<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = حسناء زوان
»لا حنينْ لا رحيمْ«
مايو 13، 2015، العدد: 2680
عند كل صباح، حينما نغادر منازلنا في اتجاه مقرات العمل، تصادف أعيننا أجسادا تنام على «الدص» تفترش «الكارطون» وتتغطى بـ»الميكا»..
أطفال وشباب وشيوخ يتخذون من شوارع البيضاء الرئيسية بيوتا ومن الأرصفة أسرة، ومنهم من يتخذ من «البودرات » أو «البْنيقات» ما يشبه غرف نوم.
ذنب هؤلاء الوحيد أنهم وجدوا أنفسهم في الشارع دون اختيار، منهم من يعرف والديه ومنهم من يجهل أصله وفصله.
مشهد يتكرر كل يوم أمام أعيننا، ويزداد حدة مع بداية فصل الصيف. كثيرا ما ننعتهم بـ«اولاد الزنقة». قد نرق لمرآهم، قد نتأسف لحالهم، لكننا، أحيانا كثيرة، نتفنن في جلدهم، ننعتهم بأقبح النعوت وأقدحها ونضعهم في الطبقة ما تحت السفلى للمجتمع، على اعتبار أنهم يشوهون المنظر العام لشوارع المدينة، وفينا من يتطير لكونه «صبَّحْ عليهم».
وأكثر المشاهد قساوة تلك المتعلقة بالأمهات، بالصغيرات وحتى بالرضع، الذين ينامون في الشارع. صور إنسانية أجدها «قاسحة» على كل صاحب ضمير.
هؤلاء الصبية يزيد عددهم في شوارع المملكة السعيدة على 30 ألف طفل وطفلة يعيشون دون مأوى، حسب ما تضمنته دراسة أشرف عليها باحث الاجتماع شكيب جسوس حول «ظاهرة أطفال الشوارع في المغرب»، تنفرد البيضاء لوحدها بما يناهز 1000 طفل.
ولنا أن نتأمل جيدا هذه الأرقام المخيفة، التي تشير بالأصبع إلى أطفال هم من أصلاب رجال ونساء يعيشون بيننا، لكن لظروف أو أخرى تـُركوا عرضة للشارع الذي كان الحضن الوحيد لهم، وأي حضن.
هم صبيان وجدوا أنفسهم يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، حرموا مبكرا من شغب طفولي وحضن أسرة يقيهم ألم الجوع أو
المرض.
وجدوا أنفسهم في الشارع «لا حنينْ ولا رحيمْ» غير كلمات الجلد والإهانة والاستغلال. لم أذكر يوما أن مسؤولا من مسؤولينا المحترمين كلف نفسه عناء الحديث عن هذه الفئة من أبناء المغرب، المشردة في الشوارع، والتي كانت بالأمس القريب تحظى بالرعاية، وكانت تجد ملاذها في الخيريات التي كانت تصنع الكثير من الأسماء المشهورة، عدد منها يحتل اليوم مناصب عليا في الدولة، قبل أن تصبح هذه المؤسسات لا تنتج سوى كائنات مدمنة، جانحة، قلوبها ملأى باليأس، ولا أمل لديها في الغد.
أذكر هنا تصريحا سابقا لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وبالضبط في 30 من يونيو 2012، قال فيه، وهو يدغدغ مشاعر المنبوذين والمهمشين، إن الهاجس الذي يحكمه منذ توليه مسؤولية رئاسة الحكومة هو تحسين ظروف عيش الطبقة المسحوقة التي لم تأخذ نصيبها.
الآن، مرت ثلاث سنوات على ذاك الكلام، ولا شيء تحقق. كل ما هناك مزيد من الانتظار والوعود المؤجلة، ولا شيء في الأفق سوى الزيادة في سحق تلك الطبقة التي «هز ليها بنكيران الهم» يوما.
لا أعرف، إن ظل الحال على هو عليه الآن، كم سيصير عدد مشردينا، وكم أرصفة وشوارع سيحتلون، وأي غد ملبد سينتظرهم!
لا أريد أن أكون متشائمة، لكن غياب أي التفاتة من المسؤولين وانعدام أي برامج اجتماعية لإنقاذ تلك الوجوه المتعبة المشردة، التي صارت تؤثث شوارعنا، من مستنقعها، لا يعني سوى أن النهاية ستكون تراجيدية وقاتمة، ليس بالنسبة إليها وحدها، بل بالنسبة إلينا أيضا لأننا تركناها تغوص في ذلك المستنقع دون أن نمد إليها أيدينا.
ساحة النقاش