وتجاهلت

قمة أديس أبابا.. ضريبة المقعد الشاغر

تعتبر الجهود الدبلوماسية التي يحرص عليها الملك محمد السادس بانتظام في ما يخص الانفتاح على العمق الإفريقي وتطوير التعاون جنوب-جنوب، جزءا من استراتيجية لتعويض الفراغ الكبير الذي خلفه قرار المغرب سنة 1984 الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية. ففي نونبر 1984 انعقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا القمة العشرون لمنظمة الوحدة الإفريقية بحضور ومشاركة المغرب. في هذه القمة ستتلقى الدبلوماسية المغربية صفعة قوية بعد أن انتهت الجزائر بدعم من بعض حلفائها في المنظمة من فبركة ملف الاعتراف بعضوية الجمهورية الصحراوية المزعومة، والذي بدأت فصوله منذ قمة فريتاون سنة 1980.

وبينما رأى بعض المراقبين أن خروج المغرب من المنظمة حينها كان ضرورة وحتميا بالنظر إلى أنه لا يمكن أن يقبل الجلوس جنبا إلى جنب ويتساوى مع منظمة انفصالية تنازعه سيادته وشرعيته التاريخية في صحرائه، اعتبر بعضهم الآخر أن قرار الانسحاب من المنظمة كان خطأ دبلوماسيا ينضاف إلى خطأ قبول مبدأ الاستفتاء بالنظر إلى أن خروج المغرب من إفريقيا ترك المجال واسعا أمام الجزائر للترويج للأطروحة الانفصالية وانتزاع المزيد من الاعترافات بصنيعتها البوليساريو. ولم يتبين على الأقل في فترة الثمانينيات والتسعينيات أن سياسة المقعد الشاغر التي نهجها المغرب تجاه المنظمة الإفريقية قد آتت أكلها بالنظر إلى تواصل التعبئة الدبلوماسية المحرضة والمضادة من طرف الجزائر في إفريقيا بشكل مكن من تعبئة بعض القوى الإفريقية الوازنة ضد الموقف المغربي وعلى رأسها نيجيريا.

قبول الاستفتاء.. اعتراف بشرعية النزاع المفتعل

يقدم الملك الراحل الحسن الثاني في الأوساط الأكاديمية والإعلامية على أنه شخصية سياسية فذة واستثنائية في تاريخ المغرب بالنظر إلى أنه استطاع أن يضمن للمملكة موقعا آمنا وسط إقليم ملتهب، ويقوي مكانة البلد لدى القوى العظمى وينجو به من تبعات الحروب الباردة. لكن هذه الصورة الإيجابية تكدرها بعض الأخطاء الدبلوماسية القاتلة التي تنسب لمرحلة حكم الحسن الثاني، وخصوصا تلك المتعلقة بتدبير ملف الوحدة الترابية. في هذا الإطار جمع الحسن الثاني بين المتناقضات، لقد كان حاسما وهجوميا عندما قرر تسيير المسيرة الخضراء، أو استرجاع إقليم وادي الذهب، لكنه كان بالمقابل انتكاسيا عندما قرر بشكل فجائي وفردي قبول مبدأ الاستفتاء.

في الفترة ما بين 24 و27 يونيو 1981 احتضنت العاصمة الكينية نيروبي مؤتمر قمة الوحدة الإفريقية بمشاركة المغرب، وفي هذا اليوم المهم في تاريخ القضية الوطنية فاجأ الحسن الثاني الجميع في الداخل والخارج عندما ألقى خطابا أمام المشاركين في المؤتمر يعلن فيه عن قبول المغرب الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية بإشراف من الأمم المتحدة. ورغم أن المغرب كان يعيش قبيل هذا الإعلان على وقع ضغوطات مارستها بعض القوى الاستعمارية وعلى رأسها إسبانيا، إلا أن الجبهة الداخلية كانت في غاية التماسك ولا تختلف بتاتا حول أحقية المغرب في صحرائه ووحدته الترابية ومن هنا كانت الصدمة لكثير من المغاربة، الذين لاذ بعضهم بالصمت فيما دفع آخرون ثمن معارضتهم لهذا القرار عندما أعلنوا رفضه علانية. ويرى بعض المؤرخين والمتابعين للقضية الوطنية أن قبول الحسن الثاني بمبدأ الاستفتاء كان ضربة قاصمة لحقوق المغرب ومستقبل الوحدة الترابية بالنظر إلى أنه كان اعترافا ضمنيا بشرعية الجمهورية الوهمية المدعومة من الجزائر، كما أن قرار الحسن كان كالتي نقضت غزلها بعد جهود امتدت لسنوات طويلة منذ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية ونجاح المسيرة الخضراء.

