http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس = محمد الأشهب

الغاز مقابل الماء

لو فكر العالم بمنطق السلطات الجزائرية، لما بقي تنظيم أو تظاهرة لحماة البيئة ومناهضي الإفراط في تلويث البحار والبراري والأجواء. وإذا لم يكن من ميزة لانتفاضة سكان عين صالح جنوب الجزائر ضد التنقيب عن الغاز الصخري، سوى إبراز الأضرار التي ستلحق بالمياه الجوفية، لتلوثها وتنضب ينابيعها، فالأمر يكشف عن وعي متقدم بالبيئة، يفوق إصرار السلطات على حفر مقابر المعيش ودفع السكان إلى الهجرة.
الغاز مقابل الماء. هكذا تلونت مقولات ومفاهيم بأشكال المقايضة، منذ أن اخترع الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون صيغة «النفط مقابل الغذاء» إبان الحصار القاسي الذي فرض على العراق، نتيجة غزوها للكويت، لكن الجزائر لا تواجه أي حصار، بل تحاصر نفسها بسياسات جائرة ضد الداخل والخارج. وكل همها أن تمضي قدما في استخراج الغاز الصخري، وإن على جثت الضحايا، طالما أن البلاد تواجه أزمة مالية واقتصادية خانقة، دفعتها إلى إقرار أكبر قدر من الإجراءات التقشفية التي طالت التشغيل وتعليق المشاريع الذي تم التصديق عليها في موازنات سابقة.
من حق أي دولة أن تدير أزماتها بما تراه ملائما، شريطة احترام كرامة الإنسان، إلا أن الأخطر في قضية عين صالح، ليس البحث عن موارد طبيعية جديدة تكمن في باطن الأرض الجزائرية المعطاء، وإنما ضرب مقومات الطبيعة التي تسمح بظروف حياة عادية، وإن اتسمت بالحيف والإكراه، فالماء ثروة لا تقدر بثمن، وكل التقارير تفيد بأنه سيكون من بين حوافز حروب مدمرة قد يعرفها العالم، بسبب سوء توزيع موارد ومنابع المياه والتحكم فيها وعدم اقتسام خيراتها مع الجيران والامتدادات الجغرافية، كما في حالة وادي النيل.
غير أن الجزائر منذ أن طبقت إصلاحا زراعيا فاشلا، أدى إلى تراجع منتوجاتها إلى درجة متدنية، وأصبحت تعتمد على توريد المنتجات الغذائية، بدل تنفيذ اختيارات تساعدها في ضمان الاكتفاء الذاتي، لم تعد تهتم بالفلاحة ولا بالمياه، ومن ثمة فإن نظرتها إلى الأحداث المتعاقبة في عين صالح لا تنفذ إلى عمق الأزمة، بل تراوح مكانها في ظل البحث عما يمكن أن تجنيه من وراء الغاز الصخري، وإن كان ذلك على حساب معاناة السكان. لم تعر أي اهتمام لخلاصات دراسات علمية حول مخاطر استخراج الغاز الصخري، ولا تريد أن يكون للخبراء ذوي الاختصاص في أمور البيئة والموارد الطبيعية أي دور في الحد من طموحها الكبير في امتلاك مخزون هائل من الغاز، والغريب أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات من داخل الجزائر تطلب إلى فرنسا مثلا الاعتذار عما ألحقته من دمار بالإنسان والطبيعة الجزائريين، خصوصا في مجال التجارب المحظورة في أسلحة الدمار، لم تكلف السلطات نفسها عناء الانتباه إلى أنها بصدد ارتكاب نفس الممارسات، بتشجيع من لوبيات النفوذ المالي والاقتصادي، ضاربة عرض الحائط بمشاعر وانشغالات المواطنين.
لم تتوقف الاحتجاجات عند مدينة عين صالح الأكثر تضررا من المشروع، بل تجاوزتها إلى مناطق أخرى، التقت مع أشكال التذمر الذي يجري التعبير عنه من غرداية إلى العاصمة الجزائرية. ما يفيد بأن القضية أكبر من حصرها في النطاق الضيق لاندلاع المواجهات. أقله أن البلاد توجد على سطح صفيح ساخن، ويكفي إثارة أي قضية اجتماعية، إلا وتقفز إلى الواجهة إشكاليات سياسية عميقة، لعل بعض أوجهها يكمن في دخول تنسيقية أحزاب المعارضة على الخط، وتعرض الوزير الأول عبد المالك سلال إلى احتجاجات عند توجيهه إلى البرلمان.
لا تخفي انتفاضة سكان عين صالح الذين تجاوزت اعتصاماتهم الشهرين، قبل تعريض قيام المتظاهرين إلى الحرق والإتلاف، واعتقال النشطاء وتدخل قوات الأمن، البعد السياسي في أزمة الجزائر، فالحكومة التي لا تعير اهتماما لأوجاع المواطنين المتظاهرين سلميا، وتهتم فقط بالمردودية الإنتاجية والمالية لمشروع استخراج الغاز الصخري، فتحكم على نفسها بأنها بعيدة عن مشاغل المواطنين.
وعندما تصر على استنزاف قدرات وإمكانيات الشعب الجزائري في قضايا تعنت خاسرة، كما هو حال ملف الصحراء الذي لم تربح منه الجزائر سوى المشاكل واستمرار وجود مواطنين على أراضيها لمقايضة مشاعرهم بمواقف سياسية، إنما تؤكد بالدليل القاطع على أن سياستها في واد وهموم المواطنين في واد آخر. غير أن من يقدم على إغلاق الحدود من طرف واحد في وجه مواطنيه وإخوانهم المغاربة لصلة الرحم والتواصل، لا يمكن أن يتوقع منه الاهتمام بمعاناة سكان عين صالح وغيرهم في المناطق النائية عن العاصمة. إذ لا يرى فيها سوى مناجم ومنابع للنفط والغاز، أما مشاعر الناس فهي آخر شيء يتم الاهتمام به. ولما تتخلص الجزائر بعد من أزمة العطش الذي لا يأتي من الطبيعة، بل من الإصرار على مقايضة الماء بالغاز.

المصدر: من الإصرار على مقايضة الماء بالغاز.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة
نشرت فى 9 مارس 2015 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,321