<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
الصرار والنملة
يطلق عادة لقب «الحيوان السياسي» على الشخصيات السياسية المفترسة، التي تمتلك مخالب وأنيابا تدافع بها عن قناعاتها وتستعملها لمهاجمة خصومها الذين يغامرون بدخول محمياتها.
الحيوانات السياسية غالبا ما تكون مفترسة، تتشبه بالسباع والضباع والفهود. لكن هناك نوعا آخر من الحيوانات السياسية، تختار الدهاء والمكر والخديعة، ومثلها الأعلى هو الثعلب والقردة. لكن هناك حيوانات سياسية أخرى تختار نفاق التماسيح.
وعندنا في المغرب محميات طبيعية واسعة، حيث ترتع هذه التماسيح السياسية وتعيش. ومعروف عن التمساح أنه عندما يلتهم ضحيته يبدأ في ذرف الدموع. ليس حزنا على ضحيته، وإنما لأن عملية الهضم المعقدة التي يقوم بها الجهاز الهضمي للتمساح تتطلب ذلك، أي أنه يبكي لكي يهضم ضحيته بشكل أفضل.
وفي المغرب،هناك مسؤولون يوقعون على قرارات سياسية ضد مصلحة المواطنين، وفي الغد يقفون إلى جانب هؤلاء المواطنين لكي يبكوا معهم.
ومثلما أن هناك حيوانات سياسية، فهناك أيضا حشرات سياسية، فالحشرات أيضا تمارس السياسة وتطبق الديمقراطية في ما بينها.
ومعضلة الصراصير قضية تعيشها كل العائلات المغربية وتبحث لها عن حل طيلة السنة بلا فائدة. ومع ذلك، ليس هناك أي حزب سياسي مغربي تواضع وفكر في صياغة سطر أو سطرين في برنامجه الانتخابي يتعهد فيه بالنضال بكل الوسائل السياسية الممكنة للقضاء على الصراصير.
وبنظري، فإن الأحزاب التي تتحدث اليوم بتفاؤل كبير عن ملايين المناصب التي سيخلقونها بمجرد وصولهم إلى الحكومة، يجب أن يفكروا في إعادة صياغة برامجهم الانتخابية وأن يوحدوا جهودهم السياسية والنضالية في محاربة شيء واحد فقط، الصراصير. وإذا نجحوا في هذه المعركة السياسية، فإنهم سيعطون المثال على الوفاء بالعهود التي قطعوها على أنفسهم أمام الشعب. ولو أن رأيي الشخصي هو أن الحكومة ستفشل في حربها ضد الصراصير، لسبب رئيسي واحد، وهو أن الصراصير تعلمت الديمقراطية وتطبقها يوميا، عكس أحزابنا السياسية التي تعلمت فقط كيف تعطي دروسا في الديمقراطية للآخرين فيما هي تطبق داخل أجهزتها الدكتاتورية والزعامة مدى الحياة.
وحتى يتعرف السادة الوزراء على بعض ملامح ديمقراطية الصراصير، ليسمحوا لنا أن نحيلهم على الدراسة العلمية المعمقة التي نشرتها مجلة «أعمال أكاديمية العلوم القومية» الأمريكية، والتي عرضت قناة «ديسكوفري» المتخصصة نتائجها، والتي تؤكد أن كل صرصور يتمتع باستقلاله الذاتي، إلا أن الصراصير تتعاون معا في عملية ديمقراطية بسيطة جدا.
أما اتخاذ القرارات المشتركة فيأتي بعد التداول في الأمور جماعيا. وذكر باحثون في الجامعة الحرة ببروكسيل أن الصراصير من فئة«بلاتيلا جرمانيكا» تمتاز بالكفاءات الديمقراطية، إذ يتعامل كل صرصور مع الآخر اعتمادا على وسائل اتصالات عن بعد ووسائل كيميائية وبالتلامس وبالنظر.
وإذا كانت الصراصير تتفوق على الطبقة السياسية في تطبيق الديمقراطية الداخلية، فإن الطبقة السياسية تنافس الصراصير في القدرة على الصمود ضد الانقراض. فالزعماء السياسيون عندنا شبه خالدين، تمر العقود تلو العقود وهم جالسون فوق كراسي الزعامة لا يزحزحهم مرض ولا شيخوخة ولا خرف.