قرارات دبلوماسية دفع المغرب ثمنها باهظا

محمد الخامس يرفض ترسيم الحدود وينتظر الإخوة الجزائريين

عندما كانت الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي في أوجها كان المغرب قاعدة خلفية للمناضلين والمقاومين الجزائريين. وكان هذا الموقف بالنسبة إلى فرنسا إشكالا محرجا لم تجد له من حل فحاولت إغراء المغرب بملف حدوده الشرقية الجنوبية مع الجزائر. لقد نشأت مشكلة الحدود الجنوبية بين المغرب والجزائر عام 1950 عندما ضمت سلطات الاستعمار الفرنسي رسميا منطقتي تندوف وبشار إلى الأراضي الجزائرية، في حين بدأ المغرب مطالبات استرجاع السيادة على هذه المناطق، بالإضافة للأراضي التي كانت تابعة للمغرب التاريخي بعد استقلاله عام 1956. لم تلتفت باريس إلى المطالب المغربية، وبادرت عام 1957 بإقرار منظومة إدارية جديدة للصحراء، واقترحت على المغرب بدء مفاوضات لحل الإشكال الحدودي القاضي بإرجاع تلك المناطق إلى المغرب.

عرضت فرنسا على المغرب استعادة بسط سيطرته على المناطق التي يطالب بها شريطة تأسيس شركة فرنسية مغربية (المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية) المكلفة باستغلال الموارد المنجمية المكتشفة حديثا في الصحراء ووقف دعم الثورة الجزائرية، لكن الملك محمد الخامس، رفض العرض الفرنسي، مؤكدا أن المشكل الحدودي سيحل مع السلطات الجزائرية بعد استقلال الجزائر عن فرنسا. ووقعت الرباط يوم 6 يوليوز 1961 اتفاقا مع فرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، يعترف بوجود مشكل حدودي بين البلدين، وينص على ضرورة بدء المفاوضات لحله مباشرة عند استقلال الجزائر. لم يكن محمد الخامس يدرك أن رفاق النضال والمقاومة الجزائريين سينكثون عهودهم بمجرد حصولهم على الاستقلال وأن مشكلة الحدود ستعمر طويلا حتى تكون سببا في حرب الرمال التي اندلعت سنة 1963.
فبعد نجاح ثوار الجزائر في طرد الاحتلال الفرنسي وإعلان استقلال البلاد عام
1962، بادر أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر، للتأكيد على أن التراب الجزائري جزء لا يتجزأ. ورفض بن بلة وجيش التحرير الوطني الجزائري فكرة كل تفاوض حول التنازل عن أي أرض للمغرب. لقد تبين لاحقا أن السذاجة الدبلوماسية التي تعامل بها المغرب عندما رفض مقترح فرنسا بترسيم الحدود واسترجاع أقاليمه ستكون لها تبعات وخيمة بالنظر إلى أنها كانت فاتحة لكل مشاكل الوحدة الترابية التي سيعاني منها المغرب فيما بعد بما في ذلك مشكلة الصحراء.

تأشيرة الجزائريين.. الدبلوماسية الأمنية وتبعاتها الاقتصادية

تعتبر الحدود البرية المغربية الجزائرية حدودا استثنائية في العالم المعاصر بالنظر إلى أنها قضت أكثر من 20 عاما مغلقة في غياب أي حركية بشرية أو تجارية رسمية بين البلدين. في شهر غشت من عام 1994 استفاق المغاربة على حادث إرهابي صادم راح ضحيته مجموعة من السياح الأجانب بفندق «أطلس أسني» بمراكش. كان هذا الحادث الأول من نوعه في تاريخ المغرب المعاصر وضربة موجعة للسياحة التي تعتبر موردا اقتصاديا رئيسيا. وبسرعة أسفرت التحقيقات التي أجرتها مصالح الأمن التي يرأسها في تلك الفترة الرجل القوي وزير الداخلية ادريس البصري عن تورط بعض الفرنسيين من أصول جزائرية.

