<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
الله يعطينا الشتا
أقفل رئيس الحكومة ثلاث سنوات متربعا على سدة الحكم، غير أن هذه المدة كلها لم تكن كافية بالنسبة للحكومة لإخراج القوانين التنظيمية لمؤسسات دستورية مهمة، على رأسها مجلس بنعمور للمنافسة، صاحب سلسلة مدارس (HEM)، والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
عبد العالي بنعمور طالب بإخراج القوانين التنظيمية لمجلس المنافسة الذي أصبح مؤسسة دستورية، وإلا فإنه يطالب بإطلاق «سراحه» من رئاسة هيئة بلا أسنان ولا مخالب.
أما بودرار فقد وجد من ينوب عنه في البرلمان وينادي بالمطالبة للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بالصفة الضبطية لمحاضرها، مع توسيع صلاحيات الهيئة لكي تشمل تسهيل مؤسسات الدولة لعمل الهيئة مع ضمان استقلاليتها.
الرأي العام الذي لا يبدو مهتما بكل هذه المجالس التي تعقد ندواتها في فنادق الخمس نجوم لكي تتحدث عن تقارير فوق الورق ما يلبث أن يطويها النسيان، يفضل أكثر متابعة أخبار الفضائح المتعلقة بتصوير المواطنين لبعض المرتشين من رجال الأمن والدرك والقضاة والموظفين العموميين بكاميرات وعرض أشرطتهم في مواقع التواصل الاجتماعية.
وقد أصبح واضحا أن المغاربة يضعون ثقتهم في يوتوب أكثر مما يضعونها في مؤسسة القضاء. وعدد الموظفين المرتشين الذين أسقطهم المواطنون عن طريق «يوتوب» أكثر بكثير من المرتشين الذين أسقطتهم تقارير هذه المؤسسات الدستورية التي تصرف على موظفيها ورؤسائها ميزانيات باهظة.
ولو أن الحكومة كانت فعلا تفكر في محاربة الفساد لمولت برنامجا طموحا بشراكة مع إحدى شركات صنع الكاميرات، من أجل إنجاح مشروع «كاميرا لكل مواطن». هكذا يصبح جميع المواطنين مسلحين بأدوات مكافحة الرشوة، المادة الرمادية لكل فساد.
لكن يبدو أن وزراء العدالة والتنمية في الحكومة فقدوا، مع الوقت، حماسهم السابق لهذا المشروع الطموح الذي «جبد عليهم البلا» قبل غيرهم.
فوزير العدل الذي دعا المغاربة في لقاء ضم 18 جمعية مناصرة لمشروعه لإصلاح العدالة، إلى التضييق على الفساد ومحاصرته عن طريق تسجيل محاولات الابتزاز ومطالب الرشوة من قبل المسؤولين بواسطة الهواتف المحمولة والكاميرات الخفية، وجد نفسه أمام أشرطة مسجلة وضعها أمامه مهندس في وزارته يكشف فيها أن الفساد ضارب أطنابه في قلب وزارة العدل.
فما كان منه سوى أن استعاذ بالله من هذه الأشرطة وقرر التوقف عن تحريض المواطنين على التصوير والتسجيل، خصوصا عندما وجد نفسه مضطرا لمعاقبة وتوقيف قاضيين من الرشيدية بسبب تسجيل متقاضية لمكالمات تورطهما في الارتشاء.
وبسبب تصديق هذه المرأة المتقاضية التي أطاحت بقاضيين دفعة واحدة لما سبق وأن قاله الوزير الشوباني عندما أعلن أن «التشريع يحمي المبلّغين عن حالات الفساد، وهذا يجب أن يتمّ الوعي به واستثماره للمساهمة في تقدّم البلاد وتطهيرها من الممارسات غير المقبولة»، داعيا كلّ مطّلع على ممارسة فاسدة إلى «توثيقها قبل التوجّه صوب العدالة لفتح التحقيقات باسم القانون»، فإن السيدة «على نيتها» سجلت الأشرطة التي تثبت الفساد وعوقب القاضيان بسبب ذلك، وبعد أيام وجدت نفسها محكومة من طرف الهيئة القضائية بالمدينة نفسها بخمس سنوات سجنا بتهمة محاولة إضرام النار.
«شفتو اللي تبع الشوباني والرميد فين كايسالي»؟
سيقولون لكم إن ثمن الإصلاح باهظ ويجب على المواطنين أن يكونوا شركاء فيه وأن يدفعوه من أرزاقهم وأن يكونوا شجعانا ووطنيين. سيقولون لكم إن محاربة الفساد يمكن أن تكلفكم مناصبكم، كما وقع لمهندس وزارة العدل، وأرزاقكم كما وقع لموظف المالية الذي فضح علاوات مزوار وبنسودة، وحريتكم كما حدث لسيدة الرشيدية.
