فلاش يريس = عبد الكريم ساورة
صورة الوزير
خلف اللقاء الصحفي الذي أجرته إذاعة أوروبا 1 مع وزير الاتصال المغربي استياء عاما وردودا متباينة حول الطريقة التي أبان عنها في أجوبته والتي اعتبرها العديد من المتتبعين والمهتمين بالباهتة وغير المقنعة، وتترجم المستوى الحقيقي لوزرائنا الذين يختبئون دائما في ظل الملك وفلسفته.
وصورة الوزير في هذا الاستجواب والتي ظهر فيها أكثر اهتزازا وضعفا تجعلنا نطرح السؤال الحارق: من يتحمل المسؤولية في هذه الخيبة، هل الوزير نفسه أم رئيس الحكومة أم الدولة؟
بالرجوع قليلا، إلى عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ورغم ما كان يمارسه من سلطات مطلقة في الاختيار والتعيين لوزرائه إلا أنه كان متشددا في مواصفات الاختيار حيث كان عنصرا الطاعة الولاء أهم مبدأين جوهريين لكنه كان لا يُغيب عنصرا أساسيا في عملية الاستوزار وهو التجربة والاحتكاك وهما عاملان غائبان بامتياز في تجربة حكومة بنكيران.
وجدير بالذكر أن منصب الوزير ليس منصبا سياسيا فقط ولا يمثل الحزب الذي ينتمي إليه ولا الحكومة التي يتحدث باسمها وإنما هو منصب أمة بكاملها، لأنه في الأول والأخير يتحدث باسم الشعب المغربي بأكمله، وأي سفه أو نقص يعتريه ينعكس سلبا على صورة الدولة والشعب.
ولهذا فالتهكم الذي تعرض له وزير الاتصال من طرف الصحافة الفرنسية يمس في الجوهر صورة المغاربة قاطبة ولهذا فالمسؤولية يتحملها الأطراف الثلاثة التي سبق ذكرها.
فالوزير يتحمل مسؤولية أخلاقية، لأنه لم يقم بدوره على الوجه المطلوب وهذا ليس من باب ضعف الكفاءة كما يريد أن يروج البعض إلى ذلك وإنما هو من قلة التجربة والتراكم والاحتكاك بالصحافة المحترفة والشرسة بالإضافة إلى ضعف الإحساس بالاستقلالية لدى الوزير فهو دائما يشعر بأن منصب الوزير هو امتياز من المخزن وليس تكليفا من الشعب، وهذا هو مربط الفرس.
فعقدة الولاء التي أبان عنها الوزير جعلته سجينا لفكرة واحدة وهي التي كان يرددها طيلة اللقاء «أنا واضح». وهنا كان الوزير يشعر بالخوف في الوقوع في الخطأ لأنه يعرف مسبقا أن سيف المخزن لا يرحم من يتحدث فيما لا يعنيه، أما الأخطاء اللغوية فهي كانت عاكسة لنفسية الوزير المهزوزة وأفكاره غير المرتبة والواضحة. وهنا يمكننا أن نطرح السؤال المؤلم، هل فعلا وزراؤنا أحرار في اتخاذ القرار السياسي بشكل انفرادي؟
مسؤولية رئيس الحكومة حاضرة هي الأخرى في هذه النازلة السياسية بشكل بارز وذلك في تقاعسه في عدم اختيار الوزير المناسب لهذه اللقاءات الصحفية ذات الصبغة السيادية، فموضوع العلاقات المغربية الفرنسية هو موضوع خاص بامتياز وفيه تجاذبات وأسرار قوية وحساسة بين البلدين منها ما هو أمني مخابرتي وسياسي واقتصادي.. لهذا فمن باب الحكمة والتعفف أن يكون الوزير المحاور شخصا ذا تجربة وملما بالملفات ويعرف بواطنها ونقط الخطورة التي تلفها أما السفر بربطة عنق ونظارات بيضاء كأنه ذاهب لحفلة زفاف فهو حادثة سير مميتة.
أما مسؤولية الدولة فهي أخطر وأعمق، لأنه لا يعقل أن تتساهل الدولة منذ بداية تعيين الحكومة في أمر الوزراء فعليها أن تكون أكثر حرصا وتشددا في اختيار الوزراء، فهو منصب خطير ولا يجب التعامل معه بمنطق المناصفة والتوافقات وجبر الخاطر والهدايا السياسة سواء بين الحزب ومناضليه -وهو ما انتقدته الصحافة حينها- أو بين الدولة والأحزاب. فمنطق ترضية الخواطر في التعيينات في المناصب الحساسة وليس فئة الوزراء فحسب والذي عرفت به أجهزة الدولة أبان في العديد من المحطات عن قبحه وعدم نجاعته ووضع صورة المغرب والمغاربة في موقف لا يحسدون عليه حتى بات يعتقد من لا يعرف تاريخ المغرب أنه من دون رجال.
ساحة النقاش