لم يكن صعبا على وزير الداخلية القوي، آنذاك، أن يربط بين هذا الهجوم وبين المخابرات الجزائرية بالنظر إلى أصول المهاجمين والأسلحة التي كانوا يحملونها، وكذا ارتباطا بالظرفية الأمنية الملتهبة التي كانت تعيشها الجزائر آنذاك. وبقرار رأى فيه الكثير من المراقبين تسرعا مبالغا فيه، فتح ادريس البصري المجال أمام أزمة دبلوماسية ستعمر طويلا عندما قرر فرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين الراغبين في زيارة المغرب. ورغم أن الأمر يتعلق بقرار سيادي احترازي لدواع أمنية صرفة، فإن تبعاتها هي التي ستجعل منه أحد القرارات الأكثر إثارة للجدل في العلاقات الخارجية للمغرب. فقد استغلت الجزائر هذا القرار لتعلن إغلاق الحدود البرية إلى أجل غير مسمى وفرض التأشيرة على المواطنين المغاربة. لقد مارس إدريس البصري، الذي كان بمثابة الرئيس الفعلي للحكومة، صلاحيات دبلوماسية وتجاوز صلاحياته الأمنية ليتخذ قرارا ستكون له تبعات اقتصادية وإنسانية مؤثرة. فقد تراجع تدفق السياح الجزائريين على الجهة الشرقية بالخصوص وتأثر القطاع التجاري في هذه الجهة تأثرا بالغا وأصابت حالة من الكساد أسواق عاصمة الشرق، ويكفي أن نعلم أن حوالي 900 ألف جزائري زاروا المغرب قبيل إغلاق الحدود سنة 1994، لينحدر هذا الرقم إلى مستوى الصفر.

دبلوماسية الأحزاب حلم أجهضه احتكار الدولة للشأن الخارجي
غياب القيادات الكاريزمية يحرم الأحزاب من ارتباطاتها الدولية


كلما تأزمت العلاقات الخارجية للمغرب، كما هو الحال في الآونة الأخيرة مع
السويد، يتجدد النقاش حول دور الدبلوماسية الموازية وعلى رأسها الدبلوماسية الحزبية. وكثيرا ما تتجه التحليلات والمواقف الإعلامية والفكرية نحو تحميل الأحزاب السياسية الوطنية نصيبا وافرا من مسؤولية المآزق الدبلوماسية التي تعيشها بلادنا على اعتبار غياب الدور المؤثر للهيئات السياسية في حلفائها الحزبيين بالخارج وعدم توظيفها لعلاقاتها الدولية مع شركائها الإيديولوجيين. يفترض هذا الحكم التساؤل حقيقة عن الإمكانيات وهوامش المبادرة والفعل التي تمتلكها الأحزاب السياسية المغربية في مجال العمل الدبلوماسي وتدبير العلاقات الخارجية.

حقيبة الخارجية.. وزارة السيادة

منذ إعلان حالة الاستثناء سنة 1965 بقرار من الملك الراحل الحسن الثاني، والتي نتج عنها إنهاء الحياة البرلمانية وتكريس سلطة الحكم الفردي، لم يعد للأحزاب السياسية دور في السياسة الخارجية. لقد تم تأميم وزارة الشؤون الخارجية التي داخلت دائرة وزارات السيادة ولم تخرج منها إلى حدود اليوم. وتراجع الحضور الذي مثله حزب الاستقلال في حقيبة الخارجية مباشرة بعد الاستقلال. طالت القطيعة بين الأحزاب السياسية والشأن الخارجي للمغرب لسنوات إلى أن حصل الإجماع الوطني من خلال حدث المسيرة الخضراء، إذ تم تكليف الأحزاب السياسية المعارضة منها على الخصوص بلعب دور دبلوماسي دولي من أجل شرح موقف المغرب في قضية الصحراء.

لكن هذا الحضور الرسمي للأحزاب ظل مقترنا ببعض الخطوات التي تقدم عليها الدولة بين الفينة والأخرى، خصوصا في سياقات تأزم الوضع الأمني أو السياسي في قضية الصحراء التي شكلت دائما التحدي الأساسي للدبلوماسية المغربية. وقد اعتادت الأحزاب السياسية، إدارية أو وطنية، أن تنتظر الإشارات المناسبة لإبداء مواقفها أو آرائها أو تسيير وفود دبلوماسية للخارج من أجل إقناع شركائها وحلفائها بعدالة القضية الوطنية. ويرى بعض المراقبين أن الدولة تتحمل قدرا كبيرا من مسؤولية الانتظارية التي تتميز بها الأحزاب في المجال الدبلوماسي بالنظر إلى أنها احتكرت الشأن الخارجي وجعلته في دائرة الشأن المحفوظ الذي لا يحق لأي مؤسسة أو هيئة أخرى التدخل فيه أو إبداء الرأي بشأنه أو الإقدام على مبادرة بخصوصه.