وفي الوقت الذي ستكونون فيه واقفين أمام العدالة تدفعون ثمن غيرتكم ومحاربتكم للفساد، سيستمر هؤلاء السادة الوزراء في مناصبهم، يتقاضون رواتبهم السمينة ويشيدون الفيلات في المنتجعات السياحية ويحجزون مسابح مؤسساتهم لكي يمارسوا فيها رياضة العوم، كما يصنع وزير العدل في المسبح التابع لوزارته، أو كما يصنع وزير التجهيز في المسبح التابع لنادي الوزارة مساء كل خميس. فيبدو أن زمن «البيصارة» و«التحنسير» وسيارة «الكونغو» انتهى وجاء عهد اللياقة البدنية و«السموكينغ» والسيارة المصفحة والطائرة الخاصة والجلابيب الموشاة بخيوط الذهب.
ولو سأل أحد المغاربة ماذا يفضلون لضمان حقوقهم، «اليوتوب» أم محاكم وزارة العدل لأجابوا جميعهم أن «اليوتوب» هو ديوان مظالمهم ووزارة عدلهم الحقيقية، فإليه يلجؤون لنشر شكواهم لملك البلاد، وفيه ينشرون أشرطة من يبتزهم، وعبره يبثون استغاثتهم ضد من يحتقرهم ويبخسهم أشياءهم.
فـ«اليوتوب» والأمطار هي وزارة العدل والهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة والمجلس الأعلى للحسابات «تاع بصح».
وأمامكم الأمطار الأخيرة التي هطلت وأماطت اللثام عن الغش في الصفقات العمومية الخاصة بالتجهيز، فكم من قنطرة انهارت بسبب الغش دون أن تكمل أربع سنوات من عمرها، وكم من طريق حديثة الإنشاء ابتلعها الواد، وهي الصفقات التي لم يفلح المجلس الأعلى للحسابات، لا الجهوي ولا المركزي، في كشفها.
وهكذا فالأمطار بالنسبة للمغاربة هي مثل إدوارد سنودن وجوليان أسانج بالنسبة للأمريكيين، كلاهما يفضح المستور ويكشف للعلن ما خفي من فساد. وربما لهذا السبب كان الماريشال ليوطي يقول دائما «أن تحكم في المغرب هي أن تمطر».
ولعل المتتبع لعمل المجلس الأعلى للحسابات على عهد إدريس جطو، سيلاحظ أن المجلس خرج في كثير من المناسبات عن نطاق تخصصه، فيبدو أن السيد إدريس جطو يعجبه أكثر أن يلتقي في ردهات البرلمان بأصدقائه ومديريه القدامى بالمالية عندما كان وزيرا عليهم، كما يعجبه أن يتعاظم أمام البرلمانيين الذين يشترك مع بعضهم في صفة «التاجر»، وكأنه لم يدرك بعد معنى منصب رئيس على محكمة مالية، ولا يدرك أنه عين كقاض خارج الدرجة على رأس المجلس الأعلى.
ومنذ تنصيب جطو على رأس المجلس الأعلى للحسابات وهو يتعاطى للدراسات والبحث في ميادين هي من اختصاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كما أنه يقوم بدراسات موضوعاتية تاركا دور المجلس الأساسي المنصوص عليه في مدونة محاكم المالية، والذي هو البت في الحسابات بقرارات تنقض أمام محكمة النقض مبدئيا بعد مرورها بغرفة الاستئناف الموجودة بالمجلس.
وعوض أن يهتم إدريس جطو بهذا العمل الجبار دخل في صراعات مجانية مع وزير العدل، علما أنه من حق وزير العدل كرئيس النيابة العامة، أن يقوم بتحريك الدعوى العمومية لدى علمه بمخالفات، وليس لجطو أو غيره أن يشعر بالضيق.
مسطرة القانون المالي واضحة لا يجب تعويمها لصالح توجيه المجلس نحو الدراسات الموضوعية أو الموضوعاتية على قطاع الماء، قطاع المقاصة، قطاع التقاعد، في الوقت الذي هو مطالب بأن يراقب هذه القطاعات لا أن يقترح حلولا لأزماتها.
وهو عندما يقوم بذلك فإنما يخرج عن دوره ويتصرف كحكم وكخصم في الوقت ذاته. وفضلا عن ذلك فكل الدراسات التي يقوم بها جطو من تلقاء نفسه هي غير قانونية، وتدخلاته في البرلمان في هذه القضايا هي سياسية، ولا أساس دستوري لأنشطته بالبرلمان وتدخلاته، هل شاهدتم رئيس مجلس دوره هو المراقبة، ترك عمله الأساسي الذي هو المراقبة وانشغل بالتنظير وحل الأزمات؟
عمل المجلس الأعلى للحسابات، حسب ما تنص عليه مدونة المحاكم المالية، هو مراقبة التنفيذ لا المناظرات، البت في الحسابات بقرارات لا يمنع القضاة من ممارسة عملهم، لذلك فقد أثبت إدريس جطو أنه يليق أكثر بترؤس المجلس الجهوي للسياحة بالجديدة لينمي تجارة المنطقة ويبني الفنادق، ويستورد سيارات «البورش» و«مزيراتي» ويبيع الكمبيوتر للمجلس والهواتف النقالة وما إلى ذلك، عوض أن يكون على رأس مؤسسة تراقب المؤسسات وتحاسبها.
ساحة النقاش