وهذه القدرة على البقاء يتميز بها الصرصور أكثر من غيره من الحشرات، وإذا كان عمر الإنسان على هذه الأرض لا يتجاوز أربعين ألف عام فإن عمر الصرصور على وجه الأرض يتجاوز 150 مليون سنة.
ومنذ أن ظهرت الصراصير تعرضت الأرض لخمس موجات انقراض تسببت كل موجة في إبادة تسعين بالمائة من مخلوقات البر والبحر، وفي آخر موجة انقراض هلكت الديناصورات والثدييات العملاقة فيما أفلتت الصراصير بآذانها الطويلة لخامس مرة.
وهناك في طبقتنا السياسية من عمره مثل عمر «المش»، لديه سبعة أرواح، بحيث أفلت من الإعدام ولم تصور منه القنبلة الموقوتة شيئا، وخرج من أسوأ المعتقلات «صح من ظالم»، واستطاع أن يعيش ويرى هلاك رفاقه وانقراضهم بسبب المرض والأجل المحتوم، فيما هو صامد أمام «موجات الانقراض» هذه مثل صرصور حقيقي.
وهناك صفة مهمة يشترك فيها الصرصور الحشري مع الصرصور البشري، السياسي تحديدا، وهي أن كلاهما بلا قلب. فالصرصور كائن لا يعاني من أمراض القلب، لأنه ببساطة لا يملكه، وكل ما يتوفر عليه هو أنابيب ضاغطة تحرك الدورة الدموية في الاتجاهين. وهذه الميزة تجعل الصراصير لا تعرف شيئا اسمه التعب أو ضعف اللياقة.
والسياسي عندنا أيضا كائن بلا قلب، ومنهم من لا يربي الكبدة على حزبه أبدا، بحيث يستطيع أن يغيره بمجرد ما يحصل على تزكية للترشح باسم حزب آخر.
وحكاية الصرار والنملة تنطبق تماما على الحالة التي توجد عليها الأحزاب السياسية اليوم، خصوصا بعد اللخبطة التي تعيشها مع موعد الانتخابات الجماعية، الذي تم تأجيله من طرف رئيس الحكومة، الذي يعطي الانطباع بأنه هو وحزبه جاهزون لخوض المعركة عكس الآخرين الذين ما زالوا يسوون أوتار أقواسهم، حتى لا نقول كمنجاتهم.
فقد وقع لهؤلاء ما وقع للصرار الذي قضى فصل الصيف كاملا في الزهو واللهو يلعب الكمنجة ويسخر من النملة المجدة، التي لم تكف عن جمع الحبوب استعدادا للبرد. وعندما حل فصل الشتاء اكتشف الصرار أنه لم يدخر أي طعام يقاوم به أشهر البرد الطويلة، فجاء يستعطف النملة أن تمنحه القليل من الطعام فذكرته بكل الكلمات الساخرة والشتائم التي كان يكيلها لها عندما كانت تمر من أمامه حاملة حبات القمح فوق ظهرها.
فبكى الصرار بكاء حارا وندم على كل الوقت الذي ضيعه وراء الحفلات الراقصة مزهوا بكمانه وصوته.
طوال ثلاث سنوات، وأحزاب المعارضة نائمة في العسل وخدر معارك الزعامة، فيما حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي، يكد ويجد في جمع الأصوات وتمويل الجمعيات و«تبليص» أطره في المناصب العليا وإحكام قبضته على الإدارات والمؤسسات المانحة للدعم للجمعيات والتعاونيات.
وغدا سيأتي هؤلاء الصراصير، الذين رقصوا وغنوا طيلة الصيف، إلى التلفزيون وطرق البيوت باحثين عن حبات القمح شبه باكين مستعطفين، لكي يمنحهم الناس القليل من أصواتهم حتى يعودوا إلى أفراحهم وإقاماتهم الفارهة ودواوينهم الدافئة ورواتبهم السمينة.
ساحة النقاش