ضعف داخلي.. ضعف خارجي

إذا كانت الدولة احتكرت الشأن الدبلوماسي والخارجي ورفضت على مدى عقود من الزمن إشراك باقي الأطراف السياسية وعلى رأسها الأحزاب السياسية في صناعة القرار والمبادرة الدبلوماسية، فإن هذا الاختيار جاء انسجاما مع توجه آخر قام أساسا على إضعاف الهيئات الحزبية وجعله مرتهنة إلى تدخل الإدارة وتحكمها. فالأحزاب السياسية الوطنية التي قضت سنوات طويلة في صفوف المعارضة في مواجهة مع الدولة تعرضت لإنهاك كبير استنفد كل طاقاتها وإمكانياتها السياسية وامتداداتها المجتمعية وخلق لديها معضلات مزمنة من قبيل غياب الديمقراطية الداخلية وضعف النخب والقيادات ومحدودية القدرة الاقتراحية. هذا الواقع الداخلي انعكس بلا شك على الآفاق الخارجية لهذه الأحزاب التي عجزت عن تدبير شأنها الداخلي فكان لزاما أن تعجز عن لعب دور في الشأن الخارجي.

فالهيئات الحزبية العاجزة عن بلورة مشاريع للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا تزال ترى من الترف والبذخ التعبير عن استراتيجيات فعلية مستقلة عن قرار الدولة وتوجهاتها الرسمية في ما يخص الشؤون الخارجية. ولا يقتصر هذا العجز فقط على التصور والتخطيط بل يتمظهر أكثر عند الأزمات والمآزق الدبلوماسية، إذ غالبا ما تكون مواقف الأحزاب نسخة طبق الأصل من الخطاب الرسمي تردد فيه مواقف معروفة سلفا. باستثناء بعض الحالات التاريخية المعدودة على رؤوس الأصابع التي عبرت فيها بعض الأحزاب السياسية، أو بعض القيادات الحزبية عن مواقف مخالفة للتوجه الرسمي. في هذا السياق، يتذكر الجميع موقف القيادي الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد من تبني الملك الحسن الثاني خيار الاستفتاء وقبوله كحل لقضية الصحراء. في هذه الحادثة الشهيرة تبين أن الصوت المعارض لا مجال له في الشأن الدبلوماسي الوطني. ويطرح هذا المثال جانبا آخر مهما في أزمة الدبلوماسية الحزبية ويتعلق بغياب القيادات الكاريزمية القادرة على لعب دور دبلوماسي مؤثر.

قيادات كاريزمية

تزداد أزمة الأحزاب السياسية وضعف امتداداتها الخارجية والدولية اليوم أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى غياب القيادات الكاريزمية التي كانت في السابق تتيح لبعض الأحزاب السياسية فرصة المناورة في الخارج ولعب أدوار دبلوماسية طليعية. في هذا السياق، من الصعب الحديث اليوم بين القيادات الحزبية الحالية عن إنجازات دبلوماسية من قبيل تلك التي حققها عبد الرحمان اليوسفي إبان توليه منصب الوزارة الأولى. لقد استطاع الرجل في ظرف وجيز استثمار جزء من رصيده السياسي والتاريخي لإقناع العديد من الحكومات بالتراجع عن اعترافها السابق بالجمهورية الوهمية، علما أنه كان يرأس حكومة يتولى فيها الشأن الخارجي وزير تقنوقراطي. ومن ثمة فليس من المستغرب استمرار الدولة في استدعاء الرجل إلى بعض اللقاءات والزيارات الدبلوماسية التي يحظى بها المغرب على غرار حضوره مأدبة على شرف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخرا.

