<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
المغاربة مجرد فئران تجارب؟ ربما..
مايو 14، 2015، العدد: 2681
لم يأبه الكثيرون لخبر يسري هذه الأيام، يقول إن وزير الصحة، الحسين الوردي، يخوض حربا ضد معاهد التجارب التي تجعل المرضى المغاربة مجرد فئران لعدد من التجارب الطبية والأدوية الجديدة التي يتم تجريبها في أجساد الناس قبل أن تجد طريقها نحو الاستعمال النهائي.
أن يتم تجريب الأدوية في أجساد المغاربة أو غيرهم من الشعوب المغلوبة على أمرها فهذه ليست معلومة جديدة، لكن الجديد هو أن تعترف الدولة المغربية بذلك.
الغريب هو أنه في الوقت الذي بدأ فيه الوزير الوردي حربه ضد مافيات التجارب والأدوية، فإن الأخبار تقول إن المغرب يعتزم سن قانون يسمح باستيراد النفايات الدولية لدفنها في المغرب، في وقت لم يجد فيه المغاربة حلا حتى لنفاياتهم البسيطة، ومنها نفايات الأدوية والمستشفيات التي يتم التخلص منها عبر رميها في براميل القمامة العادية أو القذف بها في شواطئ البحر وضفاف الأودية، فتجد طريقها بسهولة نحو أيادي الأطفال وأمعاء البقر والمواشي، وبذلك نعيد أكل النفايات الخطيرة التي «تخلصنا منها». وقبل بضعة أيام، تم العثور على جلود وأعضاء بشرية ونفايات طبية سامة وسط حاويات أزبال بآسفي؛ وبعدها نتساءل، بغباء مفرط، لماذا ترتفع بيننا وتيرة المرض بالسرطان وبكثير من الأمراض المفجعة الأخرى التي لا ندري لها سببا.
منذ سنوات طويلة، يتداول المغاربة أدعية كثيرة، ومن بينها دعاء يطلبون فيه من الله أن يجنبهم الحبس؛ وبعد ذلك ربطوا هذا الدعاء بدعاء مزدوج يطلبون فيه منه تعالى أن يجنبهم الحبس والسبيطار، وبذلك ربطوا بين شيئين مقززين، الحبس.. حيث يتحول الكائن البشري إلى مجرد رقم تافه، والمستشفى.. حيث يتحول الجسد البشري إلى مجرد قطعة من لحم مستباح للجميع، بدءا بالأطباء الجشعين وانتهاء بالجزارين والمافيوزيين من أباطرة تجارب الأدوية وسرقة الأعضاء والعمليات الجراحية الوهمية.
لو أننا أردنا أن نعرض للحالات المهولة في مستشفياتنا وصيدلياتنا فلن تكفي المجلدات، إنها أشياء مرعبة في بلد يقول عن نفسه إنه بلد الحق والقانون، مع أنه من النادر جدا جدا أن يقاضي مواطن متضرر طبيبا فاسدا، ومن النادر جدا جدا، إن لم يكن من المستحيل، أن تدين محكمة طبيبا فاسدا، فالأحكام تصدر باستمرار في حق الصحافيين الذين يدينون الفساد وليس في حق الفاسدين.
أن نكتشف أننا مجرد فئران تجارب في المجال الصحي فهذا ليس مفاجأة بالمرة، ويمكنكم أن تزوروا أطباء مختلفين بخصوص مرض واحد، وستجدون أن كل طبيب يمنحكم وصفة خاصة، بها أدوية مختلفة؛ وقد تعودون إليهم في الأسبوع الموالي فيصفون لكم أدوية جديدة، وبذلك تتحول أجسادكم إلى مختبر متنقل بدون علمكم.
لكن، هل المغاربة فئران تجارب في المجال الصحي فقط؟ أبدا، إننا فئران تجارب في كل شيء، بدءا بالسياسة والاقتصاد، وانتهاء بالمناهج التعليمية والتربوية واللغوية.
منذ ما يسمى الاستقلال إلى اليوم، كنا أفضل شعب تجارب في العالم، هم لم يكلّوا من تجريب كل شيء في أجسادنا وعقولنا، ونحن لم نكلّ من القبول والرضوخ. فئران التجارب الطبيعية تتمرد أحيانا وتهرب، بينما نحن لا نفعل ذلك لأننا نثق كثيرا في من يحكموننا ولا نتصور أنهم يمكن أن يحولونا يوما إلى فئران.
منذ سنوات الاستقلال الأولى، بدؤوا يجربون فينا كل شيء؛ والبداية كانت بالاقتصاد والتعليم. في البداية، بدأ تأميم الكثير من المؤسسات والمصانع التي كانت مملوكة للأجانب، وقلنا ما شاء الله على هذه الدولة الفتية التي تعرف معنى الاستقلال؛ لكن بعد سنوات طويلة من الكوارث، قيل لنا إن التأميم لم يكن هو الحل، فبدأت عمليات خصخصة كل شيء؛ ومرة أخرى، خضعنا لهم وقلنا إننا لا يمكن أن نفهم أفضل من مسؤولينا، صحيح أنهم سبب الإفلاس، لكن من يجرؤ على أن يقول لهم ذلك؟
منذ ذلك الوقت، أرادوا تطبيق الفرنسية في التعليم من الألف إلى الياء؛ وبعد ذلك قالوا إن التعريب هو الحل، فبدأ التعريب حتى في الرياضيات؛ وبعد ذلك، قالوا إن التعريب ليس هو الحل؛ وفي كل مرة يجعلون من التلاميذ والطلبة، ليس مجرد فئران تجارب، بل مجرد صراصير حقيرة، إلى درجة أننا نرى اليوم لوبيا شرسا، يتزعمه المدعو نور الدين عيوش، ضرب كل شيء في «الزّيرو»، وقال إن الدارجة هي الحل، مع أن أبناءه لا يتكلمون عربية ولا دارجة، بل يتكلمون الفرنسية.
لقد جربوا فينا أشياء كثيرة، بما فيها الديمقراطية. في البداية، قالوا لنا إن الديمقراطية إنتاج غربي لا يتلاءم مع خصوصيتنا المغربية؛ ثم تراجعوا قليلا وجربوا فينا ديمقراطية مختلفة، أحيانا يسمونها الخصوصية المغربية، وأحيانا يطلقون عليها اسم «الديمقراطية الحسنية»، وفي النهاية ها نحن أمام ديمقراطية «كافْكاوية» برأس ديك وأرجل فيل وأنف ضبع وعيون خنزير وجلد أفعى وأذن حمار وأسنان سمكة وبطن خروف.
ألا ليتكم جربتم فينا الأدوية فقط.. المصيبة أنكم جربتم فينا كل شيء، ولازلتم تفعلون..
ساحة النقاش