<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس - المصطفى مورادي
أمة في عداد الأحياء
في غمرة انفعالات الجمهور بما استجد أخيرا على هامش حادث «شارلي إيبدو» الإرهابي، وكذا ردود الأفعال التي أقدم عليها الساسة المغاربة ردا على الشعبوية المقيتة التي تحكم فرنسا اليوم، هناك فرنسا أخرى.. ثقافية هذه المرة، فرنسا لا يمكن لكل ما حدث أن يغطي نورها وأنوارها.. إنها فرنسا التي تعترف بمثقفيها ومبدعيها وفلاسفتها وشعرائها.. فرنسا البحث العلمي، فرنسا المكتبات العامة،فرنسا القارئة بِنَهم، فرنسا إنتاج الكتاب وترويجه، فرنسا الفنون ومعارضها الدائمة، فرنسا دور السينما، فرنسا المسارح، وأخيرا فرنسا التي ينفعل ساستها اللاهثون خلف أصوات الرعاع، ولكنهم ما فتئوا ينصتون للمثقفين والفلاسفة والباحثين..لأنه عندما يتكلم إدغار موران أو آلان تورين أو مارسيل غوشيه..يكون سكان الإليزيه مضطرين ليكونوا تلامذة صف أول ينصتون للفيلسوف؟
فكما احتفلت الساحة الثقافية الفرنسية السنة الماضية بمئوية ألبير كامو، فأعادت طبع رواياته، واحتضنت المكتبات العامة والجامعات عشرات الندوات واللقاءات التي تستحضر عظمة هذا الروائي الكبير، هذا بالرغم من أن الأفق الذي بلغته الرواية العالية عموما، تجاوز بكثير روايات ألبير كامو، شكلا ومضمونا، فإنها اليوم تحضر نفسها لتحتفل بمئوية الناقد الأدبي، ورائد السيميائيات عبر العالم رولان بارت.. حيث أصدر أيضا مجموعة من الباحثين كتبا وأعادت دور النشر طباعة البعض منها في نسخ أنيقة، فضلا عن عشرات المقالات المتخصصة حوله، للاحتفاء به، بالرغم أيضا من كون النقد الأدبي والفني حقق طفرات مهمة بعد رولان بارت نفسه.. ولكن الثابث هنا هو: أمة تعترف بمبدعيها ولا تنساهم أبدا.
ولكي نقارن الأمر، ولا ندع الشعبوية في الضفتين تعمي بصيرتنا،فننسب لأنفسنا ما لم يكن لنا،ولن يكون مادمنا على هذه الحال، ولنرى تجليات الثقافة عندنا: لننتبه إلى عدد الذين يشاهدون فيلما كل أسبوع في دور السينما، وعدد المكتبات العامة في كل حي وعدد الذين يرتادون المتوفر منها، وعدد المعارض الفنية وعدد الزائرين «غير المجاملين» للفنان/ة العارض/ة، وعدد الكتب التي تُطبع ثم عدد ما يباع منها...،ولنرى اهتمام مسؤولي الثقافة عندنا، ولنرى اهتمامات «أباطرة» المؤسسات الثقافية المسماة «مدنية» أو «ذات منفعة عامة»، ولنسألهم عن تواريخ ولادة المختار السوسي وعابد الجابري ومحمد زفزاف والمهدي المنجرة وأحمد بركات ومحمد خير الدين وعمران المليح وغيرهم.. ولنسأل «أباطرة» المقبرة المسماة «اتحاد كتاب المغرب»، عن عدد الدراسات والمقالات التي ينتجها الاتحاد عن كتاب وباحثين وعلماء مغاربة.. ولنسألهم بالمقابل عن عدد المحاضرات واللقاءات التي يحضرونها في دبي وأبوظبي والمنامة وغيرها من إمارات البدو في نجد والحجاز، ولنسألهم عن المقالات و«الدراسات» التي ينجزها بعض هؤلاء «المجتهدين» عن قصائد تافهة وروايات أتفه، فقط لأن كتابها خليجيون.. فيقرؤونها «بنيويا» وهي كتابات بدون بنية، و«أسلوبيا» وهي كتابات فقيرة الأسلوب.. فيقولون فيها ما لا يخطر إلا على بال مرتزقة يتاجرون بأقلامهم.. وعندما تهب رياح الشعبوية في موضوع معين، قد يُذكر العامة الناس بهم، نجدهم أول من يعود إلى «أرض الوطن» ليكتب لماذا سعادته «ليس شارلي».. لكن لم ولن يكتب لماذا عليه أن يكون مغربيا أولا، وليس خادما لبدو نجد والحجاز..
في هذا فرنسا تهزمنا، تهزمنا لأنها أمة تعترف برموزها وثقافتها، تقرأ للأغيار وتترجم لهم وتبسط كتبهم وفكرهم وتدرسهم في الجامعات، لكنها لا تنسى أبدا هويتها ومثقفيها وعلماءها، وليتابع كل نقاد الأدب عندنا الدينامية التي ستعرفها الحياة الثقافية الفرنسية هذه السنة بمناسبة مئوية رولان بارت، ليعرفوا الفرق الحقيقي بين الأمة الحية والأمة التي ترفض الاعتراف بأنها فقط «في عداد الأحياء».
ساحة النقاش