<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
قرصاتك ودخلات للغار
عوض أن يخوض رئيس الحكومة الحملة الانتخابية لحزبه بمنجزات هذا الأخير في الحكومة والمجالس المنتخبة، فضل أن يخوضها بنفس أدوات حملة 2011.
وإذا كان مقبولا من بنكيران عندما كان في المعارضة أن يكيل التهم الثقيلة لخصومه السياسيين، وأن ينعتهم بالانتماء إلى المافيا وابتزاز تجار المخدرات واستعمال أموال ذلك في الانتخابات، فإنه ليس مقبولا منه بتاتا أن يستعمل الخطاب نفسه وهو رئيس للحكومة.
لقد تضامن كثيرون مع عبد الإله بنكيران وأعضاء الأمانة العامة لحزبه عندما كانوا يقطعون الفيافي والجبال من أجل ترديد هذه التهم الثقيلة في حق منافسيهم السياسيين، وكان مشاهدو القنوات العمومية يقولون وهم يتابعون مداخلات هؤلاء الخطباء المفوهين في البرامج الحوارية «الله يعطيهم الصحة».
وقد أعطت هذه الخطب النارية أكلها، و«سرط» الشعب الطعم بعدما أقنعوه بأنهم بمجرد ما سيمسكون بزمام السلطة فإنهم سيطبقون شعار «محاربة الفساد والاستبداد»، وأنهم سيبدؤون بهؤلاء الذين ظلوا يقنعون الشعب بأن مكانهم الطبيعي هو السجن وليس رئاسة الأحزاب وعضوية البرلمان.
لكن الجميع اكتشف أن ما يردده بنكيران اليوم من تهم ثقيلة في حق خصومه السياسيين هو نفسه ما ظل يردده طيلة الحملة الانتخابية التي أتت به على رأس حزبه إلى رئاسة الحكومة، وأن الرجل عاجز عن الوصول إلى اللحم وأن كل ما يملك هو أن يصرخ في كل مكان أن هذا اللحم «خانز».
إذا كان هناك مافيوزيون بيننا يتاجرون في المخدرات ويمولون بها الحملات الانتخابية، وهناك عمداء مدن يتلقون رشاوى عن الصفقات التي يبرمونها كما قال رئيس الحكومة، فما عليه سوى أن يأمر وزيره في العدل بتحريك مسطرة البحث والمتابعة.
لكن رئيس الحكومة قال إنه لا يريد أن يتابع هؤلاء قضائيا، فهدفه من وراء هذا التصعيد الكلامي هو تأجيج لهيب الحملة الانتخابية وليس تطبيق القانون.
وإذا كان مسموحا لبنكيران أن يتهم ذات اليمين وذات الشمال عندما كان في المعارضة، فإنه ليس مسموحا له أن يفعل ذلك وهو رئيس للحكومة، لأن الفرق واضح بين الوضعين، ففي السابق كان بنكيران مجردا من السلط التي تسمح له بفتح التحقيقات وإعمال القانون، أما اليوم فسلطة النيابة العامة ممثلة في وزير العدل توجد تحت تصرفه، ومفتشية المالية ممثلة في وزير المالية توجد تحت تصرفه، والشرطة القضائية والفرقة الوطنية ممثلة في وزير الداخلية تحت تصرفه، وما عليه سوى أن يعطي تعليماته لهذه الأجهزة لكي تتحرك وتبحث في التهم الجنائية الثقيلة التي وجهها لهؤلاء الناس.
أما إذا كان رئيس الحكومة يعتقد أن إلقاء مثل هذه التهم، التي يتحدث بشأنها كما لو أنه متأكد منها ولديه الملفات المتعلقة بشأنها، دون أن يعطي الأمر بتحريك المتابعة، فإن ذلك يدخل في باب المشاركة والتستر على جناية.
إننا نستغرب لهذا الموقف الجبان لرئيس الحكومة أمام أشخاص يتهمهم بتهم جنائية ثقيلة دون أن يكون قادرا على تطبيق القانون في حقهم. فسعادة رئيس الحكومة يتحلى بالشجاعة فقط عندما يتعلق الأمر برشيد نيني لكي يجرجره أمام المحاكم، وها قد أعطى رئيس الحكومة حتى اليوم موافقته لأربعة وزراء في حكومته لمقاضاتي، آخرهم وزير الشوكولا.
لماذا يتجاسر رئيس الحكومة على صحافي مستقل لا حزب ولا نقابة ولا حركة تسند ظهره، فيأمر وزراءه بمقاضاته ومطالبته بمئات الملايين كتعويضات،بينما يتراجع مذعورا عندما يتعلق الأمر بخصوم سياسيين نافذين يتهمهم بالضلوع في المافيا وتجارة المخدرات وتلقي رشاوٍ على الصفقات؟
ما الأخطر على استقرار ومستقبل البلاد، رأي مستقل خالٍ من السب والقذف في جريدة مستقلة حول أداء وزراء الحكومة، أم سياسيون يتهمهم رئيس الحكومة بالضلوع في المافيا وتجارة المخدرات وتلقي العمولات؟
لو كان رئيس الحكومة يعف عن إعمال مساطر القانون مع كل من يعتبرهم خصومه لكنا حسبنا الأمر على موقف ومبدأ ثابت يعمل به الرجل، لكن رئيس الحكومة لم يترك وزيرا في حكومته كتبنا عن تدبيره لشؤون وزارته لم يطلب منه وضع شكاية ضدنا لدى وزير العدل، مما يدل على أن رئيس الحكومة يكيل بمكيالين.
