<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = سامي السلامي
أزمة الرأسمالية والحراك العربي
يشهد الوطن العربي أوضاعا خطيرة من التوتر السياسي، والتدهور الاقتصادي والانقسام الطائفي وعدم الاستقرار الأمني، نتيجة للحراك الذي عرفته المنطقة والذي أطلق عليه اسم «الربيع العربي».
وعليه، فإن فهم الواقع بالمنطقة يجعل من المقاربتين السوسيولوجية والجيوسياسية غير ناجعتين، إن لم يتم ربطهما بالمتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية للخروج بصورة واضحة.
صحيح أن الشعوب العربية خرجت للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية مع التوزيع العادل للثروات، والتعبير عن رفضها للأنظمة الديكتاتورية ومطالبتها بالتغيير، إلا أنه من الصعوبة بمكان وصف «الحراك اللانمطي» بالعفوي لما اعتلته من شعارات، وما عرفه من تدرج في استعمال آليات للضغط والتصعيد تنم عن عقلانية في التخطيط والتدبير.
كما أن هذا الحراك جاء في سياق دولي متغير، ترجمه تبني الولايات المتحدة الأمريكية لخيار استراتيجي قصد تقسيم وتفتيت المنطقة وجعلها بين أيدي ثلاث قوى إقليمية غير عربية هي: إسرائيل، تركيا وإيران ـ مع شرط انضمام الأخيرة إلى المشروع الغربي ـ متبنية نظريتي الفوضى الخلاقة والتفكيك النظيف، سعيا منها للتفرغ بالإحاطة بالصين واحتواء روسيا، مع ضمان أمن إسرائيل وسط محيط عربي هش ومنقسم إلى دويلات غير قادرة على حماية أمنها عن طريق اللعب على الحبل الطائفي، فما بالكم بتهديد وجود الكيان الصهيوني من قبلها !
ومن ثم، لابد لنا من استحضار بعض التصريحات لشخصيات ومسؤولين أمريكيين هامين، حيث أنه لن يمر علينا مرور الكرام التصريح الذي أدلى به «هنري كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكي سابقا ومهندس اتفاقية كامب ديفيد، لمجلة «ديلي سكيب» الأمريكية سنة 2012، قائلا: «لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط، نظرا لأهميتها الإستراتيجية، لأنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى.. لم يبق سوى خطوة واحدة، وهي ضرب إيران، وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتهما سيكون الانفجار الكبير والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأمريكا... كما أنه سيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح، لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط.. إن طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة، ومن لا يسمعها فهو بكل تأكيد أصم».
كما يستوقفنا كذلك، الحوار الذي أجراه الجنرال الأمريكي المثير للجدل «ويسلي كلارك» (القائد العام السابق لحلف النيتو)، حينما أكد بتاريخ 2 مارس 2007 لمجلة «ديموكراسي ناو» ما مفاده أن أحد زملائه أخبره في سنة 2002 بتوصله بمذكرة من البنتاغون لشن حرب على سبع دول في الشرق الأوسط هي العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان وإيران، وأنه لولا البترول في الشرق الأوسط لما اكترث أحد للتدخل في هذه المنطقة.
وهنا استغلت إسرائيل الفرصة لإعادة بناء حلف نصف المحيط الذي تشكل سنة 1955 بين كل من بن غوريون وشاه وإيران وعدنان مندريس (تركيا) وإمبراطور إثيوبيا «هيلاسيلاسي».
الحلف الجديد عبارة عن دائرة كاملة للإحاطة بالوطن العربي، تستغل فيها إسرائيل تحالفاتها الممتدة من الأكراد شمال العراق مرورا بدول القرن الإفريقي وصولا إلى غرب إفريقيا، بهدف شد أوصال الدول العربية وتقطيعها، في تناغم تام مع الإستراتيجية الأمريكية بإعادة تقسيم حدود «سيسبيكو» قصد إنشاء دويلات ضعيفة، مستغلة العصا الطائفية والجماعات التكفيرية (داعش) التي ظهرت بفعل السياسات الأمريكية التخريبية للعراق على مر عقدين ونصف من الزمن.
***
ونتحول هنا صوب جوهر موضوعنا والذي يهم الجانب الاقتصادي، فالأزمة الاقتصادية التي عرفها العالم سنة 2007 (أزمة الرهن العقاري) أي ثلاث سنوات قبل الحراك العربي، تتطلب منا الوقوف عندها بروية وتوضيح مدى تأثيرها فيما آل إليه الوطن العربي من وضع متأزم عقب ما أطلق عليه «الربيع العربي».
فالدارس للنظام الرأسمالي والمراحل التي مر منها وتحوله صوب راديكالية تمثلها الامبريالية الجشعة، يجد أن الأزمة تعتبر من خاصيات هذا النظام سواء كانت ظرفية أو بنيوية، بمعنى آخر أنه يتكيف والمتغيرات ويتمكن من استغلالها.