هذه القيادات الحزبية التي تتمتع أولا برصيد من العلاقات الدولية وثانيا بمصداقية نضالية مشهود لها عالميا، وثالثا بكفاءة سياسية وفكرية عالية، هي التي تستطيع أن تعيد للأحزاب السياسية مكانتها في خريطة الدبلوماسية الوطنية. الكل يذكر المكانة التي كان يحظى بها الشهيد المهدي بن بركة، على سبيل المثال، على الصعيد الدولي. لقد كان هذا القيادي الاتحادي قادرا على تعبئة نصف زعماء العالم وتنظيم أضخم المؤتمرات والترويج لفكر سياسي جديد ومختلف نظرا لما كان يمتلكه من رصيد المصداقية والتميز في العمل السياسي.
يبدو، إذن، أن الأحزاب السياسية لا يمكن أن تتنصل من مسؤولياتها
الدبلوماسية رغم التضييق الذي تعرضت له لعقود طويلة، ورغم الاحتكار الكامل للشأن الخارجي من طرف الدولة، إذ إنها تمتلك عوامل ذاتية كفيلة بجعلها قادرة على لعب دور مكمل وضروري للعمل الدبلوماسي الرسمي.

كيف بنى محمد السادس دبلوماسيته في إفريقيا = اختار لها عدة مجالات شملت الاقتصاد والدين والأمن والسياسة
أحمد امشكح

لم يكن اختيار الملك محمد السادس توجيه الدبلوماسية المغربية نحو الجنوب مجرد «تاكتيك» فرضته المرحلة، ولكن الاختيار كان عن مبدإ من خلال الرهان على شعار شراكة جنوب جنوب، التي تأسست على النهوض بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي لبلدان إفريقيا من خلال الانفتاح على الجذور الإفريقية. لذلك صنعت الزيارات المكثفة التي قام بها العاهل المغربي إلى عدد من بلدان جنوب الصحراء، الحدث السياسي الذي أثار الانتباه بالنظر إلى أنه حمل معه شراكة اقتصادية واجتماعية. وقد علق المتتبعون على أن خطوة محمد السادس في إفريقيا هي التي أكسبت المغرب جملة من الإنجازات الدبلوماسية، خصوصا في ارتباط بالقضية الوطنية الأولى التي كانت ولا تزال في حاجة لدعم إفريقي كاد يفقده المغرب حينما اختار الخروج من منظمة الوحدة الإفريقية التي فتحت أبوابها للجمهورية الوهمية.

سيشكل تاريخ أبريل من سنة 2000 منعرجا أساسيا في العلاقة بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء حينما قرر مغرب محمد السادس أن يلغي ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وإعفاء منتوجاتها المصدرة إلى المغرب من كل الرسوم الجمركية. حدث هذا خلال أشغال القمة الأورو- إفريقية الأولى التي احتضنتها العاصمة المصرية القاهرة.

نفس التوجه ذي الصبغة الاقتصادية التي تحقق المكاسب الدبلوماسية هو الذي عبر عنه محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه في أبيدجان خلال حفل افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري. والذي اعتبر نموذجا مبتكرا وأصيلا للتنمية في إفريقيا. النموذج الذي يضع قطيعة مع ما كانت تبنى عليه العلاقات الإفريقية في الماضي.

قال محمد السادس في خطاب أبيدجان إن إفريقيا لم تعد مستعمرة. بل هي قارة حية ليست في حاجة لمساعدات إنسانية، كما كان يحدث في الماضي، بقدر حاجتها لشراكات ذات نفع متبادل في أفق تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية. أي أنها في حاجة لمن يساعدها على أن تستعيد ثقتها في إمكانياتها ومواردها وكفاءاتها البشرية. « إذا كان القرن الماضي بمثابة قرن الانعتاق من الاستعمار بالنسبة إلى الدول الإفريقية، فإن القرن الحادي والعشرين ينبغي أن يكون قرن انتصار الشعوب على آفات التخلف والفقر والإقصاء، ومواجهة العديد من التحديات التي تهدد الاستقرار السياسي في إفريقيا وتعيق النمو الاقتصادي والاجتماعي بها». فتنمية المغرب، حسب عاهله، مرتبطة ارتباطا وثيقا بتنمية إفريقيا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي

أما لتنزيل مقتضيات هذا الخطاب، فقد نجح المغرب في استثمار 400 مليون دولار في عدد من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
وصلت رسالة المغرب إلى عدد من البلدان الإفريقية. وفهمت أن التنمية
الاقتصادية والاجتماعية أقوى من الخطب السياسية. لذلك كان لا بد أن تراجع هذه الدول، أو بعضها، مواقفها من قضية وحدتنا الوطنية وتدرك أن هذه الشراكات ذات البعد الاقتصادي هي التي ستخلص إفريقيا من تخلفها السياسي.

