<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--
المساء = محمد أمزيان
الإسلام يوجد في بلاد الكفر
العدد :2602 10-02-2015
من قصص الناس العاديين جدا، قصة ُعامل أمريكي يدعى جيمس روبرتسون لقيَ تضامنا غير عادي من الأمريكيين بعد أن تعرفوا على معاناته اليومية من خلال صحيفة محلية. وما كان لقصة جيمس روبرتسون أن تأخذ أبعادها الإنسانية وتستحوذ على تعاطف إنساني عالمي لولا الحملة العفوية التي نظمت لصالحه ولاقت استجابة فورية واسعة. يعاني جيمس من ضيق ذات اليد ويقطع ثلاثة وثلاثين كيلومترا يوميا مشيا على الأقدام ذهابا وإيابا إلى عمله، وذلك منذ أكثر من عشر سنوات، صيفا وشتاء. والأعجب في هذه القصة، التي انتشرت على نطاق واسع على صفحات الصحافة الاجتماعية، أن جيمس لم يتغيب ولو يوما واحدا عن عمله منذ أن تسلمه عام 2005. ظروف هذا العامل، المثابر والمواظب على أداء واجبه رغم بعد المسافة، دفعت شابا صغير السن (19 عاما) إلى إنشاء موقع إلكتروني بهدف مساعدة جيمس ماديا ومعنويا حتى يواصل أداء واجبه في ظروف أحسن. وقد تمكن«المحسنون» فعلا، وفي ظرف وجيز، من جمع أكثر من 200 ألف دولار حتى الآن، وحصل جيمس على سيارة من أحد المحسنين، هذا فضلا عن انتشار قصته عبر وسائل الإعلام المواطنة، مما وسع دائرة التعاطف حتى خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
أمران أساسيان أثارا انتباهي في هذه القصة التي لا تختلف، في صورتها وجوهرها، عن قصص الناس في بلادنا: أولا، حجم التضامن الذي تلقاه جيمس؛ وثانيا، رَدة فعل بعض المعلقين المغاربة، والمسلمين عموما، بخصوص التضامن والمساعدات الإنسانية التي حصل عليها جيمس، والذي كان قبل أيام قليلة نكرة في مجاهل المجتمع الأمريكي.
فقد غير التضامن الاجتماعي الواسع والعفوي حياة هذا المواطن الفقير من حال إلى حال، وهذا درس لنا ولغيرنا ممن يستهينون بالمبادرات الفردية العفوية، وكيف تؤثر مثل هذه المبادرات في تغيير الرأي العام وخلق حالات من التضامن الذي يظن البعض أنه عملة نادرة في المجتمعات الفردانية. وفي هذه الحالة بالذات، وحالات أخرى مشابهة في بلدان غربية أخرى، تقوم الصحافة المواطنة بدور لا يمكن الاستهانة به في عالم يعرف كيف يستخدم وسائل التواصل الحديثة لتحريك المشاعر العامة وتغيير أنماط التفكير.
المسألة المهمة الأخرى، في نظري، لها علاقة بتعليقات المعلقين في مجتمعاتنا الإسلامية. وقد شدت انتباهي مضامينها التي صبت في غالبيتها في اتجاه عقد مقارنة بين «الكفار» والمسلمين، وهي ثنائية قديمة يعاد استحضارها في كل مناسبة. ولعل أكثر الصيغ المكررة هي: «الإسلام الحقيقي يوجد في الغرب»، «الإسلام يوجد في بلد الكفر»، «الكفار أخذوا جوهر الإسلام وتركوا لنا القشور»، «أين يكدس المسلمون ثرواتهم»... وغيرها من التعليقات التي تعبر في عمقها عن مدى المرارة والخيبة اللتين يحس بهما المسلمون، وربما الغبن، أيضا، حينما يرون قلة من «إخوانهم» يبعثرون ثرواتهم في التفاهات، بينما «إخوانهم» يواجهون مصائرهم بصدور عارية.
ولا يقتصر مجال المقارنة بين «المسلم» و«الكافر» على جانب قيم التضامن والتكافل الاجتماعي فقط، بل يشمل كذلك قيما أخرى مثل الإخلاص والصدق وغيرها. وعادة ما تسمع شخصا ينصحك: «لا تشترِ سيارة من مسلم»، «لا تثق في فلان رغم مظاهر ورعه»..! بل وصل الأمر بشركات مغربية إلى حد تفضيل مستخدمين أوربيين على الاستعانة بكفاءات مغربية، والتبرير يكون دائما بهذا المعنى: «النصراني يمكن الثقة فيه، أما أخوك المسلم فلا»! إلى هذا الحد وصل انعدامُ الثقة بين المسلم و«أخيه» المسلم. وهذا ليس بجديد ولا هو وليد العصر الحالي، بل توجد نصوص قديمة تؤكد هذه الصورة مع الأسف.
ففي شهادة أوردها البحار الهولندي يان كورنليس ديكر الذي أسر في المغرب في زمن مولاي إسماعيل، نقرأ ما يلي: «المغاربة يفضلون الاستعانة بخدمات العبيد المسيحيين بدل مواطنيهم، لأنهم يضعون ثقتهم في العبيد أكثر من المغاربة؛ فتراهم يقبلون على اقتناء الأسرى المسيحيين ويدفعون في سبيل الحصول عليهم أموالا طائلة». (سبق أن قمت بترجمة هذه الشهادة ونشرها).
الصورة السلبية التي يعاني منها المسلم في سلوكه وتعامله مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، لا تتعلق بجوهر الإسلام ولا بقشوره، وإنما بعقلية مكتسبة متوارثة وموروثة لا يمكن التخلص منها إلا بالتربية وإعادة الثقة في النفس والقبول بإنسانية القيم وكونيتها ، عوض اعتبارها حكرا على دين دون غيره.
أعترف بأن المهمة ليست سهلة.
ساحة النقاش