<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
الله ينْعل اللّي ما يْحشم!!
المساء = عبد الله الدامون
يونيو 24، 2015: العدد: 2716
المغرب بلد مُسلّ ومضحك إلى درجة الحمق، وهذا ما تثبته الأحداث التي عشناها على مدى الأسابيع القليلة الماضية. وقبل ذلك، وعلى مر السنين والعقود الماضية، عشنا أحداثا كثيرة أخرى أكدت أن من لا يضحك في هذه البلاد لن يضحك في أي أرض أخرى.
آخر حدث عشناه هو غرق أحد عشر طفلا في بحر «الصخيرات»، يومها اعتقدنا أن الناس سيستفيقون وسـ«يُجبّدون» آذان مسؤوليهم وسيقولون لهم: «لن نتسامح معكم بعد اليوم، ولن نغفر لكم مقتل العشرات من أطفالنا حرقا وغرقا، ونحن المغاربة المسالمون الذين تعرفونهم سنتغير من اليوم فصاعدا، ونظرية «طاحت الصومعة علّقوا الحجّام» لن تنفعكم معنا هذه المرة، حيث علقتم المأساة على مدرب النادي، مثلما علقتم حادث احتراق أربعين طفلا على البوطاغاز، وانتهى الأمر».
لكن الكوميديا بدأت من هنا، فبعد أن كان الغضب متركزا حول ضرورة محاسبة المسؤولين الذين تركوا شاطئ «واد الشراط» دون حراسة وبدون حتى لافتة من كارتون مكتوب عليها بالفحم «ممنوع السباحة»، تحولت القضية إلى مجرد رغبة في إطلاق سراح مدرب نادي التكواندو. لقد نسي الناس أرواح أحد عشر طفلا وباتوا يطمحون فقط إلى إنقاذ المدرب من زنزانة السجن.
هنا بالضبط بدأت قصة النجاح، نجاح المسؤولين الحقيقيين عن الفاجعة في غسل أدمغة المغاربة وتحويل اهتمامهم من قضية تهاون خطير إلى مجرد قضية تضامن مع مدرب نادي بنسليمان.
في النهاية جرى كل شيء وفق ما يتمناه دهاقنة غسل الأدمغة. لقد تحولت الجنازة إلى عرس، وانتهى فجأة الحزن على فقدان أحد عشر طفلا وبدأ الفرح بإطلاق سراح المدرب، الذي تم استقباله في باب السجن استقبال الأبطال. هذا الرجل بدا سعيدا جدا ونسي على الفور أنه هو من قاد الأحد عشر روحا إلى الغرق، فأحس مغاربة كثيرون بالغبن وهم يتأملون هذا التحول التراجيدي من الغضب على تلك الحادثة المأساوية إلى الفرح العارم لإطلاق سراح المدرب.
ولأن الكوميديا لا تأتي متفرقة، فإن هذا المدرب «البطل» قرر أن يتحول إلى فيلسوف تجريدي، وقال إن ما جرى قضاء وقدر، وأن الله تعالى، لحكمة ما، اختار أولئك الأطفال إلى جانبه، وأن ما وقع كان لا بد أن يقع.
بهذا الكلام يكون المدرب قد أنهى كل الجدل الدائر، ليس فقط حول حادثة غرق الصخيرات، بل أيضا حول حادثة احتراق حافلة طنطان، لأن الله الذي أراد الأحد عشر طفلا في الشاطئ إلى جانبه، وفق فتوى مدربنا المغوار، هو الله تعالى نفسه الذي أراد إلى جانبه الأربعين طفلا محترقا في حادثة احتراق الحافلة. أي أن منطق الحساب والمحاسبة انتهى في كل الكوارث التي عرفتها وتعرفها هذه البلاد، فكل شيء قضاء وقدر، وكل الأرواح التي راحت سدى أرادها الله أن تكون كذلك، وكل ما يحدث يريده الله أن يحدث لحكمة ربانية ما، ومن يعترض على حكمة الله فهو كافر أو زنديق.
ليس هذا كل ما قاله مدربنا العجيب، لأن فلسفته ذهبت إلى أبعد مدى، وكأنهم غسلوا دماغه في السجن بـ«جافيل» أوريجينال، إذ قال إنه غير نادم على ما جرى، بل إنه سعيد لأنه أهدى الله أرواح هؤلاء الأطفال. هكذا نسي المدرب أحزان وآلام العائلات المنكوبة، ومن بينها أسر فقدت أبناء وحيدين.
كان أقل ما يمكن أن يفعله هذا المدرب الأحمق هو أن يغلق فمه ويعتكف لفترة من الوقت، خصوصا ونحن في رمضان، لكنه أصيب بـ«سْريسْرة» في التصريحات لم تتوقف. بل بدا كأنه يستمتع بتلك النجومية المفاجئة، وتحول بين ليلة وضحاها إلى نجم على«اليوتوب». هذا هو حال المغرب، التراجيديا فيه تتحول إلى كوميديا، والجنازة تصبح عرسا في رمشة عين…!
دافعنا عنك، أيها المدرب الأخرق، لأننا نعرف أنك لست المسؤول الوحيد عما جرى، وقلنا إن غيرك هم من يجب أن يدخلوا السجن، واعتبرنا دخولك السجن بمثابة تقديم قربان سهل في قضية خطيرة، لكننا لم نتصور أنك ستخرج من باب السجن بابتسامة عريضة وتعتبر ما جرى قضاء وقدرا لا مفر منه. كنا نتوقع على الأقل أن تنتقد أولئك الذين تركوا ذلك الشاطئ بدون حراسة ولم يكلفوا أنفسهم حتى وضع قطعة من الكارْتون مكتوب عليها بالفحم «شاطئ خطير». كنا نتوقع أن تتجرأ قليلا وتقول إن في المغرب عشرات الآلاف من الموظفين الأشباح الذين تصرف الدولة عليهم الملايير، بينما لا نعطي عاطلا ألفي درهم في الشهر لحراسة شاطئ خطير في عز الصيف.
كنا نتوقع منك، أيها المدرب، أن تكون رجلا فطلعت علينا مثل فقيه بلاط تُفتي في قضايا القضاء والقدر وحكمة الله في غرق أحد عشر طفلا وسعادتك بتقديم أرواحهم هدية للسماء…
ساحة النقاش