<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = إدريس الكنبوري
عندما يُنظر «داعش» لمفهوم الدولة
وراء الجانب العسكري لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وطغيان فقه الحدود الذي أصبح المضمون الوحيد لمفهوم القانون، يوجد الجانب الإيديولوجي الذي يتوسل به التنظيم بهدف التعبئة العقائدية لأتباعه، ولاستقطاب أنصار جدد إلى صفوفه. يشتغل التنظيم، من الناحية الإيديولوجية، على ركنين أساسيين: الركن الأول يتمثل في ادعاء إحياء الخلافة؛ والركن الثاني يتمثل في ادعاء إحياء الشريعة.ولكن خطاب «داعش» يسجل تناقضين رئيسيين في هذا الباب: الأول هو ذاك القائم بين مفهومي الدولة والخلافة؛ والثاني هو ذاك الموجود بين الفقه والشريعة، في الممارسة العملية.
أحد الكتب المرجعية، التي يمكن الاستناد إليها لقراءة الخطاب الإيديولوجي للتنظيم، هو ذلك الكتاب الذي صدر في الشهور الأولى لقيام مسمى «الدولة»، تحت عنوان «إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام»، وهو لمؤلفه عثمان بن عبد الرحمان التميمي، الذي يقدم نفسه بوصفه «مسؤول الهيئة الشرعية»، والكتاب صادر عما يسمى «وزارة الهيئات الشرعية»، والغرض منه، كما يظهر من فصوله، تقديم شرح مفصل بمبررات إعلان الدولة، والمسوغات الفقهية والشرعية لمسمى «الخلافة».
الكتاب يدافع عن رؤية فقهية سائدة في كتب الأحكام السلطانية حول الخلافة، وهي خلافة التغلب والشوكة، ويسميها «طريق الغلبة والقهر بالسيف»؛ فبعد أن يسوق النماذج الثلاثة المعروفة حول تولية الخليفة في الأحكام السلطانية، وهي بيعة أهل الحل والعقد لرجل يختارونه«اكتملت في حقه صفات الأهلية المطلوبة للإمامة»، وطريقة العهد من الإمام لرجل من بعده أو لعدد منهم، ثم طريق الغلبة، يقرر أن هذا الطريق الأخير هو الذي اختاره«داعش» لإعلان خلافته في العراق والشام، مستدلا بمقولة منسوبة إلى أحمد بن حنبل، يقول فيها:«ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة،وسمي أمير المؤمنين،فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما»، وهي مقولة تنتسب إلى فقه الاستبداد الذي لا يترك مجالا لاختيار الناس، وتبين كيف أن الفقه التاريخي ساهم في خلق ثقافة الاستبداد. ولكي يلغي من الحسبان عموم المسلمين والعلماء، قطعا للطريق أمام مواقفهم اللاحقة تجاه مشروع الدولة الداعشية، يقرر أن أتباع تنظيم «داعش» هم الطائفة العاملة «التي تحمل لواء المنهاج الشرعي الصحيح»، ومن ثمة يحق لها أن تعتبر أهل الحل والعقد من دون الآخرين.
أما المبرر الذي يقدمه الكتاب لاختيار هذا الطريق فهو غياب وجود أي سلطة أو إمارة. وواضح من ذلك أن هذا الخطاب الراديكالي ينطلق من وجود أرض خلاء في العالم العربي، وهي فكرة من الطبيعي أن تكون موجودة لدى هذا التيار، بالنظر إلى إيمانه بأنه يتحرك في عالم من الكفر والارتداد.
وفي توصيفه للدولة يستعمل تارة عبارة الدولة وتارة عبارة الخلافة. والظاهر أن التسمية الأولى تستعمل لتعريف الغطاء السياسي، بينما تستعمل الثانية لتعريف الغطاء الشرعي. وبالرغم أن الأحكام السلطانية لم تستعمل عبارة الدولة، بل وظفت عبارتي الخلافة والإمامة،فإن صاحب الكتاب يصطنع خلطة فقهية هي مزيج من تنظيرات رواد الإسلام السياسي،أمثال المودودي وسيد قطب، والعدة الفقهية للسلفية الجهادية؛ وهذه المزاوجة بإمكانها أن تكشف لنا ذلك الترابط بين الاثنين، فليس من أحد نظر بشكل واسع لمفهوم الدولة الإسلامية في العصر الحديث كالمودودي، إذ هو أول من جمع بين مفهوم شرعي وهو الخلافة، وبين تحققها في كيان سياسي حديث، وهو الدولة.
ويلاحَظ أن مفهوم «التمكين» يحل محل مفهوم السيادة في إطار الدولة، بالمفهوم الحديث؛ فلا حدود للدولة بالمعنى الجغرافي، وهي مفتوحة وفق استراتيجية التمكين، وهذا يعني أن التسمية الحالية، «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، هي تسمية مؤقتة مشروطة بالممكنات الراهنة. ويعلل الكتاب انتفاء الحدود في الدولة بانتفاء الحديث عنها «في الكتاب والسنة وأقوال السلف»، لكنه يقفز على حقيقة أن مفهوم الدولة نفسه لا وجود له هنالك.
بيد أنه رغم ما نشر عن أبي بكر البغدادي من طرف التنظيم، في مدح صفاته وتمجيده، فإن صاحب الكتاب يقرر بوضوح أنه شخص «مجهول»، والمجهول هو من لا سابقة له ولا حضور؛ فقد نقل مجموعة من الأقوال من التراث السلفي تؤكد جواز تولية المجهول في منصب الخلافة، ثم عقب عليه بالقول: «ويظهر من الكلام السابق أن بيعة من لم يُعرف اسمه وعينه جائزة إذا كان معروفا لدى أهل الحل والعقد، وهذا ما كان من إخواننا في مجلس الشورى، فهم على معرفة تامة بالأمير المنصب اسما وعينا».
لكن مؤلف الكتاب يعرف أن دولة داعش لن تعمر طويلا، ولذلك لجأ إلى تشبيه وضعها بوضع الخلافة بالأندلس، فختم كتابه بالقول: «روت كتب التاريخ من قصص المسلمين في الأندلس أنه على رأس أربعمائة سنة من فتح الأندلس الزاهرة بحضارة الإسلام، اجتمع النصارى على المسلمين ووحدوا قواهم وأجلوهم عن كثير من بلاد الأندلس، وحاصروا أبرز حواضرها، إمارة قرطبة، وتجهزوا للمعركة الفاصلة التي ستقرر إما الإسلام في الأندلس وإما يعلو الصليب»، وفي ذلك إشارة إلى أن تنظيم «داعش» يمثل الإسلام وحده، بينما الباقون إما مرتدون أو كفرة.
ساحة النقاش