<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = حسناء زوان
»ها منين داخْلة العافية«
مارس 25، 2015العدد: 2639
قبل يومين، كنت رفقة طفلي الصغير في محل لابتياع بعض الأغراض، فالتقطت أذناي صوت داعية مشرقي، ينبعث من جهاز تسجيل، يحكي قصة خليل الله إبراهيم وابنه إسماعيل.
الحكاية معروفة في كتب السيرة، لكن الطريقة التي كان يحكي بها الداعية أثارتني، فبدأت أنا أيضا أنصت له.
إلى هنا كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، والشيخ يقوم بدوره كما يليق بأي داعية. لكن في لحظة ما، قفز الواعظ قفزة لا أحد كان يتوقعها، أو على الأقل هذا ما بدا لي.. لقد قال وهو يعطي نموذجا بأبناء اليوم في علاقتهم بآبائهم: «ماذا لو أن أحد الآباء، اليوم، أمر ابنه بالتوجه إلى سوريا والعراق للجهاد في سبيل الله،فهل سينصت له الابن؟ هل سيطيعه كما أطاع إسماعيل أباه إبراهيم؟».
فاجأني الشيخ بكلامه، وأحسست كأنه صفعني أو خان ثقتي فيه، هو الذي كنت أشجع طفلي الصغير على الإنصات له بدل اللهو بلعبته، وأشرح له ما استعصى عليه فهمه في قصة نبينا إبراهيم وابنه إسماعيل.
لحسن حظي أن ابني لم ينتبه إلى ما قاله الداعية المشرقي، ولم يسألني شيئا عما كان يعنيه بالجهاد في سوريا والعراق، وإلا لوجدتني في موقف حرج.
فماذا كنت سأقول له بالتحديد؟ وكيف كنت سأشرح له هذا الانزلاق الخطير في كلام داعيةٍ كان يحث الأبناء على إطاعة آبائهم قبل أن يغير دفة حديثه 180 درجة ويدعوهم، بطريقة ضمنية، إلى «الجهاد» في سوريا والعراق.
لم أشأ أن أسأل من سمعت عنده هذا الشريط من أين ابتاعه؟ لأنني كنت أعرف الجواب مسبقا مادامت مثل هذه الأشرطة تباع عشوائيا في الأسواق وفي الحافلات وفي أمكنة أخرى عديدة دون أن تكون هناك أي رقابة عليها.
أعرف أن مهمة مثل هذه صعبة جدا في زمن الأنترنيت وتحميل الأشرطة والفيديوهات منها واستنساخها وبيعها، لكن هذا لا يعني أن يُترك الحبل على الغارب كما يقولون، فيجد أمثال هذا الداعية المشرقي المجال فسيحا لاستقطاب الشباب وتجنيده باسم الجهاد في سبيل الله في كل من سوريا والعراق.
في نهاية الأسبوع الماضي فقط، أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيك خلية إرهابية كانت تستعد لتنفيذ اعتداءات على مناطق حساسة بالمغرب،والاعتداء على شخصيات سياسية وعسكرية. هذه الخلية، وغيرها مما تم تفكيكه في الشهور الأخيرة، ما كان لأعضائها أن يتبنوا فكرا انتحاريا لو لم يكن أشباه ذلك الداعية المشرقي يعملون على غسل الأدمغة وحث الشباب المسلم على الجهاد في سوريا والعراق. وسوريا نفسها ما كانت، كما يقول عدد من المحللين، لتتحول من مجرد بلد يحتضن ثائرين مسالمين يطالبون بالحرية وبتغيير النظام إلى أرض للجهاد و«مختبر خطير للإرهاب»، حسب تقرير «صوفان» (منظمة استعلاماتية يوجد مقرها في نيويورك) لولا وجود دعاة بأعينهم كانوا يحثون على الجهاد بها.
هؤلاء الدعاة كانوا وراء التحاق أعداد غفيرة من المقاتلين بصفوف تنظيم الدولة، بلغوا، نهاية ماي المنصرم، زهاء اثني عشر ألف مقاتل، أغلبهم من الدول العربية، وكانت حصة المغرب منهم ألفا وخمسمائة مقاتل، حسب نفس التقرير.
هؤلاء المقاتلون صاروا، اليوم، قنبلة موقوتة تهدد أمن البلدان التي جاؤوا منها، بعد أن تدرب معظمهم في المخيمات العسكرية لجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ«داعش»، وخبروا القتال في ساحات المعارك. ولا ندري أي دولة عربية ستكون الضحية المقبلة بعد أن ضربوا تونس قبل أيام قليلة في عقر دارها.
صحيح أن المغرب استطاع إلى حد الآن أن يفكك أكثر من خلية إرهابية بفعل ضرباته الاستباقية وتشديد المراقبة على المواقع الجهادية في الشبكة العنكبوتية، لكن استصغار خطر الأشرطة الدينية التي تدعو إلى الجهاد وتباع في الأسواق بشكل عشوائي قد تكون له، أيضا، تبعاته. من يدري؟
ساحة النقاش