<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = محمد الأشهب
بداية تفاهمات حذرة
في رد صريح أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، وليس تصريحات صحفية، أقر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بالأهمية الاستراتيجية المتزايدة لعلاقات بلاده مع المغرب، وسواء جاء ذلك تحت تأثير ضغوط المعارضة التي لم تقبل المغامرة بصداقة بلد حليف ومستقر في منطقة الشمال الإفريقي، المركز التقليدي للنفوذ الفرنسي، أو بفعل الإكراهات التي حتمت الإقرار بالمآل الطبيعي لهكذا علاقات، فالثابت أن البلدين في طريقهما إلى إنهاء الأزمة التي اعترت علاقاتهما، حيث يجب أن تكون بعيدة عن التأثير في مسار شراكة قوية محكوم عليها بالاستمرار، وفق صيغة الند للند، حيث لا مكان للاستعلاء أو التقليل من شأن أي تصرفات تفسد الود المطلوب، وحين يقول فالس إن بلاده صديقة للمغرب وإن هذا الأخير صديق لفرنسا ـ فدلالات ذلك، بالنسبة لباريس على الأقل أن تنضبط مواقفها وسياساتها بأوفاق الصداقة، فيما أن الرباط من جهتها لم تفعل شيئا يناقض هذا المسار، وهي كدولة ذات سيادة في حل من مجاراة أي تصرفات تنتهك متطلبات الصداقة.
أيا كانت الدوافع التي حذت إلى طرق أبواب التفاهم، وليس النوافذ أو الهوامش، اقتصادية أم سياسية أم أمنية، فإن محور العلاقات المغربية ـ الفرنسية يشمل كل هذه الملفات وغيرها، ليس لأن باريس الشريك الأول التجاري للرباط، أو بسبب وجود أكبر جالية مغربية في الديار الفرنسية، أو نتيجة العديد من الروابط المشتركة التي صاغت أسس هذه العلاقات فحسب، ولكن لأن التوجه نحو المستقبل يؤكد أن في غياب هكذا تفاهم بين بلدين محوريين في محيطهما، يضعف حظوظ تفاهمات كبرى، بين الاتحاد الأوروبي ونظرائه في المنطقة الجنوبية للبحر المتوسط.
لعله لهذه الغاية، ذهب المغرب أبعد في الإبقاء على مضامين وآليات الحوار ومجالات التعاون مع بلدان الاتحاد الأوروبي، خصوصا إسبانيا وإيطاليا وألمانيا، كما حدث في الآونة الأخيرة. فهذا التوجه الذي رغبت الرباط في عدم تأثره بالأزمة مع باريس، إنما يعني أن المغرب مستمر في منهجه. ومن حقه أن يطور مجالات انفتاحه على باقي الشركاء الأوروبيين، تماما كما من حق باريس أن تعزز أوفاق علاقاتها مع دول المنظومة المغاربية، لكن شريطة ألا يكون ذلك على حساب القواعد التي تضبطها مبادئ الاحترام المتبادل على كافة المستويات.
في العلاقات بين الدول هناك دائما شيء محظور، اسمه الإمعان في الخطأ. فقد يحدث أحيانا أن تصدر تصرفات أو مواقف، منعزلة أو أشبه ببالونات اختبار، إلا أنه حين يتم استخلاص أنها تسير في اتجاه معاكس لإرادة التعاون المشترك واحترام أوفاق السيادة ومجالات ممارستها، يصار عادة إلى تدارك الخلل.
وفي الأزمة الفرنسية ـ المغربية، انبرى قطاع واسع من النخب والفئات الفرنسية يطرح الأسئلة العميقة حول أسباب هذا التردي، ما يعني في أقل تقدير أن التصرفات التي أدت إلى وقوع الأزمة غير مقبولة، ولعلها المرة الأولى التي تلتقي فيها وجهات النظر في اعتبار ذلك أمرا لا يتلاءم وطبيعة ونوعية العلاقات المتميزة. فقد أصبحت المسألة قضية رأي عام فرنسي، قبل أن تكون أزمة مغربية ـ فرنسية.
ليس فقط لأن هناك أعدادا كبيرة من الفرنسيين تعرضت مصالحهم إلى العطل، بسبب تعليق التعاون القضائي، أو نتيجة تضرر معاملات اقتصادية وتجارية لها امتدادات قانونية، ولكن لأن أسلوب وشكل الأزمة كان غريبا وغير مستساغ، لكن المفارقة أنه إبان ذروة الأزمة طلب الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما التدخل بنفوذه السياسي لحل أزمة مصرف فرنسي، فُرضت عليه عقوبات جراء انتهاك إجراءات حظر على إيران.
لندع القضية جانبا، فدلالاتها مع ذلك تفيد بأن مصالح الدول لا تسمح لأي طرف أو مؤسسة بالتغريد خارج السرب.
والأهم أن انفراط العقد لا تأتي إعادة تقويمه، إلا من خلال تصحيح المفاهيم والممارسات. وما أبانت عنه الأزمة بين الرباط وباريس هو أنه لا يزال هناك متسع للوقت ومزيد من الجهد لإعادة بناء العلاقات بين الدول على أسس جديدة، ووفق منظور شراكة ندية.
من جانبه، المغرب سجل مواقف مبدئية، انتقلت من الحالة الفرنسية إلى محور العلاقات بين الشمال والجنوب، حيث بات لزاما تفكيك معادلات سوء التفاهم، انطلاقا من احترام إرادة الدول واختياراته، وكذا حماية ثرواتها وصون موروثها، فيما أصبح على الفرنسيين، وقد أدركوا كيف أن كرة الثلج في إمكانها أن تتدحرج أكثر، أن يستبدلوا السياسات المشفرة بأخرى أقرب إلى تفهم مشاعر وقضايا الآخرين.
بعض الأزمات تفتح العيون على مناطق ظل متوارية، لا تحظى عادة بالقدر اللازم من الاعتبار. وفي سجل العلاقات المغربية ـ الفرنسية، خصوصا على عهد الحزب الاشتراكي الفرنسي ما يفيد بأن الأخطاء لا تصدر إلا من الطرف الفرنسي، قبل أن يصار إلى احتوائها. والظاهر أنه سيكون على الاشتراكيين الفرنسيين أن يتأملوا مجددا في أشواط المواجهات القديمة مع الرباط، فقد أثمرت في نهاية المطاف تفاهمات كبرى، ليس أبعدها أن العلاقات بين الدول لا يجب أن تتأثر بتغيير الحكومات والأشخاص، بل بمعايير الارتقاء بها نحو الأفضل.
ساحة النقاش