<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = سامي السلامي
الحرب المالية العالمية: روسيا في مواجهة الغرب
تلقي الأزمة الأوكرانية بظلالها على طبيعة العلاقات المتشنجة بين روسيا الاتحادية والغرب، وخصوصا بعد المسلسل المضني من العقوبات تجاه موسكو والتي كبدت الاقتصاد الروسي خسائر سنوية ما بين 40 و 60 مليار دولار دون نسيان تراجع مداخيل البترول بـ 60 في المائة بعد نزول ثمن البرميل لما دون الـ 50 دولارا، وما تبعه من تصريحات للرئيس الأمريكي باراك أوباما وآخرها يوم الأربعاء 12 يناير 2015 حينما أكد على أن الولايات المتحدة مزقت اقتصاد روسيا.
لكن مرونة روسيا في مواجهة العقوبات الغربية والخفض المتعمد من أسعار النفط، عن طريق تعزيز علاقاتها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية داخل مجموعة بريكس وبدول أمريكا اللاتينية، وكذا بإجراء إصلاحات داخلية لتقويم مكامن الخلل في الاقتصاد الروسي، وجعله قادرا على تحمل تبعات أي مواجهة استراتيجية شاملة، إضافة للتخطيط إلى جانب الصين لإعادة العالم للتعاطي بالذهب بدل الدولار، نقاط هامة تتطلب الوقوف عندها.
توسيع الشراكات وتقويم مكامن الخلل:
يعاني الاقتصاد الروسي من العقوبات المسقطة عليه لدرجة إقرار موسكو على الخفض من بعض النفقات في الميزانية لمجابهة تهاوي أسعار النفط، وكذا معانات الروبل الروسي أمام الدولار حيث وصل لـ 65,85 روبلا للدولار الواحد حسب تداولات الأربعاء 12 يناير 2015.
وعليه، قامت موسكو بعدة تدابير لمجابهة العقوبات، حيث أقدمت خلال قمة بريكس في شهر يوليوز 2014 بتوسيع شراكاتها الاقتصادية مع دول المجموعة والعديد من دول أمريكا اللاتينية وإبرام عقود تخفف وطأة العقوبات الغربية، قصد تعزيز التعاون الاقتصادي و خاصة الجوانب الاستثمارية منها، و ذلك عن طريق بناء تحالف في المجالات التكنولوجية و الإنتاجية و التصميمية، و التعاون في مجالات مثل النفط و الطاقة النووية، مع تشجيع الاقتصاديات التكاملية و العمل المشترك معها.
هذا و عملت على الرفع من حجم التبادلات التجارية، التي بلغت سنة 2013 ما مقداره 5,5 مليار دولار مع البرازيل و 1,8 مليار دولار مع الأرجنتين، مع الرفع من استثماراتها في كل من كوبا و نيكاراجوا، على اعتبار أن حجم التبادل التجاري و الاستثمارات لم تبلغ بعد المستوى العالي الذي بلغته العلاقات السياسية و الدبلوماسية مع هذه البلدان.
و يبقى أهم المكاسب الاقتصادية هو مصادقة قادة مجموعة “بريكس″ على اتفاقية إنشاء صندوق احتياطات نقدية لدول “بريكس″ و اتفاقية تأسيس بنك التنمية الجديد للمجموعة برأسمال إجمالي 200 مليار دولار، و ذلك كقاعدة لتنسيق سياسة الاقتصاد الكلي، و لعب دول المجموعة دورا هاما و حاسما في الاقتصاد العالمي للرد المشترك على التحديات المتمثلة أساسا في سياسة العقوبات الاقتصادية الأمريكية تجاه معارضي توجهاتها على الصعيد الدولي.
ومن ثم، لم تتوقف التدابير الروسية عند هذا الجانب، حيث عملت موسكو منذ خطاب الرئيس فلادمير بوتين أمام الجمعية الاتحادية في 4 دجنبر 2014، على دعم الإستثمارات عن طريق تجميد التغيرات على منظومة الضرائب لمدة 4 سنوات قصد إخراج الإقتصاد الروسي من حالة الجمود، وكذا إعفاء رؤوس الأموال التي عادت إلى روسيا، مع زجر هروب رؤوس الأموال و إتخاذ اجراءات حاسمة تجاه المضاربين الذين يتلاعبون بالعملة الروسية ما يكبد الإقتصاد الروسي خسائر فادحةً.