وهكذا فرئيس الحكومة يستأسد علينا بزئير وزيره في العدل كلما كتبنا رأيا أو خبرا حوله أو حول أحد وزرائه، أما عندما يتعلق الأمر بمواجهة فساد خصومه السياسيين بالقانون فيتحول إلى نعامة تدس رأسها في التراب.
سيكون من الغباء التصديق بأن الطبعة المزيدة والمنقحة من «الجذبة» التي يؤديها رئيس الحكومة اليوم ستفلح في إقناع الناخبين مجددا بصدق نوايا الحزب الحاكم مثلما سبق وأن أقنعتهم في الانتخابات السابقة. فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين.
لقد أعطاكم الشعب الفرصة لكي تظهروا له حنكتكم وشجاعتكم في محاربة الفساد والاستبداد، فماذا صنعتم؟
أخذتم الحقائب الوزارية وسهرتم على إخراج القوانين التنظيمية لقانون واحد هو قانون التوظيف في المناصب السامية، حتى تتمكنوا من وضع أصحابكم وإخوانكم في الحزب والحركة على رأس هذه المناصب لتعيدوا إنتاج التحكم الذي كنتم تنادون بمحاربته.
قبلتم أن تلعبوا دورا هامشيا في مسرحية تعرفون مسبقا أنكم فيها لستم سوى «كومبارس»، ورضيتم مقابل ذلك بالحصول على «كريمة» التعيين في المناصب السامية ورحتم توزعون المناصب على مقربيكم في الوزارات والمؤسسات العمومية.
وخلال هذا الوقت تركتم الفساد يرعى ويكبر ويتجبر، وعوضتم شعار «محاربة الفساد والاستبداد» الذي عاهدتم الشعب عليه بشعار «عفا الله عما سلف» الذي تعاهدتم به مع الفساد، واستضفتم في حكومتكم من كنتم إلى حدود الأمس تنعتونه وحزبه بالفاسد، وتحول كل من يقول لكم «اتقوا الله» إلى عدو، وجرجرتمونا أمام المحاكم لإرهابنا وتكميم أفواهنا وكسر أقلامنا، وقربتم منكم لاعقي الأحذية وكتاب قصائد المدح وافتتاحيات التكسب.
لقد كنت، والله شاهد علي، من أكبر المدافعين عنكم عندما كنتم في المعارضة، فقراء مهمشين مثل الجمال الجرباء يهرب منكم الصديق قبل العدو. ولم أنتظر منكم منصبا ولا مكافأة لأنني أكتب ما أومن به، وما ضرني أن صادف ما كنت أدافع عنه ما كنتم بصدد مقاومته.
كنتم على شفا حفرة، وكان حبيب قلبكم اليوم، الهاشمي الإدريسي مدير الوكالة، يكتب الافتتاحيات التي يطالب فيها بحل حزبكم، وكان الجميع يريد بكم شرا،وكنت أقاتل نيابة عنكم في مواقع عدة،إيمانا مني بأنكم قد تكونوا السد المنيع ضد طوفان الفساد الذي استشرى في كل القطاعات.
وعندما حان وقت دفع الضريبة،دفعتها كاملة غير منقوصة، من حريتي وعافيتي ومالي. وكل ما فعلتم هو الشماتة، وإني فوضت أمري لله في ذلك، وفي أمور أخرى، ومع ذلك عندما منّ الله عليكم بالنصر، لكي يمتحنكم، انقلبتم على أعقابكم بعدما سركم ما رأيتم من نعم المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وخفضتم رؤوسكم للفساد وقوستم ظهوركم لكل راكب، ووضعتم نصب أعينكم خراب بيتي وتنكيد عيشي لمجرد أن ما أكتبه يكدر عليكم هناء وضعكم الجديد، واستأنستم بقرب أعدائكم السابقين لما آنستم فيهم من طباع النفاق وحب المال،أما أنا فأقول لكم ما يقوله المغاربة الأحرار«شربنا من البير ملي كان نقي، أما ملي تخلطو فيه ليدين خليناه لغسيل الرجلين».
والنتيجة هي ما وصلتم إليه اليوم من هوان وضعف، فلا أنتم حاربتم فسادا ولا أنتم منعتم استبدادا.
واليوم تريدون أن تعيدوا الأسطوانة نفسها من جديد، فتدعون الضعف وقلة الحيلة رغم أن بيدكم أمر كل الأجهزة والمؤسسات التي يمكنكم استعمالها لردع المفسدين والضرب على يد اللصوص والمهربين.
لقد صدقكم الناس ووضعوا ثقتهم فيكم لأنهم عرفوكم وقت الشدة والعسر ولم يكونوا قد جربوكم بعد، الآن وقد عرفوكم وسوط السلطة بيدكم وعسلها يتقاطر من أفواهكم، هل تعتقدون أن الناس سيستمرون في تصديقكم مزيدا من الوقت؟
إذا كن الحديث النبوي يقول «لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين»، فنحن نقول للسيد بنكيران ما يقوله المغاربة في مثل هذه المناسبات «قرصاتك ودخلات للغار».
ساحة النقاش