<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
نابوليون ابن تاشفين.. !
المساء = عبد الله الدامون
يونيو 21، 2015، العدد: 2713
من منكم لم يسمع يوما بالإمبراطور نابليون بونابرت؟ ومن منكم لم يسمع بمعركة شهيرة اسمها «واترلو»؟ نابليون هو الذي خاض معركة «واترلو»، وهي معركة انهزم فيها وتم سحق جيشه عن آخره سنة 1815، أي أن هذه المعركة كان يُفترض أن تشكل عارا تاريخيا على فرنسا،لكن الذي حدث هو أن فرنسا منشغلة هذه الأيام، عن بكرة أبيها، بإعادة هذه المعركة إلى الواجهة وتخليدها وكأنها حققت فيها نصرا مؤزرا.
الشعوب والأمم التي تعرف قيمة التاريخ لا تخلد الانتصارت فقط، بل تخلد الهزائم أيضا، لأن من لا يعرف لماذا ينهزم لا يمكنه أن يعرف النصر أبدا، لذلك تقام المزارات والمتاحف التي تضم بين جنباتها رموز الانتصارت والهزائم معا.
المغاربة يعرفون جيدا الإمبراطور بونابرت ويسمعون كثيرا بمعركة «واترلو». هذا شيء طبيعي، لكن هل يعرف المغاربة نفس الشيء عن معاركهم؟ هل يعرفون الكثير عن معركة الزلاقة وبطلها يوسف بن تاشفين، الرجل الذي كان سنه فوق الخامسة والسبعين وهو يركب خيله ويحارب.
عندما كان ملك القشتاليين «ألفونسو السادس» يرغب في العبور نحو المغرب وقتال أهله وإرهابهم للاستحواذ على ما تبقى من الأندلس، قرر ابن تاشفين أن يعبر إلى حيث يوجد ألفونسو لقتاله وليس عقد اتفاقيات هدنة، كما يفعل زعماء الورقة. وهناك، جنوب الأندلس، دارت معركة سميت الزلاقة، حيث يقول المؤرخون إنها استقت اسمها ذاك من كثرة انزلاق المحاربين من فرط الدماء التي سالت على ذلك السهل الأحمر.
نحن الذين نلقّن اليوم لأبنائنا تفاصيل معركة «واترلو» وأفراح وأحزان بونابرت، هل علمناهم تفاصيل ما جرى في الزلاقة، التي أنهت أحلام مسيحيي شبه الجزيرة الإيبيرية في افتراس الأندلس وجعلت المغرب إمبراطورية حقيقية ممتدة الأطراف شمالا وشرقا وجنوبا؟ هل احتفلنا يوما بمرور ألف عام على تلك المعركة الشهيرة التي غيرت وجه أوربا؟ أبدا.. لكننا نحتفل بأشياء مثل الألفية الأولى لميلاد مدينة فاس!
فرنسا تقيم هذه الأيام احتفالات واستعراضات كبيرة جدا تخليدا للذكرى المائوية الثانية لموقعة «واترلو»، التي مرغت أنف باريس في التراب، بينما نحن لا نعرف بالضبط متى ولماذا وقعت معركة وادي المخازن.
معركة «واترلو» خسرتها فرنسا أمام بريطانيا وغيرت وجه أوربا، ومع ذلك تحتفل بها فرنسا، ومعركة وادي المخازن ربحها المغرب بشكل باهر وغيرت وجه العالم، ومع ذلك لو سألنا المغاربة عن بعض تفاصيل هذه المعركة فسنحس بالخجل من أجوبتهم. وكثيرون سيقولون بأنهم لم يسمعوا بها من قبل، والغريب أننا نقلد فرنسا في كل شيء، لكننا لا نقلدها أبدا في اعتزازها بتاريخها بحلوه ومره. إننا نتبعها فقط في لحس لغتها والانبهار بقشور حضارتها. نتبول على تاريخنا المجيد ونلعق قشور تاريخ فرنسا.
مرت الآن أزيد من أربعة قرون على معركة وادي المخازن التي سحق فيها المغاربة جيوش البرتغال وإسبانيا حتى لم يبق فيهم راكب ولا ماش، ومع ذلك لم نحتفل يوما بهذه المعركة المجيدة. نحن لا نطمع أن نرى احتفالات شبيهة بما يجري في ذكرى «واترلو»، نريد فقط أن نرى ندوة تلفزيونية حول هذه المعركة، أو فيلما سينمائيا حقيقيا يخلد ذلك الإنجاز الكبير. نحن الذين يحكمنا مسؤولون يعتبرون فرنسا أمهم الحنون ومثالهم الأعلى، ينسون تماما أن يتخذوا منها مثالا أعلى في مجال التاريخ.
معركة الزلاقة مرت عليها ألف سنة ونسيناها، ومعركة وادي المخازن مرت عليها أربعة قرون ونكاد ننساها، لكن لماذا ننسى معركة لم يمض عليها قرن من الزمن، معركة «أنوال»، التي لو كانت تدخل ضمن تاريخ بلد غيرنا لجعلت من تاريخ حدوثها عيدا وطنيا مقدسا.
في «أنوال» جرى ما لا يمكن تصوره حتى في الخيال. انتصار ترك إسبانيا الغازية تبكي وتندب وتلطم الخدود لعشرات السنين. انتصرنا في «أنوال» انتصارا ساحقا في معركة غير متكافئة خاضها بسطاء المغاربة ضد تحالف استعماري جبار ضم إسبانيا وفرنسا وقوى استعمارية أوربية أخرى. لكن هذا التحالف ضم أيضا خونة مغاربة لا يزال أحفادهم إلى اليوم يلطمون خدودهم لأن أجدادهم كانوا حلفاء للقوى الاستعمارية وليس لأبناء جلدتهم المغاربة.
اليوم، لا نرى أي أثر لذكرى «أنوال»، لا في الشارع ولا في الواقع ولا في الإذاعة ولا في التلفزيون. نحن أمة تتبول على أعلامها وأبطالها وتاريخها وأمجادها. ففي مراكش يوجد ضريح يوسف ابن تاشفين يتبول عليه السكارى، ويبدو أننا في حاجة ماسة لتغيير اسمه حتى يحظى ببعض الاحترام. نحتاج أن نسميه «نابليون ابن تاشفين»، وسنرى آنذاك كيف سيصبح ضريحه!
ساحة النقاش