تهاوي أسعار النفط وصعوبة الاستمرار:
لقد كلف تهاوي أسعار النفط الاقتصاد الروسي غاليا خصوصا بعد إنخفاض عائدات النفط أزيد من 60 في المائة، لكن وجب الإشارة هنا إلى الصعوبة في استمرار واشنطن والرياض في التنسيق قصد اتمام مسلسل الخفض من اسعار النفط، وذلك للاعتبارين التالين:
ـ صعوبة استمرار السعودية في الرفع من انتاج البترول لأزيد من ثلاث سنوات قصد خفض الأسعار، لما لهذا الخفض من أضرار على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تقدر خسائر هذه الدول بأزيد من 300 مليار دولار سنويا.
ـ صحيح أن الدول في صراعها مع بعضها البعض لا مشكلة لها أن تخسر قليلا بشرط كسر شوكة المنافس، لكن هذا لا يعني أن تستمر واشنطن في حث الرياض للخفض من أسعار النفط الذي وصل لـ 48 دولار للبرميل ومن المتوقع أن ينزل إلى 30 دولار، لما لذلك من نتائج كارثية على مشروع النفط الصخري الأمريكي العالي التكلفة، وعموما خطط واشنطن في هذا المجال ترتكز على خفض الأسعار لثلاث سنوات كحد أقصى، وهي مدة ليست كفيلة بترويض موسكو وجعلها تتنازل عن مطالبها في تعدد الأطراف في حل القضايا الدولية.
الذهب في مواجهة الدولار:
شكلت سنة 1971 محطة مفصلية بعد رفع الرئيس الأمريكي نيكسون يد أمريكا على الذهب وإقراره بعدم امكان استمرار واشنطن في ضمان مبادلة الدولار بالذهب، وحينها تابعت واشنطن اصدار الدولار دون اي قيمة حقيقية له في السوق ما دفع بواشنطن لفرض شراء البترول بالدولار لمجابهة التضخم.
وبعد سنوات جاء دور بوتين حسب الخبير الاقتصادي ديمتري كالينينتشينكو لفتح نافذة الذهب من جديد، حيث أكد كالينينتشينكو في مقال نشرته العديد من المنابر الاعلامية الفرنسية في نونبر الماضي بعنوان :" Échec et Mat : le piège en or de Vladimir Poutine "، أن استرتيجية بوتين الحالية تنبني على شراء المزيد من الذهب والرفع من الاحتياطي الروسي وذلك بالتنسيق مع الصين والهند وكازاخستان وداخل دول بريكس.
هذا وارتفعت مشتريات روسيا من الذهب في السنوات السبع الأخيرة بوتيرة متسارعة، حيث أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن روسيا عززت مشترياتها من الذهب خلال سنة 2012 بـ 75 طنا، و بـ 77,5 خلال 2013 فيما أضافت خلال 2014 أزيد من 115 طنا من الذهب إلى احتياطاتها، بل إن مشتريات روسيا خلال الربع الثالث من العام الماضي تقدر بـ 55 طنا و كازاخستان بـ 28 طنا أي أن الدولتان الحليفتان اشتريتا ما مجموعه تسعة أضعاف باقي دول العالم خلال نفس الفترة.
ويرى كالينينتشينكو أن بوتين في تعامله مع أوروبا سيسعى لبيع النفط والغاز الروسي بالذهب مباشرة وهو في نفس الوقت على استعداد لبيعه بالدولار ومن ثم شراء الذهب الذي تدخلت واشنطن في خفض قيمته سوقيا بالدولار ذو القيمة المبالغ فيها، ويتساءل عن كيفية الغرب لمنع روسيا من رفع احتياطاتها من الذهب إن كان وجود أوروبا حسب دراسات بريطانية وأمريكية مرتبط بالبترول والغاز الروسي.
وهنا يأتي دور الصين التي أكدت على أنها ستقلل من بيع صادراتها بالدولار، وكذا بالتبادل التجاري بين بكين وموسكو بالروبل واليوان بناء على قاعدة الذهب، والذهاب نحو شراء المزيد من الذهب بالتنسيق مع باقي دول بريكس وباقي مناهضي الدولار كعملة لتسوية المعاملات التجارية.
تبقى نظرة كالينينتشينكو صعبة التحقق حاليا على اعتبار أن احتياطات روسيا والصين مجتمعين لا تصل لربع الاحتياط الأمريكي من الذهب الذي يقدر بـ 8100 طنا حسب بيانات مجلس الذهب العالمي لسنة 2014، لكن مرونة الدولتين وإستراتيجيتهما لاعادة العالم للتعاطي بالذهب بدل الدولار على المدى البعيد تعتبر بمثابة الإعلان الصريح للحرب المالية العالمية.
العالم يتغير و على الإدارة الأمريكية أن تدرك جيدا هامش التحرك المتاح لها، فزمن الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية قد ولى، و تعدد الأطراف في القضايا الدولية أصبح لزاما و لا مفر منه.
ساحة النقاش