<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء= جمال بدومة
«كترة الهم كضحك»
مايو 14، 2015، العدد: 2681
الإنسان حيوان دموي بطبعه،أخطر وحش على وجه البسيطة.الحروب، التي نشاهدها على التلفزيون وفي الجرائد وكتب التاريخ، موجودة في صدره وفي رأسه وفي تعطشه المتأصل للدماء. أنهار الدم لم تتوقف عن الجريان منذ أن هشم قابيل رأس أخيه هابيل. وعندما يبتسم أو يحن أو يظهر المودة والعطف، إنما يحاول ابن آدم أن ينتصر على الوحش الذي يسكنه، لكنه ينهزم في النهاية وتنتصر الحروب والجثث، لأن «الطبع يغلب التطبع» و«الخير في الناس مصنوع إذا جُبروا، والشر في الناس لا يفنى وإن قـُبروا»، كما يقول جبران خليل جبران في مطلع إحدى أجمل قصائده، التي غنتها فيروز، وعنوانها «المواكب»، لكن الجميع يعرفها باسم «أعطني الناي وغن»… ويكفي أن نلتفت قليلا إلى الوراء كي نتأكد أن «الملهاة» ستستمر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أو ينقرض الوحش الناطق كما انقرض جده الديناصور!
لحسن الحظ أن هناك معجزة ربانية اسمها الضحك، تساعد في إضفاء مسحة ساخرة على المشهد القاتم. عندما تسودّ الحياة في وجهك اِضحك. لا شيء غير السخرية يمكن أن ينقذنا من وحشة العالم الذي نعيش فيه، ومن بربرية المصير الذي يرسمه الإنسان على الأرض وفي السماء وداخل البحار.
فوائد الضحك كثيرة، وأخطاره أيضا، لذلك حاربته السلطة والأنظمة عبر التاريخ، ومازالت الدولة تمنع العروض الهزلية وتكسّر الأقلام الساخرة وتسجن رسامي الكاريكاتور، إذا لم تبدهم التنظيمات المتطرفة عن بكرة أبيهم. ومن العصر اليوناني، وصَلنا كتاب التراجيديا ولم يصلنا كتاب الكوميديا، كما يحكي أمبرتو إيكو في «اسم الوردة». الكاتب الإيطالي يفترض أن أرسطو ألـّف جزءا ثانيا من «الشعرية» -المخصص للمأساة- يدور حول السخرية، لكن أعداء الضحك أخفوا الكتاب، رموه في الجانب الخلفي من التاريخ وتركوا الأجيال تتوارث «المآسي». أما العرب، فقد كانوا أكثر راديكالية من غيرهم، وعندما ترجموا كتب أرسطو خلطوا بين «المأساة» والمديح» وبين «الملهاة» و»الهجاء»، رغم أن المترجمين كانوا يعرفون الفرق بين سوفكليس والمتنبي وبين الحطيئة وأرسطو، لكنه خلط متعمد على الأرجح، لأن الضحك يخيف السلطة، والمديح والهجاء يدغدغانها!
الضحك معد، ويقترب أحيانا من الجنون. عام 1962، أصيبت قرية بكاملها في تانزانيا بمرض غريب، بدأت أعراضه لدى ثلاثة تلاميذ في الثانوية: ضحك الأول وتبعه الثاني ثم الثالث، ولم يستطيعوا التوقف عن القهقهة لمدة ستة أشهر، وسرعان ما انتقلت العدوى إلى زملائهم في المدرسة وعائلاتهم في البيت وانتشرت بين كل السكان، حتى باتت القرية تقهقه عن بكرة ابيها… صحيح أن الضحك أفضل من البكاء، لكن ليس ستة أشهر متواصلة من القهقهة، «الشيء إذا زياد عن حده انقلب إلى ضده» و»الله يعطينا كلشي على قد النفع! »
من نـِعم الضحك على المجتمعات أن العبقرية الشعبية تفتش عن النكتة وسط الدموع كي تحول المأساة إلى ملهاة، وتخفف ما نزل… قبل أيام، فجع المغاربة بخبر سقوط طائرة إف 16 في اليمن، واختفاء الطيار المسكين، الذي قاده القدر الأعمى إلى حتفه على بعد آلاف الكيلومترات من بلده، في حرب لا تعنيه بالضرورة، لكنه منطق البذلة العسكرية، وعندما ترتديها تعرف سلفا أنك يجب أن تنفذ الأوامر ثم تناقش في ما بعد، إذا عدت سالما طبعا. الحرب هي الحرب في كل العصور، آذانها صماء ووجهها بشع وأيديها ملطخة بالدماء… ورغم مأساوية الموقف وتعاطف الناس مع الطيار وعائلته، فإن ذلك لم يمنعهم من الضحك والسخرية من الذات، على اعتبار أن هناك لعنة تطارد المغاربة في كل الحروب التي يخوضونها، مهما كانت مواقعهم؛ فمنذ أن بدأت الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد جماعة الحوثيين في اليمن بمشاركة عربية، الطائرة الوحيدة التي سقطت إلى حد الآن هي الإف 16 المغربية! وعندما أرسل ابن لادن فريقا من الشباب كي يدمر الولايات المتحدة عام 2001، الانتحاري الوحيد الذي فشل في المهمة وألقي عليه القبض كان مغربيا واسمه زكريا موسوي! وفي إسرائيل، ظلت الدولة العبرية تربح كل حروبها ضد العرب، منذ تأسيسها على حساب الفلسطينيين المشردين، إلى أن أصبح عندها وزير دفاع مغربي اسمه عمير بيريتس عام 2006 وخسرت الحرب ضد «حزب الله»… الخلاصة أن «كترة الهم كضحك» و»المغربي فين ما حطيتيه يطبز لها العين»!
ساحة النقاش