<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
لماذا يعتقد المغاربة أنهم أكثر من 34 مليون نسمة؟
مارس 26، 2015العدد: 2640
لم يصدق المغاربة نتائج الإحصاء العام للسكان واعتقدوا أن في الأمر مكيدة، أي أن أعداء غامضين للأمة المغربية تدخلوا من أجل جعل عددنا أقل من 35 مليون نسمة، وذلك لغرض في نفس يعقوب.
آخر إحصاء لتعداد السكان كان قد جرى قبل أكثر من عشر سنوات. ومن ذلك الزمان إلى اليوم، اعتقد الناس أن عددهم لا يقل حاليا عن أربعين مليون نسمة، »لكن الصدمة كانت قْوية«.
كثيرون قالوا إن نتائج الاستفتاء مزورة، وآخرون قالوا إن المكلفين بالإحصاء لم يقوموا بعملهم كما يجب، وطرف آخر قال إن هناك مؤامرة تجمع أطرافا مغربية ودولية من أجل جعل المغاربة أقل عددا.. وآخرون قالوا أشياء كثيرة حول رقم الـ34 مليون نسمة.
لكن، لماذا يعتقد المغاربة أنهم أكثر عددا بكثير من الرقم الذي أعلن عنه الإحصاء؟ ولماذا غضب كثيرون لأنهم فوجئوا بأن عددهم أقل من 40 مليون نسمة؟
المغاربة يعيشون يوميا واقع الازدحام في كل مكان، لذلك يعتقدون أنهم أكثر عددا بكثير. في الشوارع العامة والأسواق الأسبوعية يزدحم الناس ويتدافعون بالأكتاف؛ وفي كثير من الأماكن يضطر الناس إلى التوقف حتى يفسحوا المجال للآخرين من أجل المرور، وهذا شيء لا يحدث في أماكن كثيرة بالعالم.
في مواقف سيارات الأجرة والحافلات لا يحترم الناس الطابور ويتزاحمون على الصعود لأن كل واحد يقول«أنا وبعدي الطوفان». إنهم يعتقدون أنهم كثيرو العدد وأن دورهم في الطابور لن يصل أبدا، لذلك يفضلون الفوضى وسيادة قانون الغاب.
المغاربة يعتقدون أنهم أكثر بكثير من 34 مليون نسمة لأن المقاهي ممتلئة في كل مكان،وكل مقهى جديدة تفتح صباحا تمتلئ عن آخرها مساء، بينما تبقى كل المقاهي الأخرى ممتلئة. من أين يأتي هؤلاء الناس إذا كان عددنا 34 مليونا فقط؟
الناس لا يصدقون أن عددهم 34 مليونا فقط لأن عدد المهاجرين المغاربة في العالم يزيد على ستة ملايين، ومن الصعب أن يكون شعب بقرابة 34 مليونا به كل هذه الملايين خارج البلاد وكأن أرضهم ازدحمت بهم ولفظتهم. من الصعب أن يُصدّر بلد 20 في المائة من سكانه إلى مختلف أصقاع العالم.. هذا شيء لا تقوم به حتى الصين الشعبية التي يقارب عدد سكانها الملياري نسمة.
ليست الهجرة القانونية وحدها التي تجعل الناس يعتقدون أن عددهم أكثر من اللازم، بل حتى في مآسي الهجرة غير القانونية أيضا، لأنه في أحشاء مضيق جبل طارق توجد عظام أزيد من 20 ألف مغربي ماتوا خلال العقود الماضية غرقا أثناء محاولاتهم الهروب من أجمل بلد في العالم. هل يوجد بلد آخر مات فيه كل هذا العدد من الناس وهم يحاولون الهروب؟
المغاربة يعتقدون أنهم كثيرون للغاية لأنهم لا يجدون أين يركنون سياراتهم، وغالبا ما يقضون وقتا أطول من وقت السفر وهم يبحثون عن مكان لسياراتهم، وفي النهاية يركنونها فوق الرصيف، فيختلط اللحم بالحديد في مشهد لا يحدث حتى في شنغهاي، أكثر مدن العالم ازدحاما بالسكان.
رقم 34 مليون نسمة كان صدمة للكثيرين لأنهم يجدون صعوبة كبيرة خلال فصل الصيف في إيجاد مكان على الشاطئ. وفي شاطئ «الوداية» بالرباط، مثلا، من الصعب أن تجد نملة لها مكانا تحت الشمس في شهر غشت، والناس يتعاركون على الماء كما تتعارك التماسيح على ما تبقى من بركة ضحلة أيام الجفاف.
لا يمكن للناس أن يصدقوا أنهم تحت الخمسة والثلاثين مليونا، بينما هم لا يجدون سوى القليل من ثروات بلادهم أمامهم. يسمعون عن الفوسفاط ولا يعرفون أين تذهب مداخيله، ويتأملون بحار بلادهم ولا يعرفون أين تذهب كل هذه الثروة السمكية، وينظرون إلى كل هذه الجبال والغابات والوديان فلا يفهمون لماذا يبدو المغرب وكأنه صحراء قاحلة تعبث فيها جحافل الجراد.
إذا كان المغاربة لا يزيدون على 34 مليونا، فلماذا اغتنى وحوش العقار بهذه الطريقة الخرافية وصاروا من بين أغنى أغنياء العالم؟ لماذا بنوا الملايين من أقفاص الدجاج وباعوها المغاربة بثمن الذهب، بينما هم حولوا أموالهم نحو الخارج واشتروا بها قصورا وفيلات وشاليهات في أجمل مناطق العالم؟ حتى الصين لم يجن أصحاب العقار بها ما جناه وحوش العقار في المغرب.
لا يمكن للناس أن يفهموا أنهم 34 مليونا فقط بينما عدد اشتراكات المغاربة في الهاتف تزيد على 46 مليون اشتراك. لا يمكن أن يكون عدد الناس في المغرب 34 مليونا وفي البلاد أزيد من 120 ألف سيارة رسمية تابعة للدولة، بينما في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يزيد عدد سكانها على 350 مليون نسمة، هناك فقط 70 ألف سيارة رسمية، وفي اليابان التي يبلغ عدد سكانها 130 مليون نسمة وتفوقنا بملايين السنوات الضوئية من حيث التقدم، فيها 3500 سيارة فقط تابعة للدولة.
لكن الحقيقة المرة هي أن عددنا بالفعل 34 مليونا، كل ما هنالك أن تناقضاتنا تعد بالملايير، وكل مغربي يحمل في داخله 34 مليون تناقض.
ساحة النقاش