نجحت إذن الدبلوماسية الخارجية للمؤسسة الملكية. وأصبح التعاون بين المغرب وجيرانه في إفريقيا يأخذ أبعادا واسعة، خصوصا أن خطوة المغرب امتدت لقرابة العشرين دولة من دول إفريقيا جنوب الصحراء من خلال الرهان على دور استراتيجي في مد جسور التواصل مع هذه الدول الإفريقية وفتح بوابة أساسية نحوها. وقد شكل الدعم القوي الذي قدمه المغرب لدولة مالي، والدور الذي لعبه الملك. وتدخله شخصيا في حماية الاستقرار بالشمال الإفريقي وغربه عبر خطة بعيدة المدى في مكافحة الإرهاب.

أما اقتصاديا، فتفيد الأرقام أن مستوى الاستثمارات المغربية في إفريقيا تجاوز في 2009 مثلا، 3 مليارات درهم. وبلغ المعدل السنوي لتدفق الاستثمارات المغربية في القارة السمراء أكثر من 2 مليار درهم في السنة الواحدة، وهي الاستثمارات التي استهدفت قطاعات مختلفة شملت التعليم الصحة والبنية التحتية والمالية والاتصالات والصناعة الكيميائية. وبذلك نجح المغرب في أن يتحول إلى قطب تكنولوجي واقتصادي مهم في إطار سياسة رابح- رابح، والتي تهدف إلى تنمية القارة من جهة وتحقيق مكتسبات اقتصادية وسياسية للمملكة من جهة ثانية.
جل المتتبعين للشأن الإفريقي يؤكدون على أن الدبلوماسية الملكية حققت جملة
من المكاسب في إفريقيا، على الرغم من أن هذا يؤرق بال الجارة الجزائر التي لم تقو على مجاراة محمد السادس في دبلوماسيته التي بناها على جملة من الأسس لعل أولها هو الشق الاقتصادي. لقد سعى المغرب إلى الرقي بالتعاون مع الدول الإفريقية إلى مستوى شراكة حقيقية وتضامنية، وذلك في إطار مقاربة جديدة.

أما ثاني مجالات دبلوماسية محمد السادس، فقد بناها حول الشق الديني.  فالمعطيات التاريخية تؤكد على أن الفضل يعود للمغرب في نشر الإسلام السني المالكي في تخوم القارة السمراء عبر الزوايا برعاية رسمية من سلاطين وملوك المغرب. وهو ما يؤكد على امتداد الإسلام داخل القارة الإفريقية، حيث يتجلى ذلك في الترابط الصوفي بين الزوايا المغربية وشقيقاتها في إفريقيا. لذلك فهذا الارتباط الكبير بين عدد من دول القارة، خصوصا غرب إفريقيا، بالمغرب لهو خير دليل على هذا الإرث التاريخي الذي راكمه الجانبان.

ثالث مجالات الدبلوماسية الملكية هو المتمثل في الشق الأمني. ذلك أن المغرب ظل دائما على استعداد للانخراط في كل الحملات والعمليات الهادفة إلى إرساء واستتباب الأمن، ومحاربة كل مظاهر الجريمة كالإرهاب والجريمة المنظمة، بما في ذلك الاتجار في المخدرات والأسلحة والبشر، والهجرة غير الشرعية، والجماعات المسلحة الإجرامية، وتمويل الإرهاب بكل أشكاله. فضلا عن ظاهرة تبييض الأموال. وهي التحديات التي ظلت تشكل أخطارا تهدد الأمن المغاربي ومحيطه الإفريقي والمتوسطي.

ويبقى الشق السياسي في هذه العملية هو الذي جعل الدبلوماسية الملكية تحظى باهتمام عدد كبير من الدول من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط . والتي وجدت أنها دبلوماسية نجحت في تجميع كل المجالات التي تحتاجها إفريقيا اليوم لإعادة بناء ذاتها، وتحديدا المجال الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب مجالات الدين والأمن.

هكذا اشتعلت ا

المصدر: المساء: أكتوبر 11، 2015، العدد: : 2803
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 18 مشاهدة
نشرت فى 12 أكتوبر 2015 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,918