وبما أن الأزمة الاقتصادية عبارة عن اختلال في التوازنات الماكرو ـ اقتصادية يتخللها إغراق السوق بالمنتجات وسط اختلال في الطلب لصالح العرض.. فإن تعامل النظام الرأسمالي لاحتوائها (أي الأزمة) يكون عن طريق تحطيم قوى الإنتاج الصغرى لصالح الاحتكاريات الكبرى بهدف استعادة التوازن ما بين العرض والطلب، وبتطور الرأسمالية صوب الامبريالية وتجمع الشركات الصغرى في احتكاريات أصبح من الصعب تحطيمها بفعل انحصار الأزمة في الشق البنيوي، وهنا جاء الحل الثاني المتمثل في التوسع سواء عن طريق الشراكات الاقتصادية الخارجية أو الاحتلال المباشر واستغلال المستعمرات لتصريف فائض الإنتاج.
ونظرا لاستحالة التوسع الاقتصادي على حساب الآخر خلال أزمة 2007، بفعل الصراع بين الاحتكاريات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين... وكون المتغيرات الدولية جعلت مختلف الأطراف تفكر قبل استخدام القوة مرات ومرات، وهو ما ترجمه نأي الولايات المتحدة بنفسها في عهد «أوباما» عن التدخل العسكري المباشر في الشرق الأوسط خارج إطار الأحلاف، فإن التوسع عن طريق المزج ما بين المعطى الاقتصادي والعامل الجيوسياسي في استغلال الحراك الاجتماعي بالمنطقة والركب عليه ودمجه بنظريتي الفوضى الخلاقة والتفكيك النظيف، كان بمثابة الحل السحري للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة بتحطيم قوى الإنتاج في العديد من الدول العربية.
فدول المنطقة العربية على اختلاف اقتصادياتها، كانت تعاني قبل الحراك من إشكالات هيكلية تهم بنية اقتصادياتها، أما خلال المرحلة الانتقالية فتعرف وضعا اقتصاديا حرجا ـ حيث تقدر خسائرها الاقتصادية بأزيد من 200 مليار دولار ـ ترجمه انخفاض النمو إلى النصف وارتفاع معدلات البطالة مع انخفاض الاحتياطات من العملة الأجنبية.
وفي ظل ارتفاع حجم الديون وهروب الرساميل والعجز المتصاعد في الميزانية بفعل تراجع الصادرات، لجأت دول الحراك العربي وخصوصا «تونس» و«مصر» و«اليمن» إلى الحلول الترقيعية، وذلك بالاستدانة لتغطية العجز وكذا الاستيراد لتوفير المواد التي يحتاجها السوق، وهي بذلك صرفت فائض الإنتاج لدى الدول الغربية بعد تحطم جزء هام من قوى إنتاجها وقيدت نفسها بقروض بفوائد عالية.
لقد استطاع الغرب بذكاء بالغ أن يركب على الحراك العربي ويصرف فائض إنتاجه بتدمير قوى الإنتاج في دول الحراك، وهو ما يتأكد لنا بالإطلاع على «تقرير الاستثمار العالمي 2012» الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) حيث ارتفعت توجهات الاستثمارات العالمية بنسبة 17 في المائة سنة 2011 في حين انخفضت الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى الدول العربية خلال نفس السنة بنسبة 37,4 في المائة، كما لو أن الاقتصاد العالمي يتحسن بفعل الضعف في بعض الاقتصاديات العربية نظرا لهروب رؤوس الأموال وعودة بعضها للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفعل غياب الاستقرار الأمني بدول الحراك.
إن دول الحراك أمام خطر كبير يتهددها جراء لجوئها لقروض تقيد سياساتها بفعل الإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد الدولي قصد ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية، عن طريق تبني خطط للتقشف والخفض من الميزانية العامة وكذا رفع الدعم عن المواد الأساسية، ما سيؤدي للعودة لحالة عدم الاستقرار والغليان لدى الشرائح الشعبية والنزول للشارع من جديد، وهو ما ترجم على أرض الواقع في الحالة اليمنية بما لها وما عليها من تداخلات وصراعات ما بين قوى إقليمية على أرض اليمن.
إننا أمام مرحلة تاريخية حرجة أصبحت فيها كل الدول العربية أمام أخطار تتهدد سيادتها وأمنها واستقرارها، ما يدعونا للدعوة نحو التكامل العربي في شتى المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية والحضارية، والسعي لإعادة بناء نظام إقليمي عربي قوي يتمتع بمرونة وصلابة تمكنه من شغل حيز هام كفاعل لا كموضوع للعلاقات الدولية.
ساحة النقاش